الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قاصّ من بلادي... قراءة نقدية في قصّة قصيرة ((هدية)) للقاصّة زهراء ناجي

عماد نوير

2020 / 8 / 23
الادب والفن


المقوّمات و نجاح النّصّ
—————————
النّصوص الهادفة حدّ الوجع، السّاخرة حدّ الإدهاش، العاطفيّة حدّ الهيجان، التراجيدية حدّ الهذيان، النّاقدة لواقع، لموقف، لسلوك، النّصوص الواقعية جدا، و الماورائية جدا، كلها ثراء ينتظرها القارئ بشغف، يداعب مخيلته، يملأه غبطة و تشويقا، هكذا يفكر الكاتب حين يمارس عمله الإبداعي، يحاول ضمان صيد لبّ القارئ من العنونة، من الاستهلال الأول، من بداية سرد يوحي بشيء لافت.!
النّص الذي يحاكي واقعا مريرا له صدى مدوّ في ساحة المتلقّي، فهو و لا شك صورة انعكاسية للوضع الذي يعيشه، يعرض للعالم مأساته بقالب أنيق، و ثوب جذّاب، أدب يتهافت عليه الكل بشراهة، يفرض جماله من عمق جماله.
سرد ذاتي لقصة طفلة حالمة، تروي لنا بلغة مشبّعة بالحسرة كيف تبدء يومها، و كيف تتحمل العبء النّفسي الذي تمارسه لعبة الحظ في هذه الحياة.
أكثر النّصوص نجاحا هي تلك التي تبنّي لنا داخل جسدها عقدة تشغل مخيّلة القارئ، عقدة قادرة على تأزيم الحكاية، و في هذا النّص نرى قدرة سردية جميلة، و أسلوب متين يميل إلى عميلة الإخفاء و المخاتلة، و احترام رغبة القارئ في خلق جو تشويقي داخل الحكاية، و تعقيد من شأنه أن يجعل القارئ في أقصى درجات التّفاعل.
فالقصة قد بدأت بسرد معاناة طفلة (تبدو طالبة) تعيش في منطقة بائسة لا تصمد أمام أجواء شتائية قاسية ((كان من الصعب السير في شوارع قد امتلات بالوحل والطين، إذ لاتسلم من رشق السيارات المارة من جانبيك.))
ناهيك عن كون البطلة بائسة أيضا كما هو واضح في الفقرة التالية، و التي شرحت لنا فيها الرّاوية البطلة قصّة الثوب البالي و الحذاء القديم و كيف أنها قد عانت من الطين قبل جرس المدرسة، و حتى هذه اللحظة نحن على يقين بأنها طالبة تحت خط الفقر.
و من جمالية السّرد زج لقطات طارئة على النّص، تمنحه جمالا، لقطات بسيطة من قمة الواقع المعيشي ((وذلك الثقب الصغير الذي أحدثه مسمار لعين قد نبت في الباب هيأ لي أنه قد أخرج رأسه ساخرا من رداءة ثوبي. )) فجعل المسمار متهكما هو الآخر من رداءة ثوبها و من حالها المزري ككل إنما هي لقطة ذكية تحرّكت فيها الجمادات، و تظافرت مع البؤس ضد طفل مسكين.
و مازالت عقدة التعاسة الاجتماعية تسير وفق نظام مثالي، فيضخّ لها الكاتب دفقات أخرى من طعم المعاناة التي تكتنف حياة البطلة، فيتّضح لنا فقدان الطفلة لأبسط مقوّمات العيش بل و أهمها على الإطلاق، إنها اللقمة التي تسدّ الرمق، ترنو ببصرها و سمعها إلى الطالبات (الأخريات) و كيف يشترين كيكا و سكاكر.
ثم يحاول الكاتب أن يعزز نصّه بأزمة تحيله إلى نصّ مميّز، فاستراقها السمع إلى تجمع الطالبات يجعل القارئ يتساءل عن انعزالها عن المجاميع، ماهو الشيء الذي يجعلها هكذا بعيدة عنهن، هل هي معاقة فيجعلها الخجل من عاهتها مبتعدة، هل حالها المعيشي و هندامها الرّث هو ما يجعل منها كائنا متوحدا يبتعد عن الجمهور؟
و كلّما أثارت التّساؤلات حفيظة القارئ كلّما ازدادت الرّغبة في متابعة القصّة و الوقوف على لحظة تنويرية تريح مخيلته.
كلمات و أحاديث الفتيات التي سمعته البطلة شيئا قد أثّرَ بها، إنهن يتحدّثن عن عيد الأم و ما يمكن أن يجلبه المرء لأمه هدية لها!
و لابد أن ننوه إلى أن الكاتب قد اقتنص لنا لقطة أخرى فيها من الفكاهة ما يرفع من درجة التّشويق، و رصد حالة تحصل في أرض الواقع من باب الجنون لدى الطفل ((وكم ضحكت من تلك التي اشترت علبة من الحلويات وبالتالي أكلتها كلها، وهذه التي لم تجد شيئا فجلبت كيسا من الخبز. ))
هكذا يخلق لنا الكاتب جوا من الواقع، كأنه قد عايش نفسيّة الطّفل كثيرا، كأنه معلم أطفال لجيل أو جيلين أو ربما ثلاثة، كأنه سمعهم فعلا يتهامسون بهذه الحكايات المضحكة و المبكية بالوقت نفسه.
قدرة تحليل نفسيّ لعقل الطالب الصغير.!
تفكّر البطلة بمشاركة الحدث العظيم، و محاولة جلب هدية لأمّها وفاء و إجلالًا لها، فما الذي دار بخلدها ، و أي هدية اختارتها، هل كانت من النوع المضحك، هل كانت من النوع البرجوازي، لتعيش اللحظة كباقي أقرانها، هل كانت من النوع الجاد، التقليدي؟؟
أبدا... كانت الهدية شيئا آخر، في هذه اللحظة يلتفت القارئ إلى العنوان، و يدرك لِمَ اختاره الكاتب دون غيره من العناوين التي تصلح لنصّ كهذا، إن العنوان كان عقدة النّص إذا، كان بمثابة قصّة كاملة اعتلت جسد قصّة.
الهدية كانت شيئا يُدمع و يجعل القارئ يتعاطف أكثر مع حال البطلة {{سوف أدخر شيئا لك ياأمي
همست في سري
(سأشتري لك قنيتين من ماء الورد وخمسة أعواد بخور )}}
البطلة يتيمة معدمة الأم فوق ما تعانيه من مكابدات الفقر و العوز!
هل انتهت المأساة عند هذا الحد؟
الكاتب يُصرّ على جعل القارئ حزينا مستشعرا بالحالات التي تحيطه من كل جانب، عليه أن يفكر في اليتامى و المعوزين من جيرانه و أبناء جلدته بل و حتى المنكوبين في العالم..
مازال في جعبة الكاتب شيئا اسمه الخاتمة و التي عادة ما تكون مدهشة، و أيّ دهشة! إنها شيئا مكملا لقصة حزينة حقيقية..
((عندها صرخ بوجهي بكل غضب العالم وجبروته
ضعي علب العصير في الثلاجة وابدئي بتنظيف الدكان.
لازلت ألتفت إلى الوراء،
فأنظر كيف حملن حقائبهن على ظهورهن ودخلن باب المدرسة.))
يا إلهي.. لم تكن بطلتنا طالبة مثلما تصورنا، أو مثلما أوهمنا الكاتب بذلك، و هذا التحايل يحسب له، لقد كانت عاملة في دكان قبالة المدرسة..
تحسرت البطلة و رأت نفسها في حلم يقظة كيف أنها كانت تضحك وسطهن بملابس لائقة و حقيبة الظهر على متنها..
نصّ جميل جدا ذو هدف سامٍ و مغزى عميق، حبكة رائعة و لغة جيدة، جمل مشوّقة و تواصيف نادرة...
شكرا للقاصّة المبدعة زهراء ناجي.
تحيتي و الودّ... عماد نوير
———————————
———————————
القصّة القصيرة
هدية

بعد ليل ممطر وعاصف؛ كان من الصعب السير في شوارع قد امتلات بالوحل والطين، إذ لاتسلم من رشق السيارات المارة من جانبيك.
حاولت أن أسرع قبل أن يرن جرس المدرسه برغم أن قدميّ قد غرست مرات عديدة في الطين، وحتى ثوبي قد اتسخ، ذلك الثوب الذي حفظني مدة عامين وأنا حفظت حتى قماشه المهترئ الذي بهت لونه وخرجت الخيوط من جوانبه، وذلك الثقب الصغير الذي أحدثه مسمار لعين قد نبت في الباب هيأ لي أنه قد أخرج رأسه ساخرا من رداءة ثوبي.
حاولت أن أزيل ماعلق في حذائي العتيق بعد أن تجمعت بعض الطالبات لشراء بعض السكاكر وقطع من الكيك، وأنا التي لم أتذوق شيئا من الطعام منذ الامس.
كم تمنيت أن أضع قطعة الكيك الشهية في فمي متلذذة بطعم الشوكولا التي تسيل من شفتي.
كانت الطالبات قد تجمهرن وهن يتجاذبن الحديث، حاولت أن أسترق السمع متحاشية النظر لهن، فكل واحده تتباهى بما قدمت لأمها من هدية في عيد الأم، وكم ضحكت من تلك التي اشترت علبة من الحلويات وبالتالي أكلتها كلها، وهذه التي لم تجد شيئا فجلبت كيسا من الخبز.
كان الوقت يمر وأنا أستمع لهن. تلاحقت الأفكار في عقلي،
ماذا أهدي التي حملتني بعد وهن، التي أخذت من جمال وجهها لأجعل منها رمزا بين أمهات العالم أجمع
سوف أدخر شيئا لك ياأمي
همست في سري
(سأشتري لك قنيتين من ماء الورد وخمسة أعواد بخور )
عندها صرخ بوجهي بكل غضب العالم وجبروته
ضعي علب العصير في الثلاجة وابدئي بتنظيف الدكان.
لازلت ألتفت إلى الوراء،
فأنظر كيف حملن حقائبهن على ظهورهن ودخلن باب المدرسة.
زهراءناجي/العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا