الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفاق التعايش العربي - الكردي في سورية

معقل زهور عدي

2006 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


يحتاج الأمر لشيء من الخروج من أسر حوار الطرشان الدائر حاليا بين بعض النخب الكردية والعربية ، والتأمل في مستقبل التعايش العربي – الكردي في سورية ، فالأكراد لن يهاجروا من سورية وكذلك العرب بالطبع ، وهم محكومون بالتعايش الذي استمر مئات السنين دون ان نسمع في التاريخ عن اضطهاد العرب للكرد أو الكرد للعرب ، ما نعرفه هو تاريخ مشترك لعب فيه الأكراد دورا هاما وايجابيا في الحضارة العربية الاسلامية ، وشاركوا فيها في الغنم والغرم ، في الدفاع عن الأرض والقتال ضد الغزاة كما فعل نور الدين الشهيد وصلاح الدين الأيوبي وصولا الى ابراهيم هنانو ، وفي تبوء الحكم وانشاء الممالك والدول ومنها مملكة حماة الأيوبية التي يعتبر أحد ملوكها الكردي ( أبو الفداء ) رمزا للعدل ومحبة الحضارة والعلم والأدب العربي حيث لم يكن في ذلك الوقت لحسن الحظ مكان للمتعصبين الأكراد الذين ظهروا ( لسوء الحظ ) في عصرنا أمثال الذين يحاولون في كردستان العراق اليوم محو كل ماهو عربي بدءا من الأبجدية وليس انتهاء بغسل التاريخ من كل ما هو مشترك وثمين بين العرب والأكراد ، وفبركة تاريخ آخر يشطب أكثر من ألف عام ليعود لفضاء الألف الثاني قبل الميلاد في رحلة اسطورية على خطى بعض المارونيين المتعصبين الذين قفزوا فوق أصولهم القبلية العربية ( عشائر عربية سكنت أواسط سورية قبل هجرتها الى لبنان ) ليحاولوا فبركة تاريخ خاص يتماهى مع الحضارة الفينيقية ، وينقطع بعدها لعدة آلاف من السنين حيث لاشيء سوى عروبة بدوية صحراوية تنتظر مخلصا حضاريا مثل فرنسا .
باستثناء مسألة تجنيس الأكراد غير المجنسين ( وقد كان عدم تجنيسهم بالطبع خطأ غير مبرر ) ، والسماح للأكراد بالتمتع بلغتهم وثقافتهم ، لاتوجد في سورية مشكلة كردية حقيقية سوى ما تريد بعض النخب النفخ فيه متشجعة بالحالة الكردية في العراق دون ادراك للفرق الكبير بين وضع الأكراد في العراق ووضعهم في سورية ، ومتشجعة – ولنكن صريحين – بالحملة الأمريكية على العراق والمنطقة ، معتبرة ان الفرصة قد لاحت للاستقواء بالأمريكان وحلفائهم لانتزاع حقوق غير حقيقية والانقلاب على التعايش العربي – الكردي .
تمثل مثل تلك النزعة اتجاها انتهازيا مكشوفا ، ومحاولة لصعود نخب كردية نحو الثروة والسلطة كما حدث في كردستان العراق ، بالتحالف مع الأمريكان وانتهاج سياسة فرض الأمر الواقع حيث لاحاجة للوقوف عند المبررات التاريخية ، أو الحقائق الديمغرافية ، ولا لضرورات التعايش المستقبلي بين الأكراد والعرب .
لايمكن تأسيس التعايش سوى على الوضوح ، والعقلانية ، والتسامح ، ولللأسف فان ذلك لم يتوفر حتى الآن ، كل ما أمكن انجازه هو اقامة بعض جسور الحوار وهو انجاز هام بحد ذاته ، لكن البقاء عنده لن يقدم الشيء الكثير في النهاية .
من وجهة النظر العربية لايمكن القبول بفكرة كردستان الغربية بأية طريقة ، دع عنك مسألة التاريخ ( وقد قرأت كثيرا مما كتب عن الحوريين والميتانيين كأصول محتملة ( غير ثابتة علميا ) للأكراد فضلا عن أن وجودهم ( الحوريين والميتانيين )قد تلاشى تماما بما يزيد عن ألف سنة قبل الميلاد حين بدأت القبائل الآرامية السامية تكتسح منطقة الجزيرة وبلاد الشام لتهيمن فيها هيمنة ديمغرافية وحضارية تامة حتى قضت على ممالكها الحملات الآشورية المتعاقبة دون ان تستطيع القضاء على الوجود الاجتماعي والحضاري للآراميين والذي استمر طاغيا حتى الفتح الاسلامي لنصيبين التي كانت حاضرة الجزيرة ثم أصبحت مركزا هاما لترجمة الكتب من السريانية الآرامية الأصل الى العربية .
فاي منطق يمكن أن يتسا هل بشطب تاريخ مستمر يمتد من 1200 سنة قبل الميلاد على الأقل لصالح فترة محدودة قبله تلاشى وجودها الحضاري بصورة تامة ، هذا ان كان في نظرية الحوريين والميتانيين كأصول للأكراد شيء من الحقيقة وهو أمر غير مؤكد علميا حتى الآن .
أعود للقول بغض النظر عن المسألة التاريخية هناك وقائع ديمغرافية قاسية بالنسبة لأصحاب فكرة كردستان الغربية ، فنسبة الأكراد في الجزيرة لاتكاد تصل الى 50 بالمئة عدا مدينة القامشلي ، فلو اننا افترضنا كيانا كرديا هناك لكان لديه قومية أخرى تصل نسبتها الى مايزيد عن 50 بالمئة ، واذا أصرت تلك القومية على حقوقها في تقرير المصير فلن يبقى من كردستان الغربية شيء ، فهل يخطط المتعصبون الأكراد للتخلص من القومية الأخرى بواسطة التطهير العرقي ؟
واقعيا لايوجد بلد في العالم يتمتع بنقاء عرقي ، واذا أردنا اعادة تقسيم الدول حيثما ثمة أقلية عرقية لما بقيت دولة واحدة على وجه الأرض ، ويغدو الأمر أكثر عبثية حين تكون الأقلية بحدود ال10 بالمئة وموزعة على مناطق واسعة ضمن الدولة كحال أكراد سورية .
اذن أقول بصراحة ان التمسك بفكرة كردستان الغربية ، وبناء خطاب سياسي مزدوج يلمح تارة الى مفهوم الوحدة الوطنية وتارة الى الحق في الانفصال في كردستان الغربية لايصلح أساسا لبناء الثقة واستمرار الحوار.
الأمر الآخر الهام أننا نريد تعايشا كما تعايش الشعبان مئات السنين ، تعايش الارتباط بالأرض والدفاع المشترك عنها بوجه الغزاة والطامعين ، تعايش وحدة المصير الذي لايمكن تأسيسه حين يرسم طرف سياسته المعلنة أحيانا وغير المعلنة أحيانا أخرى على أساس الاستقواء بقوى الهيمنة الأمريكية ووجودها العسكري الاحتلالي في العراق.
مثل تلك السياسة قصيرة النظر سوف تنهار مع انهيار احتلال العراق الذي بدأت تظهر بوادره مع العجز الأمريكي على السيطرة واستمرار المقاومة وتجذرها .

باختصار الشراكة في الوطن الواحد بعيدا عن أية أفكار انفصالية وبوضوح ، والانخراط في نهج مقاومة مشروع الهيمنة الأمريكي للمنطقة وأدواته ومنها احتلال العراق هما معا أساس بناء الثقة والتعايش بين الشعبين الشقيقين العربي والكردي ولئن كان ذلك لايناسب بعض النخب الكردية الطامحة للصعود للثروة والسلطةعلى أكتاف الجماهير الكردية الفقيرة عن طريق شحنها بالتعصب القومي فهو بالتأكيد يناسب تلك الجماهير ومصالحها البعيدة المدى ، كما يناسب الجماهير العربية التي تحب انتماءها وتتمسك به بقدر ما تمقت التعصب القومي أيا كان مصدره.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟