الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صديقي القديم الجديد لن يرمي معوله

فيصل محمود طه

2020 / 8 / 20
الادب والفن



من ادبيات مخيمات العمل التطوعي في الناصرة ، ونحو مخيم العمل التطوعي السادس عشر في اوائل شهر آب 1991.
( تم نشر هذه المادة الأدبية في جريدة الاتحاد الحيفاوية بتاريخ 1/8/1991 ) .
وجدت نفسي راغبًا وبحماس بالعودة لمحاورة صديقي الذي ما انفك يحمل معوله المغبر بغبار مخيمات العمل التطوعي حتى يومنا هذا ، جاءني وكأننا على ميعاد ، أتاني ووجهه يطفح معانِ وتعابير ناطقة سمعت هديرها الصاخب المنبعث من أعماق دواخله ، صمت قاهر أحاطنا فضحه ارتجاف شفتيه وبريق دمع حبيس على ضفاف جفونه.
برهة صمت شابها انتظار فاق البرهة ، لحظة صبر لم تكتمل ولم يحتمل كلانا عبئها ، سبقني في فضها بكلمات مبعثرة مختنقة كدت لا أفهمها .. هل .. انتهى .. كل شيء ؟
كنت في الماضي أقذف سمومًا مع الحاقدين والشامتين عليكم، كنت أُعرقل أعمالكم التطوعية دون فهم أو ادراك لدوركم، لطريقكم ، لهدفكم، لانجازاتكم، هكذا كنت، ثم علمتني محبتكم واقنعني صدقكم واصراركم الكفاحي ومثابرتكم واعمالكم التطوعية الجبارة والانسانية ، ثم أقنعتني في نقاش سابق واقتنعت وتحديتني وقبلت التحدي فحملت معولي منذ المخيم السابع حتى يومنا هذا.
قل لي.. ماذا حدث لكم .. لنا، هل كل ما قمت به واياكم كان خطأ، كان كذبًا، ضحكًا على الذقون، لعبة، مسرحية، مصلحة ذاتية؟ هل كان كذلك؟ فهل تناثرت ، تطايرت، تبخرت، تلاشت قطرات عرق جهدنا اللامتناهية، لحيظات الجد والكد والعطاء اللامحدود والمتواصلة التي صنعتها ارادتنا، سواعدنا، هل ذهبت سدى وتناثرت هباء؟ برهة صمت أخرى اراد لها الانقطاع لسماع صوتي ورأيي فوجدتني أقول له: هل كنت مقتنعًا وصادقًا في عطائك وتطوعك في مخيمات العمل السابقة؟ بلى، كل الصدق والاقتناع أجاب، وأضاف: لم أجد ذرة واحدة من الجفاء والرفض والزيف والتمثيل من بين جموع المشاركين في الأعمال التطوعية ، لم يلزمهم أحد ، بل جاءوا عربًا ويهودًا وأجانب، ومن الاراضي الفلسطينية المحتلة ، جاءت سواعد تقهر الظلم والتمييز تشمل نور الأمل والبقاء والحرية وتكاثفت سدًا منيعًا للحفاظ على ما أشعلته من نور ليبقى هاديًا لكل المتطوعين يجذبهم للاستمرار في الكفاح حتى الوصول الى بر الأمان، هكذا شعرت ومنهم تزودت بطاقة العطاء الصادق.
اذن مَن كذب على مَن؟ ومَن مسح الجوخ لمَن؟
مَن هو ذاك الذي ارتسمت على كتفيه النياشين؟ ومَن منا يملك النياشين ليعلقها؟ رأيناها معًا وعلى أكتاف وصدور ووجوه الأبطال المجهولين ، نياشين الاحترام والتقدير والعزة والكرامة الوطنية، نياشينهم كانت ما غمرهم من غبار العمل التطوعي ليس إلّا .
لأجل من تطوعت وتطوعنا؟ لأي هدف نناضل ونكافح؟ هز رأسه موفرًا عليَّ الاجابة، واتبعها بقوله : لم يذهب سدى، ولن يذهب جفاء ، كل ما زرعته وصنعته وانتجته البشرية في طريق بقائها وحريتها وكرامتها وتقدمها نحو الأفضل دائمًا.

ان كل ما ينفع الناس باق على الأرض ، واما الزبد والهراء فيذهب جفاء، فاكملت اقواله باقوالي ، ان ما انجزته مخيمات العمل التطوعية من مشاريع جبارة اصبحت بعد انجازها ملكا أبديًا لهذا البلد ، الناصرة، لكل أهلها وهي باقية ولن تذهب سدى، وكل ما انجز وما سينجز سيبقى في خلد الناس ليحملوه طريقًا واسلوبًا لشق طريق الحياة الكريمة، ولن يكتب لطريق العطاء والتطوع الفشل، ولكن يحتاج ذلك للتنظيم والتوعية والهدف الصحيح فالطريق سليمة والعمل التطوعي صحيح وسليم أبدًا، ولكن هناك مَن أعيته مشقة الطريق فانحاز جانبًا أو سار بالانجاه المعاكس، فتعاقب الأفراد وانتقالهم وحركتهم وتقلباتهم لا يفسد الطريق ولا يلغي مسار القافلة رغم نباح المعادين والشامتين والمرتدين.
ثم قاطعني بقوله: اذن لماذا هذا التغيير؟
قلصتم حجم المخيم من ناحية المشاريع والمشاركين والأيام وأُمور أُخرى؟
لقد هزني هذا التغيير الذي اراه يسير نحو الغاء المخيمات التطوعية، فقلت له: اسباب عديدة دعت الى ذلك التغيير فالعمل التطوعي باق، أما الاسلوب فقابل للتغيير بما يتلاءم والظروف الموضوعية والذاتية للفترة الزمنية نفسها، وعلينا صياغة أشكال لعملنا من جديد ، علينا أن نكون جريئين وقادرين على ايجاد الشكل والاسلوب المناسبين في الوقت المناسب مع الحفاظ على مضمون ومضامين مخيمات العمل التطوعي ، طالما بقيت الاسباب التي دعت الى اقامته قائمة حتى يومنا هذا، إن تغيير الاسلوب او تقليص العمل وشكله ليس تراجعًا عن المضمون التطوعي بقدر ما هو حفاظ عليه، وكلنا يذكر المخيمات الأُولى كيف كانت تختلف في شكلهاوحجمها واسلوبها عمَّا تبعها من مخيمات تطوعية.
ان ما انجزته الأعمال التطوعية في الماضي خفف الكثير من عبء المشاريع الباقية وساهم في الانتقال الى مشاريع أقل ضخامة، لها أهميتها ورونقها وتأثيرها الجمالي على المدينة وتوفر الآليات وتقلص العامل البشري، واستعداد البلدية للقيام بمشاريع كبيرة خلال ايام السنة وبنفس الشروط وطرق التعامل المعمول بها في المخيمات التطوعية، وتطور ونجاعة العمل البلدي اليومي واهم من كل ذلك رغبة الناس ، أهل البلد بالتغيير. كل هذه العوامل ساهمت مساهمة جدية في اتخاذ القرار الدمقراطي بتغيير حجم المخيم نحو مخيم جديد بدأنا بتحسس ملامحه التي ستكتمل مساء السبت 3/8/1991.
أنهيت كلامي فبدأ حديثه الممزوج بين الحفاظ على القديم وتقبل حذر للجديد بقوله: سأبقى أذكرها لحظات العمل التطوعي لحظة وأُغنية وسورًا وشارعًا وماسورة وأُمسية ومخيمًا مخيمًا ، وأضاف والدموع تجلي عينيه وسأذكرها وردة وردة، زهرة زهرة، ثم أردف : غبار العمل التطوعي صفَّى هواءنا من الضغينة والتعصب بكل الوانه ، حنَّيْينا به ايادينا صبايا وشبابًا.
قام من مقعده واتجه نحو فتحة الباب وابتعد بنظراته نحو الافق .. وقال: اني انتظره بفارغ الصبر هذا المولود الجديد ، متى سيبدأ مخيم العمل التطوعي القادم؟ سأحمل معولي وسأشق اساسًا لأحد الأسوار الضخمة ، فقلت له ان مخيم العمل التطوعي السادس عشر قريب، قريب.
( استدراك، وبانتهاء مخيم العمل السادس عشر ، اختتمت هذه المخيمات الجبارة، وكان آخرها).

صفورية ، الناصرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا


.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل




.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل


.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا




.. سر تطور سلمى أبو ضيف في التمثيل?? #معكم_منى_الشاذلي