الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الأول/ 5

دلور ميقري

2020 / 8 / 20
الادب والفن


على أثر الزيارة الأولى لمنزل العم، ومع أن فوزو كانت لطيفة معها، فإن بيان كانت قد رأتها في الحلم على شكل وحشٍ يلاحق ابنة عمّتها، بينما هيَ تركض بدَورها فزعةً. رغبتها في زيارة المنزل مجدداً، كأنما كانت نوعاً من التحدّي الطفوليّ للمخاوف الطارئة، التي أعقبت ذلك الكابوس. وما طمأنها نوعاً، في خلال هذه الزيارة، أنّ أختها الكبيرة معها لا ورد العنيدة والمشاكسة. وإذاً، بتلقيها إشارةً من ابنة العم، وجدت قدميها تتحركان باتجاهها بشكل آليّ لحين التناهي إلى أرض الديار. في الأثناء، كانت فوزو مهتمة بطرح الأسئلة على الأخت الكبيرة لبطلة سيرتنا، ولعلها كانت تراها لأول مرة. ثم ما لبثَ أن ظهرَ ذلك الشاب ذو المشية الغريبة والمتعجلة، ليستفهم من فوزو عن غداء اليوم.
" إنه فيّو، ابن عمكِ "، توجهت المضيفة بكلامها إلى كبرى البنتين غبَّ اختفاء الشاب. ثم أردفت، مكشّرةً عن ابتسامة من فمها الكبير: " ما زال أخي عازباً، وكم أتمنى أن يحظى بعروسٍ في مثل جمالك وأدبك! ". على عكس أختها الخجولة، كانت رودا على قدرٍ من الانطلاق والجرأة والثقة بالنفس، استمدّته ولا شك عن أبويها. لكنها أشاحت بوجهها إلى ناحية الحديقة، وكأنها لم تسمع الجملة الأخيرة. وإلى تلك الجهة، التفتت أيضاً المضيفة كي تخاطب بيان بالقول: " اذهبي والعبي هناك، فيما سأستبقي أختك معي بالمطبخ كي نكمل حديثنا ". أرادت رودا أن تقول شيئاً، ولعلها شاءت أن تبقى مع أختها، لما سارت الأخرى باتجاه المطبخ بخطوات سريعة. اكتفت عندئذٍ بايماءة مشجعة للأخت الصغيرة، ثم ما لبثت أن لحقت بالمضيفة. وجدت نفسها على الأثر في حجرةٍ رثّة، تفوح منها رائحة زنخة ثابتة، وكان ثمة قدر على النار تسبحُ فيه مرقة مائعة اللون. هكذا خلصت في تفكيرها، إلى أن مطبخ منزل أسرتها بعيد الشبه كلياً عن مطبخ منزل العم، بل ولا يرقى هذا إلى مستوى حجرة الأغراض القديمة والبالية. فيما بعد، حينما نقلت رودا ما شاهدته لأمها، فإن هذه تمتمت قائلة وكأنما تخاطب نفسها: " حسرة على أولاد موسي من كلتا امرأتيه، فإنهم برغم وضعه المادي الجيّد لم يحظوا قط بعيشة هنيئة أو لقمة طيّبة ".

***
بيد أنّ مليحة، في المقابل، ما كانت راضية أيضاً عن وضعها العائليّ. فإنها وبغض الطرف عن الوفرة واليسر في معيشة الأسرة، كانت تأخذ على الزوج تبديده للمال في تهوّر وبغير حساب. فعلاوة على صرفه على ملذاته الشخصية وكرمه اللامحدود مع الآخرين، أخذ يدخل في مشاريع استثمار ثم لا يعود إلى متابعتها ليصب جلّ مردودها أخيراً في جيوب الشركاء المحتالين. وهوَ ذا شقيق موسي الأصغر، حسينو، يتكلم عن مدخول سيارة الأجرة، الذي لا يعد شيئاً أمام المشاريع الأخرى: " ما أحمله إليكم من مال كثير، حسمت منه سلفاً أجرة السائق ومصاريف السيارة ". وكانت ريما قد كلّفت قريبها بالاشراف على تلك المشاريع، بالنظر إلى أمانته، وذلك بعدما تم توقيف رجلها على أثر حادثة سير في حي الصالحية نتج عنه وفاة طفل صغير.
القدَر، شاء أن يتعذب صالح هذه المرة برحيل ابنه عن الدنيا وكان بالكاد قد تجاوز سنّه العام الواحد. جرى ذلك بعد اطلاق سراحه، حيث اكتفت المحكمة بالحكم عليه بغرامة مالية. فريدون الصغير، كما سبقت الاشارة إليه، ولد مع متاعب صحية؛ فلم تنفع معه وصفات جدّته لأبيه، الشعبية، ولا ارشادات الطبيب وأدويته. الأم، لم تعبّر علناً عن حزنها عليه بقدَر ما فعلته ريما، التي تلوعت لذكرى ابن لها توفي وكان صغيراً أيضاً. كذلك لم ينقطع سيلُ المعزين، سواءً من الأقارب والجيران أو من أولاد الحارة؛ وهذا كان غيرَ مألوفٍ في مناسبة تتعلق بموت طفل صغير: إنه الأب مَن حظيَ دائماً بسمعة طيبة، بالنظر لطبعه الطريف وكرمه الكبير، فكان محبوباً من الجميع بلا استثناء.

***
لكن كان لصالح مثالبه، وليسَ أفدحها استهتاره بالمال. مع نسائه ( وربما باستثناء ريما إلى هذا الحد أو ذاك )، دأبَ على التصرف بمزاجية وكان يسوؤه أي نقاش لقرار يتخذه ولو كان مصيرياً بالنسبة للأسرة أو أحد أفرادها. حواء، ومنذ فترة مبكرة، اعتادت على معاملته لها كأنها غير موجودة في حياته إلى أن انتهى أمرهما بالطلاق البائن. عقبَ عودتها إلى بيته، بالحاح من ضرّتها السابقة، صارَ يتعمّد مناكدتها عن طريق انقاص المصروف المخصص لها ولولديهما. عامان على الأثر، عندما تقدّم ابن شقيقها لخطبة ابنتها ( وكان قلب هذه الأخيرة يميل إليه كما قيل )، فإن صالح رفضه في الحال مع كون الشاب معلم مدرسة وذا أخلاق عالية. ثم ما لبثَ الأب أن أعطى الفتاة لابن عمه، المدعو " حدّو "، وكان هذا يكبرها بنحو عشرين عاماً.
مليحة، كانت علاقتها برجلها أكثر تعقيداً. غير أنها ما كانت مثل حواء، المرأة المستكينة والضعيفة الشخصية. فوالدها كان في حياته رجلاً عالي المقام، بدأ كطبيب عسكريّ ثم انتهى إلى منصب قائمقام. والدتها، وقيل أنها كانت أجمل امرأة في الشام، منحت الابنة شيئاً من حُسنها وخفة ظلها وطبعها المائل إلى التمتع بالغنى والحرية. لم يكن غريباً، إذاً، أن تتعدد مرات هجر الابنة لمنزل زوجها حدّ أن يحلف عليها هذا اليمينَ. لكنه كان يعود ليسترضيها، مغرقاً إياها بالهدايا، تماماً مثلما كان يفعل مع والدتها. ولأن مليحة موهوبة بالموسيقا، اشترى لها عوداً من محل أمهر صانع في دمشق. هذا العود، كان إلى الأخير سبباً في طلاق صاحبته: لم يمضِ على دفن طفلها أيامٌ ثلاثة، وكان الجو ما فتأ دافئاً في هذا الوقت من الخريف، إلا وتمسك العود لتعزف عليه أنغاماً شجية. على سبيل المصادفة، كان زوجها عائداً إلى الدار برفقة أحد أقاربه، فتساءل هذا الأخير عند الباب عمن يعزف من الجيران موسيقا والدار في حالة حِداد. بعد وداعه للقريب، عمد صالح إلى انتزاع العود ومن ثم كسره حتى أضحى هشيماً. أما مليحة، فكان هذا آخر عهدها بدار الرجل. في هذه الحالة كذلك، عمد صالح إلى سبيل المناكدة مع طليقته ولو على حساب سعادة ابنتهما: سيطلب فيّو يدَ رودا بعد بضعة أعوام، ولن يرى والدها مانعاً من تزويجها له برغم صممه وقلة عقله وعثرة عمله!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج


.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث عن أسباب نجاح شخصية دانيال في ل




.. فيلم ولاد رزق 3 بطولة أحمد عز يقفز لـ 193 مليون جنيه منذ طرح