الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترجمة الفصل السادس من كتاب -صانعو الأساطير بوشكين. الأب المؤسس- بريتشيت ، فيكتور ساودون*

الشريف ازكنداوي

2020 / 8 / 25
الادب والفن


مقدمـــــــــــــة
يتعلق موضوع البحث هذا بترجمة للفصل السابع من كتاب "صانعو الأسطورة " . لمؤلفه بريتشيت ، فيكتور ساودون، الذي أُصدر باللغة الإنجليزية سنة 1979 بمدينة نيويورك. هذا المؤلف عبارة عن سير أدبية لمجموعة من أهم رواد الأدب الحديث الأوروبيين. و السير الأدبية لا يكون همها الأول التطرق للوقائع والأحداث المباشرة التي وقعت للمعني بالأمر، بقدر ما يهمها الحديث عن الأدب. في كل السير الأدبية إذن يتزواج كل من الأدب و الأحداث و الوقائع لكي تقدم فهما جيدا للأدب.
النص المترجم بين أيدينا هو الفصل السادس من هذا الكتاب، الممتد من الصفحة 77 إلى الصفحة 88 من الكتاب. يتطرق فيه الكاتب للسيرة الأدبية لأحد أبرز الشعراء و الكتاب الروس ؛ يتعلق الأمر ببوشكين. سنقتصر فيما يلي على تلخيص لأهم الأفكار المستنبطة منه. يقدم لنا الكاتب في هذا الجزء نظرة عن شخصية بوشكين، كما أنه يقربنا من طبيعة المحيط الذي كان يعيش فيه و كذا نظرة عامة على مؤلفاته. و يمكن أن نستنتج بسهولة علاقة بعضها ببعض، أي الرابط الحميم الذي يربط السيرة بالأدب . يذكر بهذا الصدد أنه كان ميالا إلى الانفتاح على مباهج الحياة من متع و ملذات...كما أنه يبدو من خلال هذا النص أنه لم يكن من أولئك الشعراء المنزوون في برجهم العاجي. بل كان يخالط الناس و ينفتح عليهم. كما أنه كان كثير التجوال والسفر . انعكست كل هذه الأمور على فكره، فحينما تقرأ أشعاره ، فإنك تحس به أنه معك ، إنك ستحس "إنه ككل لنا و نحن، بسماعه، نكون له" على حد تعبير الكاتب. كما أن هذه الحيثيات سهلت عليه الانفتاح على كتابات عظماء الأدب الأوربي مثل شكسبير و فولتير . مما مكنه من اكتساب معرفة جيدة بالأدب الكلاسيكي للأنوار. و قد تجلى هذا الأمر في معظم مؤلفاته.
إن طبيعته المحبة للحياة لا تعني أنه قد عاش حياة هنيئة، بل بالعكس لقد كانت حياته كلها مطبات. يذكر الكاتب أنه كان يعاني من الرقابة : رقابة زوجة أبيه الحقودة، حماته وكذلك من رقابة القيصر، كما أنه كان يعاني من تكلف و دلع زوجته التي كان يحبها كثيرا. هذه الازدواجية في الحياة التي عاشها بوشكين، الطبيعة المتفائلة المنفتحة مقابل الظروف القاسية السيئة، هي ربما ما جعتله أحد أعظم الشعراء الروس على مر التاريخ. أحيانا تكون الظروف القاسية هي السبب في ظهور النبغاء، خصوصا إذا تظافرت مع أناس ذوو طبيعة متفائلة تستوعب هذه الظروف و تغير من تأثيرها بحيث تصبح بناءة عوض أن تكون هادمة.
ينعته المؤلف بأنه من الآباء المؤسسين. أي أنه مؤسس لشيء لم يكن من قبل. يذكر الكاتب في ثنايا الكتاب أنه أعاد بناء الشعر على أساس فكر الأنوار. كما يصفه أنه كان متعصبا للغته الأم بالرغم من انفتاحه منذ نعومة أظافره على الأدب الفرنسي والانجليزي. وهذا ما يؤكده بعض المؤرخين الروس. يرى هؤلاء أن بوشكين من أولئك الذين خلصوا الشعر الروسي من التأثير الديني، كما أنهم يعتبرونه من المساهمين الأوائل في تنقية اللغة الروسية الحديثة من التأثيرات الأوقازية الدينية. كما يذكر هؤلاء، و هذا يتطابق مع ما يقوله مؤلف الكتاب، أن أسلوبه يتميز بالبساطة و الدقة و الأناقة المتناهية.
كان بوشكين غزير الإنتاج، يظهر ذلك من الكم الهائل من المؤلفات التي كتبها سواء في الشعر أو الرواية أو الدراما...لكنه رغم ذلك لم يشتهر مثل مواطنيه ليون تسولتسوي أو فيدور دويستوفسكي خارج روسيا؛ ربما لأن أعظم أعماله هي في الشعر و الشعر من الصعب ترجمته؛ وربما أيضا لأن ترجمات مؤلفاته أعطت صورة مغلوطة عن شعره.


بوشــــــــــكين
الأب الــــــــــــــمؤسِس

يُقال أنه من بين الأجانب فقط الجرمان البلطيق هم من يدركون براعة بوشكين كشاعر حساس. أما نحن الذين لا نعرف الروسية والذين لم نقرأ قصائده إلا من خلال الترجمات الإنجليزية و الفرنسية، فإننا نردد صدى الملاحظات التي قالها فلوبير لـ تورجنيف – " إن شاعركم عديم الأهمية، إن ذلك يعبر عن انزعاجنا المؤدب الذي يسبق الحيرة . إننا نستجيب للشاعر الكاتب الدراماتيكي في أوجين أونجين، لحكايات النثر و قبل كل شيء لرسائله الرائعة. في الأخير إننا نصغي للصوت الطبيعي لرجل يذهب قافزا بعيدا بجانب برودة صوت الشاعر الواعي و إننا ندرك في نفس الوقت لم يعتقد الروس أنه من أعظم كتاب الرسائل. إنه هناك قبلنا: " في رسائل الاعتراف العفوية/ شيء واحد يوحي لروحه، لقلبه/ و للاشعوره ، هو فنه./ كم هي لينة لمحته، أو في حذره كم هو شجاع أو خجول هناك وهنا كيف هو رائع في دموعه اللحظية". إننا نقرأ تعبير الحزن في" ذوق روسيا القاتم، الأرض التي تعلمنا فيها أن نحب و أن نبكي". إننا نرى رجل الحاشية الملكية محاصرا من طرف المحكمة؛ إننا نرى الفاسق الذي يرتدي الدبابيس الطويلة والذي يبدو كقرد، الرجل الأرستقراطي للنظامين الأرستقراطيين: المحمة و الفن؛ المواطن ،المحب لمحكمة التفتيش (Cid)الإسبانية، و هو يصارع ملكا زائفا. إن لبوشكين فن الظهور فجاة بشكل فوضوي أو رائع، خارج الزمن الحقيقي الذي يعيشه. إنه موجز كالدفعة نفسها. إنه واضح كالجليد، مُعْم كالثلج.
صحيح أن العديد من رسائل بوشكين محيرة- من هم هؤلاء الناس؟ عم تدور كل هذه الأمور؟ لقد اختار كتاب السيرة أهم هذه الرسائل، لكنه من الصادم في الجزء الثالث المترجم إلى الإنجليزية الذي أصدره باحث أمريكي، ج. طوماس شاو، أن نجد كيف أن الجميع مازال لحد الآن يتعالى عن زمنه و يبرز صوت بوشكين. إنها فكرة جيدة أن تكون حياة بوشكين في متناول اليد حينما تقرأ لهم؛ لكن ملاحظات شاو تشخص بوضوح لائحة طويلة من الكتاب غير المهمين، من الممثلات، المعلمات، من الوجوه الاجتماعية، من بعض من تفاصيل المغامرات، المشاريع و الفضائح. إن المشهد شبه الرائع و البربري هو إذا ما قام أحد ما بتجميع الأجزاء معا؛ وإذا ما تم ذلك لنا بشكل تام، فلن تغيب عنا عن بوشكين من شبابه إلى موته أية نبرة ولا أية إيماءة. يمكن لمزاجه أن يبدو متهورا في البداية بسبب أنه متغير، متقلب في كل عبارة. بالنظر بعناية فإن تقريبا معظم رسائله هي بحق أعمال فنية مثل رسائل بايرون.
لبوشكون رغبة كبيرة في الحياة، و هو أكثر أهمية من كونه كاتب رأي في الرسائل، إنه عبقري في اللعب معها، في تغيير نبرته، في التخلي عن أشياء ضمنية ساخرة، وعن أخرى قيلت بكل صراحة. إنه مشدود بتحكمه المضحك في جميع أنواع الأساليب من الصوري الجاف، البليغ، البارع إلى الكثير الجدل و الشاعري الحنون. إنه يعشق إعادة الكتابة. إنه يفحص الجمل بحرص. كل جملة ترن مثل عملة حقيقية. في هذه اللحظة إنه ككل لنا و نحن، بسماعه، نكون له.
هنا وضع في الحجر الصحي بسبب الكوليرا و هو مذهول بسبب الشجار العائلي المتعلق بزواجه:
كل ما تقولونه عن المجتمع هو فقط: إن مخاوفي هي أن تبدأ الخالات و الجدات بدفع عقل زوجتي إلى الحمق. إنها تحبني، لكن أنظر، يا أليكو بليتنوف، كيف يمشي القمر الحر في طريقه. يقول براتينسكي أن الأحمق فقط من هو سعيد حينما يكون خاطبا، بينما الشخص المفكر يكون مشوشا و قلقا من المستقبل. إلى غاية الآن أنه أنا.....لكن الآن ستصبح نحن. إنها دعابة؟ إنه سبب محاولتي الاستعجال مع حماتي؛ لكنها تحب المرأة البدوية التي ليس فيها طويل إلا الشعر، إنها لا تفهمني، و لا تهتم إلا بالمهر؛ لتذهب إلى الجحيم مع المهر؟ الآن هل فهمتني؟ هل فهمت؟ حسنا، شكرا للإله؟.....ينبغي علي أن أرسل لكِ قَسَمي لتلك البدوية المحلية عن الكوليرا؛ سوف تموتين و أنت ضاحكة، لكنك لا تستحقين هذه الهدية.
إن بوشكين ليس من الذين، إذا انعزل، يتوه في التأمل، إنه يرى على أنه من المفروغ منه أنه معروف و أننا نعرف ما معنى أن تكون رجلا. إنه متواضع. إنه معبر لكنه ليس ملتو و لا متكلف. تركيزه ليس على أنانية "الأنا" لأنه تعددي. إنه يكتب بالأحرى كرسول أو ككائن حي اسمه بوشكين، الذي رغم أنه دائما في الفضائح و المشاكل، هو مثل سباح يعرف كيف يعيش وسط عاصفة عيشه الخاص و الذي لا يقلق من الغرق. إن الرغبة في الحياة ليست ببساطة مسألة انبساط؛ إنها لا تنفصل عن الرغبة في وضعها في كلمات. أيضا هو لا يعي في الكلمات وحده. مرة واحدة كل ثلاثة أيام يحب امرأة جديدة؛ يتشاجر مع الرقابة، يسافر في طرق سيئة، يشرب، يقامر، يستمع لممرضته القديمة يصف بكيفية سيئة أشعاره، يلهو بنفسه في القرى، يندفع بنوبات من الإلهام، منقادا إلى الامام بالإستيهام، لا يتجمد أبدا بالشك، لا يمرض من الذنوب و لا الأشجان، يقول أنه لا يحس بها أبدا. إنه يبدو كقرد و هو هادئ و عصبي؛ و له لمسة من الخطورة أيضا. إنه يصر على أنه أرستقراطي لكنه أيضا يصر على أنه يكتب لأجل المال، لأولاك الأحرار من سخرة الأسياد.
كاتبو سرة بوشكين يشيرون إلى قوة تحكمه في نفسه التي يجب أن تكون لديه و الرسائل التي تكشف أن لديه تحفظات؛ لكن أحد هؤلاء الكتاب يظن أنه بالأحرى مثل رجل يصارع انفعالاته أو أنه في صراع مع نفسه؛ لكنه قائد لتجربته. إنه مسكون بعبقري يضمن له انسجامه مع نفسه؛ لكنه ليس عبقريا أحمقا: إنه معافى، منظم، كريم، هادئ في الإحساس. من المستحيل أن نتصور نفسنا نثق في الحكم و الحس الجيد لدوستويفسكي أو لتولتسوي. إن الانانية تشوههم. اما بخصوص تلك التي لدى بوشكين، فإننا نثق بها بالكامل. إن حمقه يعرض فساد المجتمع الذي يعيش فيه، أكثر من عرضه لزيفه الذي يوجد فيه. عاش بوشكين كثيرا جدا كأي رجل من طبقته، كثيرا جدا في العالم. إن رسائله الاولى هي رسائل العباقرة، الذين لديهم طبائع الفاسقين الذين يعيشون ي مجتمع الحياة البهيجة السعيدة للشباب وللذين ولدوا في ظروف جيدة.
كل شيء يسير كما من قبل؛ الشمبانيا، أشكر الإله، الذي يدوم- الممثلات مثله- إن الاول يُنهي الشرب أما الثاني ف....أمين أمين
إلى النساء اللواتي ينزعن لأن يكن أنيقات، يكتب بإطراء وتلميح:
سأقلد قردا، سأفتري، سأرسم لك سيدتي...في 36 وضعا لأرينتينو
(إن البروفسور شاو، الذي ينتمي للتقليد الشامل للخط التحريري الأمريكي لا يكف عن إخبارنا أن أعمال أرينتينو الجنسية لها 38). يكتب بوشكين للسيدة كيرن، و هي واحدة من معلماته التي يرغب في أن تهجر زوجها:
يا إلهي، سأعطي مواعظ في الأخلاق. لكن الاحترام يجب أن يكون لزوج آخر. لا أحد آخر سيريد أن يكون مثله. لا تُهِن العمل كثيرا، إنه ضروري في العالم.
إليكم أخطر أنثى التي يجب أن تكون مع بوشكين طوال حياته.
أعط التحية للرقابة، لفتاتي القديمة. لا أعرف أيا من مقاطع الرثاء خاصتي التي يمكن أن تزعج عفتها. الواحد قد يَخدع أو يجب أن يخدع المرأة القديمة بسبب غبائها.
للحصول على حق أن يراقب فقط من طرف القيصر، الذي يستعمل حجة إنقاد بوشكين من نفسه، فإن الشاعر كان يرى أنه وقع في شرك كوميديا فضيعة تُلعب ببرودة إلى غاية نهاية حياته.
لقد حرموني من حقي في التذمر ( ليس في القصيدة وإنما في النثر. يا لها من مفارقة ) و بعد ذلك يمنعونني من أن أغضب....إن الحق في التذمر يوجد في طبيعة الأشياء.
يُتوقع من رجل في الثلاثين عمره من طبقة بوشكين أن يتزوج و أن يستقر. إن بوشكين قد استقر احتراما لما هو متعارف عليه اجتماعيا. انقلب الأمر بحنان مفاجئ إلى لعب دور الزوج و الاستمتاع بلذة القلق الجديدة. لقد وقع في الأسر. لكنه وقع في مصيدة زوجة الأب الحقودة، و القيصر الماكر و الزوجة المدللة الغَنِجة. إن زواجه الذي أراحه خربه أيضا. كان ذلك مأساويا و مع ذلك ، بالطبع، فإنه مثل رجل و فنان، حصَل بوشكين على ما هو حيوي و ذو قيمة في الحياة و العمل من المغامرة؛ ليس من التغير نفسه، و إنما من القدرة على صُنعه. إن حيويته تبرز في كل عبارة. إنه منذهل كثيرا لمن ثناثرت حياته في العواصف و الكوميديات. و ماذا قرأ؟ بايرون، شيكسبير، كورنيل، غوته، سكوت و فولتير، بالطبع. يتجادل مع راسين و يدافع عن السيدة دوستائيل. إنه يكره الميتافيزيقا الألمانية. لكنه يعرف بشكل كاف عن أديزون و ستيل و عن نظام الرعاية الإنجليزية في الأدب. يمكنه أن يتذكر تفاصيل من شخصيات فيلدينغ الثانوية. إنه يتعامل مع الأدب كشكل من الفعل النشط.
حتى عندما يتناول قطعا من قصيدة صديق مغمور، فإنه يدعمه كما ينتقده. إن رسائله الأدبية ممزوجة بالكامل بالحياة اللحظية:
في اليوم الماضي التقيت صدفة بنيكولاي رافسكي في مكتبة. ياله من كلب، لقد قال لي بِرِقة،؟ حيوان، سألته بكل حنو، ماذا فعلت بمخطوطتي أيها الروسي الصغير؟ بعد ذلك ضحكنا كما لو أن لا شيء وقع معه ممسكا بي من الطوق أمام مرأى الجميع، ليمنعني من القفز من العربة.
هذا قبس من أحد رسائله إلى زوجته، و هي رسالة مؤثرة تبدأ بتصريح مرعوب، و وتمر عبر إظهار المشاعر الحساسة، الغيرة و اللهو و تنتهي بمحاولات مؤلمة لتهدئة فزعها من برودتها الجنسية و غيرتها. إنها كوميديا على النمط الفرنسي، مع لمسة باطنية باردة و نهاية مؤلمة.
لديه رسالة مهمة جدا عن سؤال كان ليصبح حاسما لدى الأجيال اللاحقة، بين الغربيين و السلافوفيل. إن الرسالة هي انتقاد لكُتَيب شاداييف المشهور الذي يناقش فيه، أن روسيا عند سقوطها في يد الأرتدوكسية اليونانية لم يكن لديها أي تاريخ أو عادة أو ثقافة حقيقية. اعتُقل شاداييف و تم التصريح به على أنه أحمق. يكتب بوشكين إليه، قبل وقوع محاكمته الرسمية، يتفق مع هجوم شاداييف على حياة روسيا الاجتماعية، لكنه يرفض حجته الدينية:
لقد أخذنا الإنجيل و العادات من اليونان، لكننا لم نأخذ الطيش و الجدال. إن عادات بيزنطة ليست هي عادات كييف.
أنه رأي رجل من العالم: إن رجل الدين الروسي رجعي لأن لديه لحية و لأنه ليس في مجتمع جيد؛ تُثار إذن الوطنية:
ماذا؟ هل نهضة روسيا، تطور قوتها، سيرها نحو وحدتها (وحدة روسيا بالطبع)، إيفان الإثنيين، الدراما التي بدأت في أوكليش و انتهت عند دير إيباتييف- كل هذا ليس تاريخا، و ليس فقط إلا حلما شاحبا و شبه منسي؟.....هل تومن بأن ( المؤرخين المستقبليين) سيضعوننا خارج أوروبا؟
كان بوشكين عميقا في الأدب الأوروبي. كان متعطشا لإعادة تعديل أشكال الأدبية؛ في انتقاء لرسائله الأدبية، تقول مُحرِرة أخرى، تاتيانا وولف:
حينما كان بوشكين يكتب عن مهنته كشاعر لم يكن يكتب عن الوحي: بالعكس هو دائما كان يكتب عن نفسه كحرفي. إن منبع إلهامه هي صديقته و عشيقته التي لا يُفرَض عليه معها أن يكون في سلوك جيد- مسحوق و في مضخة. إن الرسائل أتت متدفقة، مليئة بالتعاليق عن الكتب التي قرأها، يسأل عن المزيد من الكتب، التمجيد، اللوم، الذم، الحماس. كان يسأل، يجادل، و يُقْسم...هناك ملاحظة عن الحاجة الملحة المتزايدة لدى بوشكين لتعويض تأثير الأدب الفرنسي على الروسية بنظيره الألماني و الإنجليزي.
رسائله دائما محطمة في صراحتها:
إنني أغني مثلما يخبز الخباز، مثلما يخيط الخياط، مثلما يكتب كوزلوف، مثلما يقتل الطبيب- لأجل المال، لأجل المال- مثل كوني في كلبيتي العارية.
حينما نول الأدبار نحو حكايات بوشكين النثرية، فإن الرأي الغالب هو أنه يكتب بأسلوب جامد، رسمي، مشدود جيدا يُغلق المواضيع عن الجو الخارجي. في دراسة دقيقة، بوشكين: في دراسة مقارنة، يتخلص السيد جون بايلي من هذا الرأي بعناية و بحكمة. كان بوشكين أيضا عميقا في الكتابات الإنجليزية و الفرنسية للقرن الثامن عشر و ربما من الطبيعي رؤية أن الأسلوب الكلاسيكي كما لو أنه قد نُقل بدون تغير إذ أنه ، في الواقع، كان سارقا للأساليب. إنه كان، مثلما قاله بايلي، منبهر من الطريقة التي فرض بها الأدب الحديث صوره النمطية عن رجال ونساء العصر، العملية المعروفة بشكل خاص في روسيا حينما أرادت الطبقة العليا أن تُعَرف عن نفسها بالنمط الأوروبي الحالي. لقد خلقت مفارقة، أحيانا زخرفة مع التشعب الصلب للحياة الروسية. إن بوشكين أقل من أن يكون كبيرا مثل بروتس، إنه مثل شكسبير، كان يقدم أشكال جديدة مع الجرأة المضحكة لشخصيات عصر النهضة. إن الشكل هو من الأهمية بمكان، و هو حول هذا الموضوع، بالخصوص- حسب ذوقي- في نقاشه لأوجين أونجين و حكايات النثر، التي نفذ إليها أكثر السيد بايلي. هناك مفارقة هنا: إن الفنان الشكلي الصارم هو الذي جلب للكتابة الروسية الإحساس الذي نحصل عليه المتمثل في فتح أبواب و نوافذ المنزل المغلق و في أن أكثر من شخص يعيش هنا لكي يروي قصته. إن الكاتب المتفرج لا يمكنه أن يقوم بمطالبات جامدة لأنه هو نفسه يُتَفرج عليه من طرف ذوات أخرى ضمن نفسه أو، ربما، من طرف السماء فقط:
أوجين أونجين و الفارس البرونزي....لهما كمال شكلي وحتمية، ممزوجتين في كونهما مؤقتتين و نهايتهما مفتوحة، هما مفارقة لها ما يوازيها في بنية الروايات الروسية العظيمة.
إن تأمين إخفاء الشخصيات بعناية و مرواغة الكتابة هي دافئة: لا توجد هنا برودة فلوبير.
على السطح ملكة المجارف أو ناظر المحطة هما أكثر من حكايتين ماهرتين في ظرفية قديمة- التان كانتا أحد الأسباب واحدا لكي ينظُر ميريمي إليهم. إنهما يبرزان من الأوراق القديمة ، من الإشاعة أو بعد حديث العشاء، بالكيفية المتعارف عليها، و حكاية مثل ناظر المحطة تبدو من النظرة الأولى مثل انقلاب بسيط لقصة الابن الضال، كما أمكنها أن تُقال مرة أخرى من طرف موباسون. في قراءة ثانية سيرى القارئ أنها ليست كذلك. في النهاية لن نبتسم بذهاء على اعتقاد ناظر المحطة البئيس الخاطئ المتمثل في أنه كان يرى سقطة ابنته ستكون كارثة أخلاقية، حينما اتضح لاحقا أنها نجاح يستحق الاحترام كثيرا. في الواقع، إن النجاح ليس قدر مفارقة يستمتع بها رجل في هذا العالم، لكنها محركة للمشاعر الإنسانية. إننا نرى حياة تُحيِي الماكر بشكل غير مُتَوقع ، أو نرى الجهل الغبي بالتجربة، و نرى الرحمة تقص من مخالب السخرية. إن الحياة، الحياة المشكوك فيها، في الخطوط الأخيرة من النهاية المنبسطة، لا تستوعب فقط الأب و الابنة، إنما الراوي نفسه. إن النهاية المغلقة هي في الواقع مفتوحة. الأمر نفسه يمكن أن يُقال عن ملكة المجارف الغنية حيث الصورة المقتضبة عن المجتمع و هاجس الحظ الذي لا معنى له يمكن أن يُقرأ على مستويات عدة و حيث أن الهدية الروسية الغريبة للبورتريه الصحيح الذي يتلو الحادث أو الرسم المدمر يضع بريقا لا يمحى على الناس. إن القصة تذوب في مصالح حيوات أخرى.
كان بوشكين دائما يجمع الأدب. لكنه كان يغير ما يجمعه . إنه مثال الكاتب الذي يخرج المواضيع القديمة للحياة ببحث ذكي عن معان جديدة. إنه من المفيد أن الحادثة في ابنة القبطان حيث أن البنت كانت في رحلة إلى الإمبراطورة لكي تُدافع عن خطيبها الذي أُخذ من قلب ميلوتيان، لحد الآن مع أي سهولة دراماتيكية جديدة أو براءة العين؟ إن اقتصاد و صفاقة البراعة في هذه الروايات جميلة، لكن حس الساعة المفتوحة الماضية هو دائما هنا. و سينتشر في كل روايات روسيا اللاحقة.
إن أطول مقال في تعليق السيد بايلي و أكثره تنورا هو ذلك الذي يتحدث عن أوجين أوجنين. بالنسبة للآذان الإنجليزية، إن الكيفية و الصوت هما لبايرون و عند فتح الكتاب يبدو بوشكين ضمنيا فيه. إن الأنيق الصغير متباه، يقضي ثلاث ساعات أمام المرآة، معلم الأزياء.
الخزف و البرونز على الطاولة
مع غلايين العنبر من تسارغراد
هذه الروائح الجيدة قادرة
لأن تقود الأحاسيس الضعيفة إلى الجنون
بالأمشاط و الأواني الحديدية الصلبة التي تستعمل
كملفات و المقوص المستقيمة و المقوسة،
و فُرُش على ثلاثين درجة مختلقة؛
فرش للأسنان، فرش للأظافر.
نهب و غنم باريس و لندن. ثم التطور المفاجئ للتعليق غير الموقر
روسو (يغفر للفوضى القصيرة)
لم يستطع أن يتصور كم هو جليل غريم
تجرأ على تنظيف أظافره قبالته،
غريب الأطوار الرائع: رد الفعل هذا
يبين حرية القاضي، هذا البطل
القوي في الحقوق، كما في الخطأ.
إنه قبالة طالون، يسمع الفلين يحلق أعلاه، عندما يجلس أمام قبل لحمه الدموي، كمأته
و المعجون، مجد ستراسبورغ الخالد
يجلس مع ليمبورغ، الجبن الحيوي
و الأناناس، ذهب الأشجار.
إنه سيصرخ في الباليه. سأنذر قاعة الرقص. دون خوان يطوف خلسة. قريبا سيصبح الطفل هارولد، كئيب، غير سار، مصطاد من طرف القلق الإنجليزي و chondria الروسي .من هو؟ هل هو بوشكين نفسه، أو هل هو بايرون مجرد من الحيوية الخالصة؟
إنني أجد متعة كبيرة
عبر تبيان كيف أقول منفردا
نفسي و أوجين، خشية
فعل ساخر، أو من آخر مُرب
من ظلم محسوب ينبغي
أن يتجسس على ملامحي، على قدر استطاعته،
أن يعيد وضع التشهير على الطاولة
التي، مثل بايرون الفخور، يمكنني رسم
البورتري الشخصي فقط- و علاوة على ذلك
العبء المثمثل في أن الشعراء لا يقدرون
على الغناء عن آخرين يجب أن يوحى
تيمة الشعراء هي أنا فقط.
إنها لحظة السيد بايلي. تشريح السيرة الذاتية لتبات أدولف هي في القصيدة، لكن بوشكين عميق في كلاريسا، في فيلدينغ، سكوت، و قبل كل شيء في تريسترام شاندي: إنه ساخر من رواية الإحساس. بالنسبة للسيد بايلي هذه الرواية الشعرية هي أبعد ما تكون مرتبطة بشكل وثيق بتريستام شاندي في الشكل منه لدون جوان. مثلما في الأرواح الميتة، دون جوان، فينغان وايك أو الموجات- فإن السيد بايلي يقول-
إن الانطباع هو أحد أثبث و ألمع نظمة للقصيدة، المشاكل و الحوادث التي تقع دائما في تقلبات لانهائية.....تحت ستار للامساعدة المبهرة......إن الكاتب يهرب في كل لحظة إلى نموذج من بنية يخلقها.
إن القصيدة، لذلك نقول، هي أولى مضادات الروايات، و هي تكتمل بالفن الواعي. إن جاذبية السيد بايلي العظيمة هي في كونه يُظهر رغبة الشاعر في العمل و يجعله أقرب إلينا بواسطة تعليقاته الجانبية. إن بوشكين يشترك مع جويس و ستيرن في كونه له
علاقة سلسة مع السهولة الشعرية والكليشي . ما نساه ووردسوورث و الشعراء الرومانسيون في بنيتهم على القول الشعري لأسلافهم، كان هو ما لا يأخذه أبدا أفضل الشعراء على محمل الجد، تماما مثلما إذا لم يتناول البلاغي البلاغة التي يستخدمها بجدية كبيرة.
إن كليشيات بوشكين تأخذ بعين الاعتبار وضوحها وهي تركز عليها بذوق. تعليق آخر جيد، يأخذنا إلى الانفتاح الذي ينقله لنا هذا العمل الأسلوبي، هو أن أوجين أونجين ليس كئيبا- يقينا ليس على طريقة كتاب القرن التاسع عشر الواقعيين. الحياة اليومية لروسيا في بيترسبورغ و البلد المشع؛ و إذا تلا الملل إحباط الحب، فإن التذكر له رقته؛ إن هناك جمال في قبول التجربة.
إن عدم الفهم الكبير لشخصية من طرف أخرى، فارق المسافة بينهما، هي كثيرا مثل امتلاك السعادة الممكنة مع الحرمان منها. حينما قالت تاتيانا لحد الآن السعادة كانت ممكنة جدا، قريبة جدا.... هنا الكلمات لها ما هو أكثر من إحساس( الباتوس) الوهم....إن منظور الرحلة المتواضعة للحياة تنفتح من كل نقطة من أوجين أونجين حيث البراعة، و السخرية و الاقتداء برواية الإحساس مبهرة و مُتحَكم فيها جيدا.
من الممكن أن تغيرات ذهن بوشكين خلال سنوات كتابة القصيدة كانت مساعدة. أكثر أهمية من ذلك هو التغير غير المكترث لوجهة النظر في الحكي. إن الحاكي- ضمن - حاك المتملص يعطي للقصيدة رؤية ستصبح مشتركة في الرواية الروسية، بحيث أن الشخصيات ستصير في نفس الوقت نحن و أنا . إن الأحاسيس و العواطف هي أحلام؛ إننا نسخر و لكن بدون ضغينة. أننا نحلم، ننام. الزمن يمر عبرنا بما أننا نمر من الشباب إلى الهرم. إننا نُعَرَف و يُعاد تعريفنا بما أن الأيام تذوب و تلاحظنا.


الثبـــــــت التعريفـــــي

ألكسندر سيرغفيتش بوشكين:
شاعر و ناقد و كاتب روسي . ولد بموسكو سنة 1799 من عائلة نبيلة. لكنه رغم ذلك فإنه عاش طفولة بئيسة لأن أمه نبذته منذ نعومة أظفره بسبب لونه الشاحب الذي أخذه من أصوله الأفريقية( لأن أصول أمه تعود بعيدا لأحد أجداده الأفارقة). ربما هذا الامر جعله يفرغ آلامه في القراءة. كان مولعا منذ صغره بالأدب الفرنسي. تعرف مبكرا على الكتاب الإنجليز الكلاسيك مثل بيرون، شكسبير و لورون ستيرن وكذلك غلى الفرنسيين مثل موليير، فولتير و ايفاريست بارني.
كانت أولى بدايات كتاباته سنة 1820. بسبب أشعاره تم نفيه من طرف القيصر السكندر الاول سنة إلى أوكرانيا لمدة ست سنوات بالرغم من أنه لم يكن من الثوار و لا مهتما بالأمور السياسية. و قد كان سنوات العزل في صالحه، إذ خلالها تمكن من كتابة أهم أشعاره: القوقاز سنة 1821، ينبوع باختاشيسازي و أوجين أوجنين سنة 1823 و بوريس تودونوف سنة 1825. عاد من المنفى بعد تولي نيقولا الأول الحكم، إلا أن كتاباته ظلت مراقبة . تزوج من امرأة برجوازية تدعى نتاليا كويتشاربوفا. و قد كانت بجانب القيصر مصدر تعاسته. لقد كانت من تلك النسوة المبذرات اللواتي يهتمن كثيرا بالحفلات. و قد كلفت بوشكين من وقته وماله. كما أن سببا في هلاكه. بسبب ارتيادها للحفلات اصبحت على علاقة بأحد الرجال. لم يستسغ بوشكين الأمر و قام بمبارزته . فكانت نهايته على يديه. توفي سنة 1837.

بريتشيت ، فيكتور ساودون:
شاعر وكاتب وناقد أدبي إنجليزي. معروف بالخصوص بقصصه القصيرة. من بين مؤلفاته: سيارة أجرة عند الباب (1968)، نفط منتصف الليل ( 1971 ) و العديد من الكتب حول السير الأدبية و النقد.

السيرة الأدبية:
هي تنقيب عن سير حياة الكتاب والفنانين. إن سير الفنانين و الكتاب هي أحيانا أعقد أشكال السير. لأنه لا يكتفي فيها الكاتب عن موضوع السيرة ، بل يتجاوز ذلك بأن يقحم الأعمال الأدبية في السيرة ذاتها. ينبغي على كتاب السير الأدبية أن يوازنوا بين الأعمال الادبية و السير لكي يخلقوا رواية منجمة متسقة.


*Tlanslation of the sixth chapter
Of « Myth Makers »
Pushkin .Founding Father
Victor Sawdon Pritchett







































Alexander Pushkin. 1827
Vassili Tropinine








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??