الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدام حسين .. 3 عقود على غزو الكويت .

طه يوسف

2020 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة لمقال Thirty years after Saddam"s invasion of Kuwait
المنشور فى الأهرام ويكلى بتاريخ 23 يوليو بقلم (صلاح نصراوى)

فى اغسطس آب 1990 اجتاحت قوات النخبة العراقية دولة الكويت المجاورة بأوامر من صدام فهبت الولايات المتحدة الامريكية وتزعمت تحالفًا دوليًا لطرد القوات الغازية من الكويت واستطاع هذا التحالف بلوغ مراميه بطرد العراق بعد سبعة اشهر.إلا أن الأمر لم ينته عند هذا الحد فقد تمخض عن هذا الغزو عواقب وخيمة مدمرة على العراق ودخل الشرق الأوسط فى طور آخر وظهرت بوادر مرحلة جديدة تقبل عليها المنطقة .

رغم مرور ما يقرب من ثلاثة عقود على هذا الغزو إلا أن ذكراه لا زالت حاضرة بقوة داخل أروقة السياسة العراقية ، فلا تنى العراق تتناهشها آثار هذا التدخل ، وما فتئ الغزو يثير عاصفة من التساؤلات المحيرة فماذا كان سيحدث لو لم يحشر صدام أنفه فى الكويت ؟ ولماذا لم يستولى على جزء من الحدود المتنازع عليها بدلاً من الاجتياح الكامل للكويت؟ وماذا لو ربح صدام الحرب ضد القوات التى تجيشت ضده ؟ إلا أنه توجد استفسارات أكثر الحاحًا من الاسئلة الآنفة فلماذا قام صدام والذى يعتبر زعيم دولة نفطية من الطراز الأول ولم تتعافى دولته بعد من حربها الطويلة المهلكة ضد إيران بالإقدام على خطوة كتلك؟ ولماذا لم يستجب لنداءات الحلول السلمية واستمر بخطى حثيثة فى طريق الحرب؟

لعل الدوافع الظاهرة لشن صدام هجومًا على الكويت تذمره من الإمارات والكويت بعد زيادة انتاجهما من النفط وعرضه بأثمان بخسة الأمر الذى ألقى بآثاره السيئة على الإيرادات العراقية نظرًا لحاجتها إلى هذه الإيرادات لتمويل نشاطها العسكرى بيد أن الكثيرين يعزون هذا التدخل إلى عدة عوامل أخرى منها النتيجة غير الحاسمة للصراع العراقى الإيرانى الذى وضع أوزاره فى عام 1988م فضلا عن الالة العسكرية الضخمة التى كونها صدام خلال هذه الأزمة رغم المشاكل الجسيمة التى خلفتها .

من زاوية اخرى فقد لعب التاريخ دورًا ملموسًا وإن لم يكن طافيًا على السطح فى تطور وتبلور هذا الصراع فعلى الرغم من الأسباب المباشرة السابقة فمن نافلة القول أن للعراق نزاعاته التاريخية مع جارته الجنوبية فمنذ ظهور دولة العراق الحديثة فى عام 1923م دأبت الحكومات العراقية المتعاقبة على رفض قبول الحدود الكويتيىة التى ولدت من رحم اتفاقية اٌبرمت بين الدولة العثمانية وبريطانيا فى عام 1913م والتى جعلت من الكويت كيانًا مستقلاً فضلا عن الصراعات الناجمة عن ترسيم الحدود الذى كان من شأنه قطع الطريق على العراق فى الوصول إلى موانئ الخليج كما أن بعض العراقيين كانوا يعتبرون أن الكويت جزءًا من أراضى دولتهم ، وكان صدام يعزو دائما هذا الصراع الذي نشب فى ١٩٩٠ إلى تعدى الكويت على حدوده بطول ٨٠ ميلًا والتنقيب عن البترول فى مناطق النفط العراقية تجاه الجنوب الأمر الذى أدخل العراقيين فى دائرة الجوع والعوز على حد مزاعمه.

إن اتخاذ القرارات السياسية الحاسمة ينبغى أن تنبع من مسئولين من ذوي المهارة فى قراءة الواقع أما فى الدولة الشمولية السلطوية التى تفتقر للحياة الديمقراطية فالزعيم أو رأس الدولة هو من يتصدى لكل شيء وفقاً لسماته الشخصية وقدراته العقلية التى على أساسها يتحدد النجاح أو الفشل وهذا ما نلمسه واضحاً فى صدام حسين الذى كان يتمتع بسلطتين عسكرية وسياسية مطلقتين وكان له القول الفصل فى كل شيء الأمر الذى جعل قراراته تتحدد وفقاً لما يراه وبناء على ذلك فلا تنقصنا الأدلة التى تشير إلى أن قرارات صدام خلال هذه الازمة كانت تتحكم فيها ميوله وغرائزه وسماته الشخصية التى تتسم بحب الذات والسلوك العدواني.

كان صدام مجسدًا لحياة الطغاة على أكمل وجه فقد عانى من اضطراب الشخصية الأمر الذى جعله يغرق فى الغرور المفرط والحاجة الملحة ليكون محط اعجاب دائماً فضلا عن التعامل بفظاظة مع مرؤوسيه والشعب بشكل عام وجنوحه الدائم للمجد والخلود وظهر ذلك جلياً واضحًا فى احتفالاته الصاخبة الضخمة وآلته الاعلامية الكبيرة والافراط فى تجسيد نفسه بالصور والتماثيل العملاقة .

أطلق صدام على حربه ضد ايران اسم (قادسية صدام) تيمنًا بالانتصار العربى الاسلامى على الامبراطورية الفارسية الساسانية فى القرن السابع الميلادى فى القادسية جنوبى العراق ، وعلى طول خط الأزمة بشأن الكويت والتى بلغت ذروتها فى بدايات عام 1990 تعامل صدام بعنجهية واضحة وفى كل طور من أطوار الأزمة كانت الاسئلة تتقاطر حول قدراته على اتخاذ القرار وما إن كان يتمتع بالحنكة اللازمة لخوض غمار حرب ضد قوة عظمى مثل الولايات المتحدة الامريكية والقارىء الحصيف للواقع يدرك أيما ادراك أن نرجسية صدام جعلت منه شخصًا هشًا يسهل استغلاله من قِبَل خصومه وأصبح ذلك نقطة ضعفه القوية إلى جانب خلطه الواضح لمعضلات الواقع وما يرنو لتحقيقه.

وقد وقر فى قريحة كاتب هذه السطور بعد تغطية هذا الصراع وما تبعه من غزو أن صدام قاد نفسه إلى نفق مظلم وذلك بعد رفضه لأى سياسة رصينة كان من الممكن من خلالها تفادى لهيب حرب غير مأمونة العواقب ، فعلى مدى فترة كبيرة قبل الغزو كان من الممكن توجيه سياسات صدام والتحكم فى عقله عن طريق (التخاطر) من قبل خصومه وفطن المحللون من ذوى الخبرة فى واشنطن ولندن وباريس لكل ذلك بعد أن قاموا بتحليل شخصية صدام ومدى تاثير ذلك على قيادته وتوجهاته وصنعه للقرار.

صدام ذللك الرجل الذى كان يسير بسرعة قصوى نحو الهاوية فقد سار مغمض العينين خلف مخططات راسمى السياسيات أولئك الذين تمكنوا من سبر أغوار صدام فقد انخرطوا فى دراسة عقله وشخصيته ولغة جسده من خلال الخطب العامة التى ألقاها والتقارير التى تلقوها من الدبلوماسيين والمسؤولين الذين قابلوه الأمر الذى جعله ينجرف بالعراق فى الأزمة فى حين خرج خصومه وفقا لهذه السياسة بأياديهم بيضاء وكأنهم برآء من تبعات هذه الحرب . أثناء تغطيتى لأزمة الكويت فى الفترة 1990-1991م لصالح وكالة أنباء دولية فى بغداد أزعجتنى فكرة نصب فخ لصدام حسين فى الوقت نفسه الذى استشعرت فيه الخوف من تناول الدبلوماسية الدولية للأزمة فلم تكن هناك محاولات جدية لإقناع صدام لحل الأزمة بالمفاوضات أو إعطائه بعض الجزر الذى من شأنه منع الغزو وهى سياسة ربما تأثرت بفشل البريطانيين فى منع الزعيم الألمانى النازى هتلر من إشعال فتيل الحرب العالمية الثانية .

تكثر بين أيدينا الأدلة التى توضح ما قام به الغرب فى تمهيد الطريق أمام صدام للتورط خاصة تلك التصريحات التى أدلى بها زعماء الغرب مثل رئيسة وزراء بريطانيا وقتئذ مارغريت تاتشر فقد دفعوا بصدام لرفض أى وساطة وعدم قبول أى حل يحول دون دخول المنطقة فى توترات .
على صعيد آخر فإن السردية التى تزعم أن الكويت وواشنطن وباقى الحلفاء فشلوا في توقع غزو العراق للكويت برغم تهديدات صدّام المتكررة والحشود الهائلة للقوات على الحدود كان بمثابة تصور حرج من قِبَل المراقبين، وأنا منهم، من الذين كانوا يراقبون الموقف على الحدود عن كثب .

أثناء محاولاتي لكتابة أول مسودة صحفية لتاريخ الصراع، بما في ذلك تقارير تتعلق بتهديدات صدّام والتعزيزات العسكرية، خاطبنى سفير الكويت في بغداد آنذاك، إبراهيم جاسم البحوه، الذي كان يريد الاطلاع على ما فى ذهنى بشأن هذا التصعيد وقد أورد الباهو فى شهادته عام 1995 أمام لجنة برلمانية كويتية للتحقيق فى الغزو تقييمى الخاص بأن التدخل العراقى كان حتميا رغم أنه أرجع هذا التقييم إلى مراقبيين فى بغداد.

إلا أن الآراء التى تقول بأن غزو صدام كان متوقعا بشكل كبير فقد جاءت فى مذكرات كتبها مسؤولون عرب مثل وزير النفط السعودى وقتئذ هشام ناظر ووزير الخارجية السورى فاروق الشرع وقد كتبوا أن الكويت كانت على ثقة كاملة بأن حلفائها سيمدون لها يد العون لطرد صدام. كما أن خصوم صدام بزعامة امريكا لم ينظروا إلى تهديدات صدام على انها تحدٍ فحسب بل إنها فرصة جيدة لتقويض نظامه والتخلص من زعيم بلغ تحديه شأوا عظيما فقد أدار صدام الدفة خارج العراق حالمًا بالزعامة العربية وتم تصوير صدام على غرار الزعيم المصرى جمال عبد الناصر الذى كان منافحًا عن السياسات المناهضة للسياسات الغربية والاسرائيلية .

إن هذه الأزمة الخليجية باتت نقطة إنطلاق للدول الغربية وحلفائها العرب نحو الرفض القاطع لشرق أوسط تهيمن عليه العراق فقد خشوا أن يفرض صدام نفسه على الساحة ومن ثم العمل على خلق منطقة قائمة على توازن القوى . وبدلاً من إبعاد صدام بشكل نهائى كان هذا التحالف راغباً بشكل قوى في تحويل ميزان القوى الإقليمى وفقاً لما ستسفر عنه نتائج هذه الأزمة وقد تطلب ذلك اتباع استراتيجية صارمة ومصممة بعناية للقضاء على قوة العراق، وتفتيت أواصره الاستراتيجية والأخلاقية، وتهيئة الظروف الملائمة لإقامة نظام إقليمي جديد تكون فيه عراق جديدة.

ولقد أصبح الأمر واضحًا وضوح الشمس فى كبد السماء فى نظرى وذلك عندما استمعت لرئيس الوزراء اليابانى السابق ياسوهيرو ناكاسونى فى بغداد حينئذ فى محاولاته لنزع فتيل الأزمة عندما طلب من ياسر عرفات رئيس متنظمة التحرير الفلسطينية فى 20نوفمبر 1990 إخبار صدام بأن العراق سوف يعود لعصر الظلمات إذا لم ينسحب من الكويت .
وأخيراً .. إن الثلاثة عشر عاماً التي مرت بها العراق من العزلة والعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، والتفجيرات، والحربين، والاحتلال، والصراع المطول الذي دفعت البلاد ثمنه غاليًا متمثلة فى الخسائر البشرية والدمار المادي، والتي لا يمكن اعتبارها من العواقب غير المقصودة التي ترتبت على الحملة ضد صدّام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحافظون في إيران ذاهبون إلى انتخابات الرئاسة بمرشح واحد


.. توتر الأجواء بين بايدن وترامب قبل المناظرة الرئاسية | #أميرك




.. هل العالم يقترب من المواجهة النووية؟


.. انتخابات فرنسا.. استطلاعات رأي تمنح أقصى اليمين حظوظا أكبر ف




.. فيديو أخير.. وفاة مؤثرة تونسية خلال تواجدها في صقلية الإيطال