الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 4

دلور ميقري

2020 / 8 / 19
الادب والفن


مرض بيان، متأثرة بأكلها الطبخة الثقيلة على معدتها المرهفة، كان مناسبة سانحة لأمها كي تخاطب الوالد بشأن تخبّطه في التعامل مع ضرّتيها. الأقدم فيهما، كانت آنذاك قد حصلت على الطلاق البائن. مع ذلك، رأت ريما أن تستهل المحاولة بموضوع تلك المرأة: " حواء المسكينة تعيش عالة في منزل شقيقها، وهذا يؤثر على سمعتك بما أن ولديك معها ". الزوج، كان لا يطيق مجرد ذكر اسم طليقته. فنفخ قائلاً: " أستغرب منك هذا الكلام، كوني أمرتها بترك المنزل بسبب مشاكلها معك بالذات "
" لأننا كنا رأسين تحت سقف واحد، أما لو وُجدتْ مليحة لاختلف الأمر وساد السلام ". وكانت تعني امرأته، التي هجرت الدار مؤخراً؛ وهيَ من أب شركسيّ وأم شامية. رد الرجل بالقول: " عجباً، تطلبين مني كذلك إعادة ضرّتك الأخرى؟ "
" كانت ستعود في كل الأحوال، لأنها ما فتأت على ذمتك "
" لكن الأخرى مطلقة، فكيف يمكنها العيش في منزلي؟ "
" الأمر بسيط، لو شئتَ ذلك. الدار كانت بالأصل مقسومة بين والديّ ووالديك، وفي الوسع الآنَ إعادة نفس الترتيب. فالقسم السفليّ من المنزل فيه حجرة نوم مهجورة، كانت مخصصة للمرحوم حاجي. وأيضاً ثمة المطبخ القديم، نستطيع إعادته للخدمة. أي أن طليقتك وولديكما سيعيشون شبه منفصلين عنا، بالأخص أن ذلك القسم من المنزل له بابه الخاص "
" ذلك الباب مخصصٌ لإدخال سيارتي وركنها هنالك، فهل عليّ مجدداً تحمّل رؤية سحنة حواء الكئيبة؟ ". وكان جواب ريما، إطلاق ضحكة مرحة. لكنها عادت لتكسي لسانها بنبرة جدية: " لا عليك من سحنتها، بل فكّر كم ستسعد أنتَ بولديك ويسعدان بك ". هز الرجلُ رأسه، وطفق صامتاً. كانت عادته المألوفة، أن يُصغي لامرأته الأثيرة ثم يعمل ما في رأسه. لكنه في هذه المرة، لاحَ أنه اقتنع بوجهة نظرها.

***
رجعت الشركسية أولاً، وكان في معيّتها أولادها الثلاثة. أصغرهم سنّاً، " فريدون "، أُعطيَ اسمَ خاله؛ وكان هذا الأخير قد رُزقَ به والده من امرأته الأولى. الصغير، وعُمره بالكاد قد بلغ العام في ذلك الصيف، كانت لديه مشاكل صحية منذ ولادته. عندما تنشغل الأم في شئون المطبخ، اعتادت أن تعهد رعايته لشقيقته الكبيرة. " رودا " هذه، وكانت في الثامنة من عُمرها، كانت تضجر من وجودها مع الصغير في أرض الديار أو الحديقة، ودائماً تحتَ أنظار الجدّة العجوز. كانت أيام العطلة الصيفية تتبخر سريعاً تحت الشمس، وما هيَ إلا فترة وجيزة وتفتح المدرسة أبوابها لتلميذة الصف الثالث.
" ستتولى الجدّة الاهتمام بأخينا، لحين إيابنا من منزل العم "، قالت بيان لرودا في أحد أصباح العطلة. وكانت قد روت لها مغامرة اكتشاف زقاق العشيرة، المجاور، وما جرى هنالك في منزل زوج العمّة. لا غرو أن تتحمّس رودا، فتعربُ عن رغبتها بخوض مغامرة مماثلة. فكّرت لحظة في الأمر، ثم توصلت في نفسها إلى هذه النتيجة: " ستتحمّل الجدّةُ المسئولية، كالعادة! ". وبالفعل، كان جوابُ المرأة العجوز على طلب حفيدتها، هزّة إيجاب من رأسها؛ من رأسها المغطى بشال رقيق وملوّن، وكان هذا آخر ما احتفظت به من ملابسها الكردية، التقليدية.

***
وكمألوف المرة السابقة، تعهّدت ابنةُ الجار جروس أمرَ تسهيل مرور صديقتها إلى ذلك الزقاق. لم تكن هذه المرة الأولى، تجد فيها رودا نفسها في زقاق الحاج حسين. لقد رافقت والدتها مرةً إلى أحد بيوت الأقارب هنا، لتقديم العزاء، لكنها كانت آنذاك في مثل سنّ بيان كما أن الوقت كان ليلاً. وهيَ ذي في هذا الصباح الصيفيّ، الصاحي والألِق، تؤوب مجدداً لزقاق العشيرة، وكانت في الأسابيع الأخيرة قد غابت عن الحارة بسبب خلاف أبويها. مع أن الصالحية، أينَ تقيم جدّتها لأمها، أرقى بكثير من ناحية العمران وكذلك غنى الأسواق، إلا أنّ رودا كانت تؤثرُ العيشَ في الحارة.
شاب يُقارب عُمره العشرين، ضئيل القامة وذو مشيةٍ غريبة، خرجَ على حين فجأة من منزل المرحومة زَري في نفس اللحظة تقريباً، التي وجدت فيهما الصغيرتان نفسيهما في الزقاق. لفتت الكبيرة منهما نظره، لكنه لم يتعرّف عليها ولا على رفيقتها. هذا كان " فيّو "، شقيق فوزو، وكان يعيش معها في بيت أبيهما. ولو أنه لم يكن يعاني من ضعف شديد في السمع، لأمكنه في الحال معرفة وجهة سبيل البنتين الشقراوتين. غير أن خطاه كانت أسرع، فما لبثَ أن تجاوزهما وما هيَ إلا دقيقة وكان يرفع يده للطرق على الباب.
" ذلك الباب، أينَ دخل الرجل تواً، أظنه باب بيت العم موسي "، قالت بيان لأختها وقد اختلطت عليها قليلاً ملامحُ المكان. فما أن أكملت جملتها حتى ظهرَ رأسُ فوزو، المستور بغطاء قاتم اللون، فلحظت أن هذه ميّزت ملامحها مثلما بدا من ابتسامتها. وما أسرع أن لوحت القريبة لبيان بيدها، تدعوها للمجيء إليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج


.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث عن أسباب نجاح شخصية دانيال في ل




.. فيلم ولاد رزق 3 بطولة أحمد عز يقفز لـ 193 مليون جنيه منذ طرح