الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنفصاميّة والإنتخابات النيابية 1

ازهر عبدالله طوالبه

2020 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


أكاد أجزِم بأنّ مِن أحَد أهَم الأسباب التي جعلتنا في ذيّل شعوبِ العالم -هذا إن قبلَ بنا الذيّل أصلًا-، هي الإنفصاميّة التي باتت نهجًا لا يتِم الإستغناء عنهُ، ولا القُبول بردّمه بحجارةِ العقلِ والإتّزان، ورميهِ برصاصاتِ التقديرِ والثّبات .


هذه الإنفصاميّة قَد أسّست قواعدها على أرضيّاتٍ هشّةٍ مُختلِفة . أرضيّات يراها البعض صخريّة يظهر الصّخر على وجّهها، ممّا يعني كما يرون، أنّه قَد تمّ تهيأتها بالشّكل المُناسِب، وحسب المواصفات والمعايير البنائيّة الوطنيّة، وما هذا إلا إفتراء وخِداع لا ينطلي على كُلّ عاقِلٍ يملِك ولو خلفيّة بسيطة عن البناء التقليدي، وليس البناء الوطني فحسب . بينما البعض الآخر يراها طينيّة تُرابيّة لا تصلُح لأن تكون أرض يُشيّد عليها بناء بيت وطني مُستقبلي . وأنا أميلُ لرؤية البعض الثاني، فهُم لا يأملون ولا يحلمونَ إلّا ببناء بيتٍ وطنيّ حقيقي، يضُمّ في أركانهِ مؤسسات لا تحتَضن أصحاب الأجندات والمصالِح الشخصيّة على حسابِ وطنٍ باتَ قريبًا مِن الإنهيار والدّمار، فما فائدة البيوت والمصالح الشخصيّة إن كانَ الوطن يسير على حافّة الإنهيار، ويلفِظ أنفاسه الأخيرة ما لَم يتِم الإهتام به والعمَل بإنتظام على إعادة أنفاسِه ..!!

إنّ مِن أحد أوجه الإنفصاميّة التي لا يستطيع أن يُخبّئ ملامحها أيّ قناع مهما كانَ ثمنهُ، والتي رغمَ مرور أكثَر مِن أربع عُقود على ولادتها، إلّا أنّها إلى الآن ما زالت تتمتّع بروحِ المُراهقة التي لا ترى ما هو أفضَل مِنها، بل وكما يراها أصحابها أنّها تِرياق ديمُقراطي يُحقَن مرّةً واحدة في كُلّ أربع سنوات .. يُعرف هذا الوجه بتجاعيدهِ المُتناثرة، بوجه الإنتخابات النيابيّة الذي يتجسّد بهِ كُل ما يعنيه الإنفصام مِن معنى . ففي الوقت الذي يتِم به شتِم وسَب المجالِس النيابيّة بمَن يمثّلها، وتحميل كُل ما وقع على البلاد مِن فساد لأعضاء المجلس التشريعي والرقابي لإلتزامِهم الصّمت أمام منظومات سياسيّة فاشِلة وضعَت سيف السُلطة المُطلقة على رقابِ الجميع ؛ لأنّهُ كما يقول أحد الأعضاء " إحنا - يقصد مجلس النواب- عبارة عن ديكور " . وفي الوقت الذي باتَ يسّمَع، بل يرى المواطن كُل الأدوات التي تخنِق المؤسسة التشريعة والرقابيّة في ظلّ سيطرَة بعض الأجهزة الأمنيّة على الإجراءات الديمقراطيّة - كما يدّعون- واختيارها لأكثَر مِن ثُلثي أعضاء المجلِس، وفي الوقتِ الذي يتربّع على عرش المجلس شخِص واحد لأكثر مِن فترتين، يؤمِن ومِن خلال أقوالهِ تحت قبّة مجلس الشّعب، بأنّ المجلِس لا يُمثّل الشّعب، وتجسّد هذا بآخر أقوالِه " مِش شُغلَك يا مواطِن "، وفي الوقت الذي تُسَنُّ بهِ قوانين تحت بيت الشّعب لمُحاربة الشّعب بخُبزهِ وأرضِه، وفي الوقت الذي توقّع بهِ اتفاقيات تدمّر بهِ وتُضعَف الوحدة الوطنيّة، وتُعدَم على مرا العالم أجمَع كُل صلة تربِط الشّعب بالسُلطة ...بينما يتِم هذا كُلّه، ترى ذات الشّعب يُرحّب ويُهلّل للإجراءات الإنتخابيّة المُقبلة، مُسارعًا بتكريسِ كُلّ جهودهِ مِن أجلِ إنجاح هذه العمليّة تحت حُجج واهِنة جدًا، كأن يتذرّع أحدهم بإمكانيّة التّعديلِ والإصلاح، وللأسف، أنّ هذه الحُجّة قَد أكلَ وشرب عليها الزّمن، وانقرضَت منذ زمنٍ بعيد، فلا إصلاح بتغيرِ الوجوه وإبقاء المنظومة على ما هي عليه . وما يُغضِب أكثر، هو مَن جرّد المجلِس التشريعي والرّقابي مِن ثوبه الحقيقي، وألبسهُ الثّوب الخدماتي المُطرّز بخيطِ المُحاصصة والأحقيّة العشائريّة والمناطقيّة . فقَد أصبحَت العمليّة الإنتخابيّة الديمقراطيّة اليوم، لا تُقاس بما يملكه المُترشّح مِن قُدرات وكفاءات تؤهّلهُ لهذه المسؤوليّة، بقدرِ ما أصبحَت تُقاس على مجالات أضيَق بكثير، يخجَل أبناء الصّفوف الإبتدائيّة مِن العملِ بهذه المقاييس، كأن تُحصى الأصوات في " الفرع، العشيرة، الحي، المنطقة ..إلى ما لا نهاية" وحصر المُنافسة بين هذه المساحات الضيّقة فقط .

وختامًا، لا بدّ مِن كسرِ حالةِ الإنفصام التي سكنتّنا وجعلتّنا نقّبع في مؤخّرة العالم، ولا بُدَّ مِن صحوة حقيقيّة تضعنا على بدايةِ طريق النّهوض، وذلك مِن خلال إعادة حساباتنا في المُشاركة بالإنتخابات المُقبلة، فالمُمارسات القمعيّة بحقّنا جميعًا، والتّضييق على حُريّاتنا، ومُحاولات كسرِ الإرادة الشعبيّة، وكُل مَن يُمثّلها، والإعتداءات الصّارِخة التي مورِست مؤخرًا .. أعتقِد أنّ جُل هذه الأمور تدّفعنا إلى الإيمان المُطلَق بأنّ الإنتخابات في ظلّ قانونها الحالي، وتحكّم بعض الجهات المتنفّذة بها، لَم تعُد ذات أهميّة بالنسبةِ لنا - أي كمواطنين-، إضافة إلى إيماننا المُجدّد بأنّ ما دامَت المنظومة تحتَكِم لنهِج فاسد، فإنّ المجالِس التي ستأتي أسوأ مِن الراحلة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل