الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطبيع الاماراتي: تحالف ضرورات البقاء

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2020 / 8 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


لا شك ان اقدام دولة الامارات المتحدة على توقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل شكل خطوة صادمة للبعض - رغم ان العلاقات الثنائية بين الدولتين اخذت شكلا تصاعديا منذ عدة سنوات - وتمت قراءتها من زوايا مختلفة لم تخرج عن النطاق العاطفي باعتبارها طعنة للشعب الفلسطيني وخيانة لقضيته وتنكرا لحقه التاريخي في وطنة.
والحقيقة ورغم وجاهة هذه القراءات غير انها لم تتغلغل الى ما وراء الغلاف العاطفي لها وبقيت تدور في افق الوصف المر فيما متطلبات مواجهتها تقتضي البحث في الاسباب الحقيقية التي تقف خلفها.
فمن الناحية العلمية والمنطقية فان تاريخ العلاقات الدولية لم يسجل بعد تحركا لدولة ما في محيطها خارج الضرورات التي تقتضيها مصالحها العليا وحساباتها الاستراتيجية دون التدقيق في طبيعة تلك المصالح التي لا يستطيع تفسيرها والوقوف على مدى ملائمتها لمصالح الدولة من عدمها سوى طبيعة النظام السياسي السائد في تلك الدولة.
فكلما كان النظام السياسي ذات طبيعة عقلانية مدارها مؤسسي صارم يميل الى اوسع امكانيات التمثيل والمشاركة السياسية لقوى السلطة المتنوعة داخل المجتمع والدولة كانت تلك المصالح التي تشكل دافع تحرك الدولة تعبيرا عن مصالح المكونات العضوية لها، ويحدث العكس تماما عندما يكون النظام السياسي ضيق التمثيل وذات طبيعة ديكتاتورية حيث يختزل مصالح الدولة في مصالح الفئة الضيقة القابضة على مقاليد السلطة فيها، فما بالك عندما يكون النظام السياسي ذات طبيعة قبلية - عائلية تعود في فلسفة ادارتها للشأن العام الى ما قبل قيام الدولة نفسها؟.
ودولة الامارات العربية شأنها شان بقية دول ما بعد الاستقلال التي سادت المنطقة في اعقاب انهيار الاستعمار الكولونيالي حيث نجحت دول المركز في اقامة سلط لها في مناطق احتلالها السابقة لتحافظ لها على مصالحها وتعتمد في بقائها على الدعم الضروري والواسع المقدم لها من دولة المركز نفسها.
هذه السلط التي سميت تجاوزا دولا وجدت نفسها في مسار التطور اللاحق وغير المنضبط بدقة لتصورات دولة المركز- حيث شهدت نظريات التنظيم الدولي عدة طفرات الى جانب ما شهده الجانب الصناعي والتكنولوجي من تطورات متسارعة فرضت نفسها سواء على سلط دول ما بعد الاستقلال او دول المركز - وجدت نفسها امام ضرورة التعامل مع هذه التطورات بقصد تجديد شرعية الاستمرار ووجدت نفسها في الحين ذاته في مواجهة ضد داخلي آخذ في النمو والتطور خاصة على مستوى الوعي وبات يشكل تهديدا جديا لها.
والخطير في نموذج دولة الامارات انه يواجه مثل هذه الازمة في سياق مسارين احدهما جاء خارج توقعات واضع المسار الاول حيث لم يخطر ببال الشيخ زايد وهو يخطط لبناء اقتصاد ما بعد مرحلة النفط ان تصبح دولة الامارات العربية احدى اهم دول قيادة النظام الاقليمي العربي بعد خروج مصر وتدمير العراق ولاحقا سوريا.
وقد لا يحتمل المجال هنا للتفصيل اكثر ونكتفي بالاشارة الى ان التخارج الكبير بين ما باتت علية دولة الامارات العربية من امكانيات قوة نوعية في ظل فراغ قيادي اقليمي فاضح وبين عقل النظام السياسي القبلي الذي يقود هذه الامكانيات بتقاليد الخيمة، هذا التخارج قاد الى نوع من الوهم الامبراطوري نتج عنه تبديد امكانيات الدولة في مشاريع قوة فاشلة.
لقد فشلت دولة الامارات في الصومال فشلا ذريعا كما فشلت في مصر الذي يكلفها بقاء السيسي فيها مليارات الدولارات بدون اي فائدة ملموسة كما فشلت في اليمن وفي سوريا وفي ليبيا، وقد كلفها ذلك مئات المليارات وعمق من مستوى ازماتها الداخلية والخارجية على حد سواء.
يأتي ذلك في ظل تنامي قوة وتأثير بعض دول الجوار العربي وخاصة ايران وتركيا واسرائيل وفي الطريق اثيوبيا، وفي ظل فارغ قوة قيادة اقليمية للنظام العربي لن تملؤها سوى دول الجوار تلك.
وعلى ما يبدو فان قيادة دولة الامارات باتت على قناعة تامة بذلك وان مستوى خصومتها مع تركيا والاحراج الذي قد يسببها لها الانفتاح على ايران قد دفعا بها الى القبول باي دور وظيفي لدى اسرائيل لقاء انقاذها من مسار الازمة التي وضعت نفسها بها.
وفي الجانب الاخر فان ازمات نتنياهو المتتالية وفشله الذريع في تحقيق اي اختراق على الجبهة الفلسطينية حيث تتمترس قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية خلف حقوق وطنية غير قابلة للتصرف ووتحدى اسرائيل ومن ورائها ادارة ترامب الذي لم يجد ونتنياهو غير ثغرة الدفرسوار الاماراتية علها تحقق ولو اختراقا معنويا.
بيد ان هذا التحالف الثلاثي الذي يأتي في سياق اخفاقات كبرى لاطرافه واملته ضرورات التجريب لاحداث اختراق نوعي يضمن الاستمرار في رهان السباق نحو البقاء يجب ان لا يخفي عنا حجم الخطر الذي يتهدد المسألة الفلسطينية خاصة اذا ما تدحرج ليشمل دولا عربية اخرى لا سيماء وان هناك بوادر تلوح في الافق للتحاق بعض دول الخليج العربي والسودان الذي لم يخف احد متحدثي الخارجية السودانية عن نية من هذا القبيل.
ان محاولات اليمين الاسرائيلي القفز الى ما وراء الخط الفلسطيني نحو دول عربية بعيدة عن ما عرف بمناطق المواجهة والانتقال بعلاقاتها مع بعص دولها الى الطابع الرسمي والاتفاقي يعني بالنسبة لنتنياهو وحتى العالم قبولا عربيا بواقع الوجود الاسرائيلي كما تحدده اسرائيل نفسها.
وهذا يتطلب من القيادة الفلسطينية ومعها كل القوى الوطنية العربية خاصة والقوى المحبة للعدل والحرية عامة اعادة تقييم الاوضاع وانتهاج اساليب عمل مغايرة في مواجهة هذا التحالف المأزوم الذي يعبر عن فشل وضعف اكثر منه نجاح وقوة ويؤشر الى امكانية قلب الطاولة على الجميع خاصة وان الاكثرية الصامتة بدأت قدرتها على الصمت اكثر بالنفاذ وان احتياجات بقائها تتضاءل يوما بعد يوم.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام والاتصال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي