الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أقصوصة من وحي المجتمع... -اشْرِي مِن عِندِي، أنا دائما عِندِي الجَديدْ-..

عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)

2020 / 8 / 23
كتابات ساخرة


أين طربوشي؟ ... أين الفوطة التي أضعها على كتفي؟... اسرعي اليوم سينتهي ولم أخرج بعد...
قاد دراجته صاحبة العجلات الثلاث، وهو يسمع دعوات زوجته بالخير والبركات...

ماذا سأشتري؟ السردين ومِيرنا ... لا لا... السردين والشابل والبواجو.. لا لا... هذا لن يكفي...
سوق السمك خال من الزبائن على غير عادته... الحوت غالي اليوم... السردين 150 درهم للصندوق الواحد... الشابل 350 درهم للصندوق الواحد... ميرنا 340 درهم للصندوق الواحد... الكبايلا 130 درهم للصندوق الواحد... ماذا سأشتري؟ بالأمس، بعت جيداً.. يزداد الطلب في شهر رمضان... لقد ساعدني كثيرا الحجر الصحي بسبب كورونا... لقد ازداد عدد الزبائن... اليوم سيعرف الناس والحكومة، كم هو مُهِم صاحب محل البقالة (مول الحانوت) و صاحب محل الخضر (مول الخضر) وعامل النظافة (مول الزبل)، وكذا "مول الحوت" الجوَّال ...

بالإضافة إلى السردين وكبايلا، سأشتري كمية قليلة من كل نوع، لا يجب أن أخسر زبائني... يجب أن أسرع... الوقت يمر... الجو حار اليوم، سأشتري كمية إضافية من الثلج.. انتهيت الآن... يا مسهل ... يا رزاق... على بركة الله... سأبدأ بحي الذي تتواجد فيه السيدة مبروكة؛ البارحة طلبت مني أن أحضر لها كمية إضافية من الأسماك، وبعدها سأتوجه إلى حي السيدة زوجة "مول البانكة" وبعدها المعلمة... سأترك حي السيدة امباركة في الأخير... لم أدرس في الجامعة، لكني أعرف أذواق كل فرد وعائلة في "السيكتور" ، والأهم إمكانياتهم المادية...

ها "مول الحوت"... ها "مول الحوت"... ها "السردين" ... ها "الشطون"... ها "الروبيو"... باسم الله... الله يخلف.. أتعجب اليوم، الزبائن زادوا هذه الأيام مع كورونا... تفضلي، أنا دائما أمُّر من هنا في مثل هذا الوقت.. أحضر الجديد من الأسماك كل يوم، وبثمن بخص... "اشْرِي من عِندي يا ابْنَتي"، أنا دائما عندي الجديد..

الشمس حارقة... أحس بالتعب...

سأعود الآن... رمضان صعب في هذا الجو الساخن...

سأنام قليلا ... أيقضيني عند صلاة العصر...

"قَرِّب مِنّي يا ولدي"... ألم تدرس اليوم؟.. هل أرسل لك مُدرسك الدروس ؟... سأراجع معك القرآن والعربية، واذهب عند ابنة جيراننا لتراجع معك الفرنسية... لا بد أن تتعلم، لا يجب أن تكون مثل أبوك وأمك... انظر لحالنا...

جلس أمام باب منزله في الحي الشعبي، يراقب أولاد الجيران ... المدرسة مهمة، تنظم أوقات الأولاد وتحثهم على الدراسة... متى نعود لحياتنا الطبيعية...

اعتادت زوجته على سماع حكاياته اليومية مع الزبائن... كيف يعرف أذواق وامكانيات كل زبون... أغلب الزبائن هم نساء، اعتادت كل واحدة منهن، قبل الشراء أن تخبر بنوع الأسماك المفضل عند زوجها وأولادها وكيف يحبون تناوله... أحيانا تمر على زوجها ظروف عصيبة خاصة عندما ترتفع أثمنة الأسماك وتقل طلبات الزبائن أو عندما يمرض ابنها. رغم سعادتها لارتفاع دخل زوجها خلال فترة كوفيد-19، إلا أنها حزينة...

بعدما رزقت بابنها حاتم، فضلت عدم الإنجاب... فالحياة بدت صعبة عليهم خاصة في السنوات الأخيرة... عدد الزبائن تراجع كثيرا... الأغلبية يفضلون الأسواق التجارية الكبرى... الأمر بدأ يتأزم كثيرا بعدما اجتاحت المحلات التجارية التركية الأحياء السكنية الشعبية...

أصبحت تحس بتعب ووهن زوجها. فبعد الحادثة التي تعرض لها، لم يعد يستطيع العمل كالسابق... إنها خائفة على مستقبل ابنها... إنها تعمل فقط في المنزل... فعائلتها لا تملك أية حماية اجتماعية.... لقد ازداد قلقها بعد وفاة زوجة جارتها عزيزة... لم يكن أحد يتوقع وفاته المفاجئة... لقد غادر في الصباح للعمل في أشغال حفر الطريق الرابطة بين تمارة والرباط، وعاد بعدها مُحملاً على الأكتاف... لقد كان قضاء وقدر... لقد كان حادثة شغل... أثناء جنازته، كانت تبكي بحرقة وهي تصرخ بأعلى صوتها "لِمَنْ تَركتنِي يا أبَ أَولادِي"؟ "مَن سَيربِّي أَولادكَ من بَعدك"؟ "مَن سَيجلُبُ "القُفة""؟... تقاسمنا معها حزنها وما تيسر من المال... بعد طول انتظار، حصلت عزيزة على تعويض زهيد لا يكفي لإعالة أولادها الخمسة...

بعد الإفطار، أشعل "مول الحوت" التلفاز لمعرفة عدد المصابين الجدد بكورونا وعدد الوفيات، وهو يردد يا لطيف يا لطيف، الله يحفظ ويستر... وزوجته تحدق تارة في التلفاز وتارة في ابنها لتلاعبه. انتقل إلى قناة تلفازية أخرى، لم يجد سوى أخبار عن كورونا... المصابين بالآلاف في أمريكا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا و... يا لطيف ... فقال لنفسه، إنهم أكيد أولئك الذين يعشون في الهوامش، في الجانب المظلم في هذه الدول التي تعتبر من إحدى أكبر الدول العالمية... احتجاجات كبيرة في أمريكا للسماح لهم بالخروج من أجل العمل...لقد اعتادوا على التهميش، فقانون الدولة يدافع عن الحرية وعن الدولار... ستجد الطبيب والمهندس وعامل البناء والمدمن وغيرهم بدون مأوى... شباب و نساء وأطفال ورجال من مختلف الأعمار والجنسيات يعتمرون أزقة وشوارع المدن المصنعة والذكية والمتطورة لأمريكا... وباء كورونا فضح بشاعة النموذج الاقتصادي الذي دافع عنه العديد من المفكرين والاقتصاديين والمتحكمين في القرارات والسياسات الدولية... كورونا تحصد آلاف الأرواح معظمهم مهمشون ومعطلون وبدون مأوى ومهاجرون ولاجئون. وباء يسبب أخطر أزمة في التاريخ البشري المعاصر، وتجدون من الناس من يطالب بالخروج للعمل بدل البقاء في المنزل. إن من يعيش الرفاه الاجتماعي والاقتصادي سيصعب عليه تصديقه... لكن بالنسبة لب، أتفهم تماما احتجاجاتهم، أنا أيضا مواطن من الهامش وأعيش باليومي... فمثلي لا يمكنه إلا أن يواجه كوفيد19...

أغلق التلفاز، والتفت إلى زوجته قائلا: أمسكي هذه "البركة" (بضعة دراهم في اليد) لمصروف الغد، والباقي سأشتري به متطلبات الزبائن من الأسماك...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟