الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا أرسم الفرح - تقديم لمجموعة شفيق الجندوبي الشعرية الموجهة للأطفال واليافعين تحت عنوان -شفيف الغمام-

منوّر نصري

2020 / 8 / 18
الادب والفن


هكذا أرسم الفرح
تقديم لمجموعة شفيق الجندوبي الشعرية الموجهة للأطفال واليافعين تحت عنوان "شفيف الغمام"

عندما يكتب شاعر، مثل صديقي شفيق الجندوبي، محبّ لفيروز ولجبران ويهيم بتلك الأجواء الرومنطيقية التي تركّز على المشاعر الجميلة على حساب العقل وتعقيداته، في زمن أصبحت فيه الرومنطيقية تُعَدُّ هروبا من مواجهة الواقع وإشكالياته و انصرافا إلى عواطف النفس ومشاعرها التي تلهي الفرد عن مشاغل الحياة اليومية وقد تجعله في غيبوبة عن أشياء حيوية في معيشته اليومية بدعوى الانصراف للفنّ، قد يذهب في ظنّ القارئ أن صديقنا الشاعر شفيق الجندوبي، المتفقد العام للتربية، والقاص المتحصل على جائزة "مصطفى عزوز" للكتابة للأطفال واليافعين، والشاعر الرقيق الذي عشق الكتابة للأطفال، والأنفوغرافي infographiste الذي يبتكر بالحاسوب صورا وفيّة لمضامين قصائده وذات جمالية ثابتة، وصاحب الماجستير في تكنولوجيات المعلومات للتربية، متجاهل بتشعّب الحياة وضرورة فهمها باعتماد العقل فهما منظوميا une compréhension systémique يولي اهتماما للترابط والتفاعل بين الظواهر مهما بدتْ صغيرة. أو قد يذهب الظّنّ إلى أنه غير واع بمختلف المتغيرات التي تؤثّر في الواقع، والتي يزداد عددها يوما بعد يوم لتجعل الواقع متزايد التعقيد بِحَيْثُ يعْسُر فَهْمُه دون اللجوء إلى ابستمولوجيا مثل ابستمولوجيا التعقيد épistémologie de la complexité لإدغار موران Edgar Morin.
نَعَمْ، صديقي شفيق الجندوبي رومنطيقي ولكن في جانب من حياته وفي حنينه للزمن الجميل ولبعض الفنانين من ذلك الزمن الرائع من أمثال فيروز ووديع الصافي. وهو يعتبرها ملاكا نزلتْ إلى الدنيا لتغني ويعتبر أغانيها إلهاما من السماء. وهذا ليس بغريب عن شفيق الذي نشأ في أسرة شغوفة بالفنّ. فأخواه أيضا يتعاطيان الموسيقى، أحدهما أستاذ في المجال، والآخر يعزف ويغني، ولكن في إطار الهواية.
شفيق شغوف بأمور ثلاثة : التربية والكتابة والفنّ عموما. ولا أشك في أن التربية هي المحرّك للشغفيْن الآخريْن. فكلّ كتاباته الأدبية موجّهة للأطفال واليافعين. وكلّ تكويناته الأنفوغرافية مرتبطة بالمضامين التي خصّ بها الأطفال. وحتى الدراسات والبحوث والمقالات هي في مجال علوم التربية.
وقد كتب هذه المجموعة في إطار الاهتمامات نفسها بالتربية والطفولة والفنّ. وجاءت قصائده مراعية لخصائص النموّ لدى طفل المرحلة الابتدائية، وتحديدا طفل ما بين 8 و 12 سنة. وتدخل معرفة القدرات اللغوية للطفل واحتياجاته لإثراء رصيده المعجمي والتركيبي من تفاصيل اختصاص شفيق الجندوبي باعتباره متفقدا عاما خبيرا في التربية مشهودا له بالكفاءة حتى في تكوين المتفقدين الجدد بالمركز الوطني للتكوين وتطوير الكفاءات CENAFOP بقرطاج.
منذ البداية، عندما تكون المجموعة الشعرية بين يدينا، نلمس المحبة الكبيرة والعطف الفيّاض اللذين عالج بهما شفيق وجه الفقيدة التلميذة مَهَا القضقاضي. وفي ذلك دليل على أن في دمه شيء اسمه حبّ الأطفال، والشغف بهم، والتعاطف معهم وتوجيه اهتماماته نحوهم. وجه البنيّة المبتسم ومن حوله لون أزرق فاتح يبدو كأنّه سابح في السماء. وتلك هي الصورة التي نتمثّلها في أذهاننا عندما يغادر طفل صغير الدنيا. نقول: ذهبت روحه إلى السماء.
يهتمّ الشاعر بالقيم، باعتبارها أهمّ ما تتضمّنه غايات التربية. فالنظام التربوي بمختلف مكوّناته من مدرّسين وتلاميذ وبرامج وكتب وأنشطة مدرسية وتقييمات...، تهدف إلى أن يكتسب الأطفال جملة من القيم المطلوب توفّرها لدى أفراد الجيل الجديد ليستطيعوا الاندماج بنجاح في المجتمع والمشاركة في أنشطته والارتقاء به إلى درجة أفضل. من بين القيم التي أولاها شاعرنا اهتمامه نَجِدُ في القصيدة الأولى التي عنوانها "حرم الأنوار" قيمتَيْ "حبّ المدرسة" و "مكانة العلم" و في القصيدة الثانية التي عنوانها "الساعة" تناول قيمة "تنظيم الوقت". وفي القصيدة الثالثة التي عنوانها نشيد الطموح، اهتمّ بقيمة "الطموح وأهمية العلم في تحقيقه". ويتواصل الاهتمام بالقيم في كل القصائد، وهو ما يضفي بُعدًا تربويا واضحا على المجموعة الشعرية.
وبما أنّ شفيق الجندوبي مختصّ في العلوم الإنسانية وله شهادة ماجستير في فرع من فروع علوم التربية، والكتابة عنده، حتى الأدبية منها، لا تنطلق من فراغ، بل لا بدّ من إشكالية تعطي للكتابة معنى، وتُنَزِّلُها في الواقع وتصنع لها سياقا يجعلها متفاعلة مع المعيش، نابعة منه، ومعبّرة عنه. وبذلك تكون الكتابة عنده واقعية، تتناول مواضيع مستمدّة من الواقع، وبعيدة عن أوهام النّفس وحالاتها المتقلّبة، مرتبطة بالسياقات التي يعيش فيها الطفل. ففي قصيدة "حرم الأنوار" تناول إشكالية المدرسة باعتبارها فضاء لتعلم المعرفة والأخلاق. ولعلّه يريد ضمنياّ تسليط الأضواء على ما وصلت إليه المدرسة التونسية حاليّا من تدنّ في هذين المكوّنيْن أو المُخْرَجَيْن. وفي قصيدة "الساعة" يهتم الشاعر بإشكالية تنظيم الوقت بالنسبة إلى التلميذ وانعكاس ذلك إيجابيا على نتائجه الدراسية... ولو تفحّصنا كلّ القصائد لوجدناها تنطلق من إشكالية تعطيها معنى وتجنّبها المجانية. وكلّ هذه الإشكاليات تجعل الكتابة الشعرية للأطفال لدى الشاعر أداة لبلوغ أهداف تربوية وليستْ مجرّدَ كلامٍ مُوَشَّى وأحلامَ يقظةٍ.
ومن هذا المنظور يتأكّد لدينا أن شفيق الجندوبي، حتّى وإن كان رومنطيقيّا في جزء من حياته الشخصية، لا يكتفي بالمشاعر المتأججة متناسيا الواقع بتعقيداته وتشعباته مثلما يفعل الرومنطيقيون، ولكنه واقعيّ حتّى النخاع عندما يتعلق الأمر بكتاباته الشعرية للأطفال وبالأهداف التربوية التي يريد بلوغها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى