الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثالثاً : الصراع من أجل نيل الاعتراف ( الثيموس )

فارس تركي محمود

2020 / 8 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لقد ظهرت عبر التاريخ البشري الكثير من الرؤى والأفكار والفلسفات التي حاولت أن تفسر السلوك البشري وتستكنه الطبيعة البشرية وتشخص نوازعها وغرائزها وتستكشف دوافعها وانفعالاتها. وقد تعددت هذه الأفكار والفلسفات بدءً بالأفكار الأسطورية وتأثير الجن والشياطين والأرواح الشريرة وحركة الأفلاك والنجوم، ومن ثم الأفكار والمقولات الدينية المتعلقة بالخير والشر والشيطان والملاك والنور والظلام والثواب والعقاب وكون المخلوق البشري يحمل بداخله نوازع الخير والشر وهو الذي يغلِّب إحداهما على الأخرى، وأخيراً الجهد البشري المعقلَن أو محاولات الإنسان للاسترشاد بعقله فحسب من أجل إيجاد تفسيرات مقنعة لسلوكيات البشر وتوجهاتهم، وتندرج تحت هذا الجهد فلسفات اليونان والرومان ومخرجات الفلسفة الإسلامية ومن ثم فلسفات وأفكار عصر التنوير والحداثة الأوربية. وكان الجهد البشري المعقلَن يترقَّى في مدارج النضوج والرصانة بتوالي العصور والحقب حتى وصل إلى أعلى مراتبه مع بدايات العصر الحديث وظهور الفسفات التنويرية التي طرحت عدة مقاربات فكرية حاولت من خلالها أن تبين الطبيعة البشرية ونوازعها وما يؤثر بها ويحركها ويحدد خياراتها وتوجهاتها، ومنها كتابات وأفكار جان جاك روسو وجون لوك وتوماس هوبز وهيجل والتي طرحت الكثير من المفاهيم مثل الإنسان في وضع الطبيعة والحق الطبيعي وذئبية الإنسان وحرب الكل ضد الكل وحتمية الاجتماع والحاجة إلى إنشاء الدولة. وتعد فكرة الثيموس التي طرحها الفيلسوف الألماني هيغل ( 1770 – 1831 ) واحدة من أهم تلك الأفكار وأكثرها نضوجاً وأقدرها على تفسير السلوك البشري القائم على التدافع والتصارع.
إن الثيموس يعني رغبة الفرد وسعيه المستمر من أجل تحقيق الذات ونيل الاعتراف وإجبار الآخرين على الاعتراف بوجوده وبقدرته على الفعل والإنجاز، وقد اعتبر هيغل أن هذه الفكرة من أهم الغرائز المتحكمة بالسلوك البشري وهي المحركة للتاريخ والصانعة لأحداثه، ابتداءً من العصور القديمة عندما كان تحقيق الثيموس يتم عن طريق السيف واستخدام القوة والعنف وإجبار الطرف الأضعف على الخضوع للأقوى، وتدشين عصر السادة والعبيد، والآمرين والخاضعين، والطغاة والمقهورين، مع ما نتج عن ذلك من أحداث تاريخية ( حروب، صراعات، اضطرابات، غزو واجتياحات، نشوء ممالك وامبراطوريات، ظهور أفكار وفلسفات، . . . الخ )، وصولاً إلى اليوم حيث تعددت الطرق والوسائل المفضية إلى إرضاء العطش الثيموسي سواء عن طريق الفن أو الابتكار أو السياسة أو الاقتصاد أو الرياضة أو الروحانيات أو أي مجال آخر يعده الفرد مناسباً له ولتطلعاته.
إن هذا القانون الثيموسي يعد من أهم السنن والقوانين التاريخية، وقد عانت المجتمعات البشرية كثيراً نتيجةً لصدامها معه ولعدم قدرتها على استيعابه وفهمه، بمعنى أن تلك المجتمعات لم تتمكن من إنشاء فضاءات ومجالات متعددة ومتنوعة تساعد على إرضاء أكبر قدر ممكن من المطامح والمطامع والأهواء والتطلعات لأفرادها، وتجعلهم يشعرون بأنهم يفعلون ما يريدون ويحققون ذواتهم وينالون الاعتراف والتقدير من الآخرين، أي وبكلامٍ آخر فإن تلك المجتمعات لم تستطع أن تفتح مسارب كثيرة يمكن من خلالها تصريف الطاقة الثيموسية قبل أن تصل إلى مرحلة الانفجار والخروج عن السيطرة، هذا الانفجار الذي عبَّر عن نفسه – مرةً تلو الأخرى - بشكل حروب وصراعات واضطرابات وانهيارات واختلالات اجتماعية وسياسية واقتصادية والمرور مراراً وتكراراً بمرحلة التصفير وغيرها من أحداث رافقت الرحلة التاريخية للبشر وما زالت تفتك بالكثير من المجتمعات والدول.
إن القدرة على التفاعل الإيجابي مع القانون الثيموسي، وتحقيق حالة من الانسجام والتناغم معه تعد شرطاً أساسياً ومقدمة لا بد منها لتأسيس مجتمع سليم وناجح قادر على الاستمرار والمنافسة والارتقاء والتغلب على المصاعب والتحديات. وكلما ازدادت قدرة المجتمع على تلبية متطلبات الطبيعة الثيموسية الكامنة في النفس البشرية، كلما ازدادت فرصه في النجاح والإزدهار وكلما أصبح أقدر من غيره على المنافسة والبقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها