الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواجهة الأعنف في القارة الصاعدة ...

مروان صباح

2020 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


/ في المقام الأول لم تكن خطوات الدول الكبرى في كل العصور بريئة بصفة عامة ، بل خطوة الصين في القارة السوداء تعكس رسالة قوية التى يتطلب من قوة جبارة أن تلاقيها بخطوة ردع استهلالي إزاء تكتيك ينظر البيت الأبيض له بالخيار الضروري ، ولطالما اعتقدا الثنائي الأوروبي والأمريكي لعمر طويل بأن القارة السوداء مسألة هامشية من الجانب الاقتصادي ، وبالتالي تأخرت الشركات الكبرى مثل الاتصالات ( أبل ) وغيرها بالدخول لهذه الأسواق ، تماماً مغايراً لما صنعته الصين وايضاً كوريا الجنوبية ، كانتا سباقتان بالسيطرة على السوق الذي يصنف بالمجهول والمتنوع رغم الحالة المعيشة الصعبة ، وهذا جعل من كل من ( أوروبا أمريكا ) تواجهين حقيقة لا لبس فيها ، فالقارة الأفريقية تعتبر اليوم سوق واعد وجزء من العالم المسكوت عنه ، لكن هناك من أحرز تتسلل إليه بهدوء ، ولأن ايضاً آسيا التاريخية باتت لا تتسع لأبنائها بفضل الطفرة العالمية التى أحدثتها الهند ، على سبيل المثال ، المجال التكنولوجيي ، كالاتصالات على وجه الخصوص ، صنعوا خريجو هذه الكليات نقلة وطنية عالية ، باتت الشركات الهندية من الصعب منافستها داخلياً أو في محيطها ، حتى لو كان التعليم ليس بالمستوى الغربي ، يبقى فارق التكلفة شيء أساسي .

لعل السطور هذه ليست الهدف منها تضخيم الواقع بقدر وصفه كما هو ، لقد أسسوا الكوريون الجنوبين ليشئ لم يسبق له في الاقتصاد ، وهذا الصنف الجديد من الاقتصاديات قد اعتمدوه ايضاً الصينيون ، فاليوم من له باع في الاقتصاد لم يعد عمله يقتصر على المعلومات والإحصائيات الأممية ، ( الكسولة) أو الحكومات التى هي أخمل ذهنياً من الأولى ، بل مثل الصين وكوريا اعتمدا على ابتعاث أشخاص مدربين من أجل الوقوف على الوقائع الميدانية بهدف تقصي الحياة بشكل عام وجمع المعلومات لأدق أنماط السكان ، وبالتالي الفارق بين الأمريكان / الأوروبيين والصينيون كبير ، لأن أحفاد المستعمرين نظروا للقارة الأفريقية بعين آباءهم ، أي أنها اُختزلت في الجغرافيا ومواردها الطبيعية ، بالطبع لا يمكن تجاهل حجم الموارد التى تمتلكها القارة ، هناك 40% من الاحتياطي العالمي للموارد ، كالماء والطاقة والمعادن والفحم والنفط والغاز الطبيعي ، لكن الصين هذه المرة اشتغلت بطريقة مختلفة ، وضعت القوى البشرية ضمن هدفها الأعلى ، لهذا تعمل منذ وقت طويل على مراقبة الاعداد السكانية المتزايدة واختلاف سلوكياتهم ، كقوة شرائية كبيرة ، وعلى الأغلب تعتمد في أهدافها على المتطالبات الشبابية ، انطلاقاً من أن هذه الفئات تواكب الحداثة من خلال الشاشات الصغيرة ، عابرة القارات ، بل ما يميز الأفارقة بأنهم مازالوا محافظون على الطبقة المتوسطة على خلاف ما هو موجود في الهند والصين وباكستان وإندونسيا، وهذا يعود فضله لاعتمادهم على اقتصاد النمو وليس على الموارد الطبيعية ، لقد اعتمدوا مبكراً على تجارة القطاعي الحديث ، حيث يعتقدون أنها عملية ناجعة ، وعلى وجه الخصوص ، اعتمدوا التوزيع الاستراتيجي ، وبالتالي هذا النظام يساهم في تشغيل أكبر أعداد من المواطنون المتدفقين على حياة العمل ، وقد لفت انتباه بعض الاختصاصيين ، عندما قارنوا بين الدول التى تمتلك مشروع وطني مرتبط بالصناعات الوطنية وأخرى استهلاكية ، على سبيل المثال ، في الدول العربية يستهلك المواطنين العرب من العطور الأجنبية كميات كبيرة ، فالعالم الغربي ينتج ويُصدر بقيمة 72 مليار دولار سنوياً ، الحصة الأكبر تنتج للعرب وبالرغم من إنتاج السعودية والإمارات عطور وطنية كالمسك وماشابه ، إلا أن يصل حجم استهلاك السوق الخليجي إلى 3 مليار دولار سنوياً وينمو ب 4 % .

ايضاً إلى ذلك كله ، هذه القارة المتواضعة في الصناعات ، لديها ميزة شعبية ، هو دعم الصناعات المحلية وتفضيلها على كل شيء أجنبي ، وبالتالي هذه الثقافة تحد من الاستهلاك الخارجي وبدورها تحد من الانعكاسات السلبية على العملة والتضخم ، تماماً كما هو حاصل في الدول الاستهلاكية ، بل هو لا سواه ، إي الإنتاج الموطن ، بفضله يساهم في رفع الناتج المحلي للفرد ويحافظ على الطبقة المتوسطة وايضاً يشارك في تقليل الفقر ، بل ما هو أكبر من ذلك ، على سبيل المثال ، في جمهورية كينيا الواقعة في شرق أفريقيا ، معدل النمو سنوياً 6% ، وهذا يعود محاسنه إلى الابتكارات الوطنية ، ففي هذا البلد ، الأغلبية لا تعتمد على بطاقات الائتمانية الدولية ، لقد ابتكروا خدمة خاصة بهم وطنية المنشأ ، تسمى MPESA ، الخاصة بتحويلات الأموال الداخلية عبر الهواتف المحمولة ، بدأت الخدمة منذ عام 2007م واليوم بات يسخدمها أكثر من 17مليون شخص ، بل باتت كينيا إحدى الدول الرائدة في التحويلات المالية .

العبرة تكمن هنا ، سرعان ما لفت أنتباه الشركات الكبرى ، مثل الصينيون والكورويين حتى شركة فيس بوك التى أعربت عن إعجابها بخدمة MPESA ورغبتها في نقل الفكرة ، وبالتالي هؤلاء وجدوا في سوق أفريقيا بالسوق البكر والصاعد والمبتكر ، بالإضافة لمواردها الطبيعية ، إذن المعركة اليوم باتت تحمل وجه آخر ومختلف عن الوجوه التقليدية ، فالأفارقة اعتمدوا نظرية غنية الدلالة ، تقول كلما انخفضت الواردات ، إرتفعت وتيرة الابتكارات وأصبحت الصادرات مزدوجة ، من الصناعات العامة والأفكار ، وبهما يكمن سر النجاة من تجنيب البلاد من الإنهيار والموت .

هناك أبواق من الكتاب حليفة أو جاهلة ، يستدرجون الناس إلى حلقات مفرغة ، يقدمون طروحات حول إمكانية زعزعة الدولار الأمريكي ، بالطبع هذه الأقوال ليست نابعة عن عمق علمي لكي يظن البعض بأن حال اقتصاد الولايات الأمريكية يشبه في مضامينه اقتصاد لبنان أو السوري ، فالإمبراطورية الامريكية قد تجاوزت هذه المراحل منذ اتحادها ، بل مرّت بظروف أصعب من ظروف اليوم والدولار بقى على حاله ، بل الأمريكان والدول الكبرى يسعون الآن إلى عولمة العقل البشري وبالتالي تجاوزوا مرحلة العولمة التقليدية ، وهذا يلاحظ بالفعل في القارة السوداء ، وقبلئذ شهدنه في الهند ، لأن بإختصار ما هو غائب عن الأغلبية الساحقة ، بأن الأمريكان لديهم أكبر فائض من الذهب في العالم ، لكن الدول المصنعة مثل أمريكا ، تعتمد عملتها الأممية على كثافة الطلب لإنتاجاتها ، وطالما إنتاجها عالي وقوتها العسكرية متصاعدة ، إذن أين هي المؤشرات التى يزعم البعض بأن الدولار مهدد بالتآكل ، طالما واشنطن لديها الحصة الأكبر من صادرات العالم للسلاح ، بلغت 60% صادراتها من صادرات شركات الدول الأخرى ، وبالتالي هناك حوالي 300 مليار دولار سنوياً فقط من تجارة السلاح يتم شراء الدولار من السوق لكي تُدفع هذه الأموال للشركات السلاح الأمريكية ، فالآمن الذي يتمتع به الدولار ، إن جاز تسميته هكذا ، لا يحصل إلا بالابتكار التى تسعى الصين عولمته في القارة السوداء ، كما صنعته من قبل امريكا في الهند والصين ، إذن في خاتمة المطاف ، المواجهة عنيفة في هذه القارة الصاعدة ، لهذا يأتي الانقلاب في الجمهورية المالية ( مالي ) الواقعة في غرب أفريقيا والتى تشترك بحدود مع الجزائر والنيجيريا وبوركينا وساحل العاج وغينيا والسنغال ومورتانيا ، ليشير عن ترتيبات تحصل للتو بالبيت الأفريقي ، الانقلاب يندرج ضمن معارك من طراز بالغة الدقة وشديدة الدراية لما يجري من تسلل للصيني والكوري . والسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الذي تستهدفه الطائرات الحربية الإسرائيلية في ضاحية بيروت


.. مسيرة بمدينة نيويورك الأمريكية في ذكرى مرور عام على حرب إسرا




.. مشاهد تظهر حركة نزوح واسعة من مخيم -صبرا وشاتيلا- بعد الغارا


.. مشاهد توثق موجة نزوح كثيفة من مخيم صبرا وشاتيلا بعد الغارات




.. سقوط أكثر من 25 غارة إسرائيلية ليلية على الضاحية الجنوبية لب