الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل: سقوط لاءات الخرطوم

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2020 / 8 / 26
القضية الفلسطينية


تبدو إسرائيل، اليوم، في واحدة من أقوى مراحلها الوجودية منذ إعلان "استقلالها" الرسمي وقيامها المعلن العام1948، فيما تتهارع وتتلاهث كوكبة مما تسمى الدول العربية للالتحاق بقطار ما يسمى بـ "المطبعين"، كسراً للإجماع والتوافق العربي على مقاطعة وعدم الاعتراق بها حتى العودة لحدود الرابع من حزيران وحل قضية اللاجئين وغيرها من المطالب العربية التي سقطت ولم يعد لها أي ثقل اليوم في ضوء توازنات القوى، والميزان الاستراتيجي مائل الكفة كلياً لصالح إسرائيل، فيما يتفاخر مسؤولون إسرائيليون كبار أن الاتصالات السرية مع العرب أكثر بكثير مما هو معلن وأن "طالبي القرب" من الدول العربية لا يمكن البوح بها لاعتبارات محض أدبية وبناء على طلب "طالبي القرب" أنفسهم.
في العام 1967، وعقب الهزيمة المنكرة والمذلة لما تسمى بـ"لجيوش العربية" القومية المدحورة وفرارها المهين أمام "جيش ألدفاع"، تهارع أعراب الهزيمة إلى "الخرطوم" ذاتها، وأصدروا لاءاتهم الثلاثة الشهيرة: "لا للصلح لا للتفاوض لا للاعتراف".
وبغض النظر عن تلك الشعارات البراقة الطنانة الرنانة، فلا أحد يعلم ما هي الأسس والمعايير والمعطيات اللوجستية والعسكرية التي بنيت عليها تلك اللاءات ولم يسأل أحد نفسه عن مدى القدرة على تحقيقها، ولذلك، ومن يومها لليوم، بقيت حبراً على ورق، وأصبحت مادة للسخرية في أحايين كثيرة، ومطية لرفعها، والاتجار بها، في أحيان أخر، لكل الطامعين والحالمين بالسلطة والثروة والجاه والحكم، للوثوب إلى القصور الجمهورية والتمترس بها للأبد مستمدين مشروعيتهم وشرعيتهم من شعار تحرير فلسطين، واستعادة الحقوق المسلوبة لـ"الشعب الفلسطيني".
ولا يمكن، اليوم، بحال، القفز فوق، وتجاوز الرمزية الكبرى، لهذا الاختراق الإسرائيلي الكبير من قلب معقل اللاءات الكاذبة الشهيرة، والعواصم العربية الكبرى تتهاوى، وتسقط دبلوماسياً، كما سقطت من ذي قبل عسكرياً، أمام المد التطبيعي الواحدة تلو الأخرى، فيما قبائل المقاومين منشغلة بالحروب الداخلية والأهلية فيما شعوبها المنكوبة تعاني الجوع والفقر والعوز والمهانة والإذلال والمشقات على طوابير الخبز والغاز لتأمين أدنى متطلبات العيش الآدمي مع تردي وانهيار تام للخدمات ً وانتشار مرعب ومريع لجائحة الفساد والنهب الرسمي المنظم لموارد وثروات ما تسمى منظومة المقاومة وعجزها، كلياً، عن تأمين الحاجات الأساسية لشعوبها.
ولقد كانت رحلة بومبيو المباشرة يوم أمس، من تل أبيب إلى الخرطوم عاصمة اللاءات الشهيرة إيذانا بسقوط نهائي لتلك الشعارات، ورسالة مباشرة في غير اتجاه على أن تلك اللاءات تدفن اليوم في مهدها ومن ذات المكان الذي انطلقت منه، وهذا، على الأقل، ما يفهم ويستشف من تلك الخطوة والحركة الدبلوماسية والإعلامية للحدث التطبيعي.
لقد، هيـّأت الممارسات الاستبدادية، لحكم الجنرال الفاسد المعزول عمر حسن البشير، والحكم الديكتاتوري المطلق كما الإجراءات القمعية واحتكار والاستئثار الكامل بالدولة الفاشلة مع نشر الفساد وقيم التخاذل والفجور السلطوي، الشعب السوداني للإذعان، بعدما ضاق ذرعاً، بسلطة البشير القمعيىة الإرهابية التي امتدت لثلاثة عقود بالتمام والكمال 1989-2019، ولطلب النجدة والهرب بأي اتجاه، والتعامل حتى مع الشيطان للهروب من غائلة وشبح الشيطان الإخواني والعروبي الذي جثم فوق رقاب السوادنين لثلاثة عقود كأداء كانت كافية لقبول أي شكل من أشكال التغيير حتى تطبيعاً غير مشروط وعلاقات كاملة مع إسرائيل التي تتقدم وتحرز انتصارات ونجاحات دبلوماسية على غير محور "عربي".
بالمحصلة، لا يمكن النظر للخطوة التطبيعية يوم أمس، سوى إقراراً بواقع جديد، واعترافاً بما كانوا يسمونه بـ"الكيان الإسرائيلي"، واقع أكبر من قدرة الجميع أفرزته جملة من التطورات والمتغيرات على الأرض في عموم الإقليم، لم قادرة على الالتزام، ومن ثم الوفاء بـ"لاءات الخرطوم"، التي كانت أكبر بكثير من حاجات هذه المنظومة المتردية المتهالكة وقدراتها المتواضعة، إذ أعلن عن وفاتها وبدء تشييعها الرسمي ودفنها لحظة تشغيل محركات وانطلاق طائرة بومبيو باتجاه الخرطوم مباشرة، ودون توقف، من تل أبيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل