الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثالث/ 4

دلور ميقري

2020 / 8 / 29
الادب والفن


صلاحو الصغير، طفق يبكي متأثراً بهياج جدّته على أثر سماعها خبرَ قصف المطار. وقد هُرعت بيان لضمه إلى صدرها، مهدئةً من روعه. ما لبثَ والدها أن أشارَ لها أن تمضي بالصبيّ إلى داخل الدار، فيما يده تعبث بجهاز الراديو الكبير، الموجود تحت ظلّةٍ بأرض الديار. لقد خشيَ أن تنتابَ امرأته نوبة جديدة من الهياج، لو أنّ نشرة الأخبار أكّدت قصف مطار المزة. برغم إلمامها القليل بالعربية الفصحى، شاركت ريما في الانصات للمذياع، لحين أن طرق سمعها اسمُ المطار. عندئذٍ رفعت رأسها نحوَ رجلها، متسائلةً: " يتحدثون عن قصف المطار، أليسَ صحيحاً؟ ". ردّ نافخاً في قلة صبر، وكان بدَوره متوترَ الأعصاب: " مطار المزة بحجم هذا الحي، وإنها قنبلة واحدة سقطت هناك. فلا تتصرفي كالأطفال، وعودي إلى صويحباتك اللاتي ينتظرنك في حجرة الاستقبال ".
كان ابن أختها بيروزا ما زال إذاً في زيارتهم، واعتادت بيان أن تتعهد رعايته فور عودتها من المدرسة. وجد الصبيّ الراحة هنا، حدّ أنه لم يذكر مرةً والدته. في غياب خالته الكبيرة، دأبَ على اللعب مع الخالة الأصغر؛ كونه قريباً من عُمرها. تحيّة، كانت تلازم المنزل طوال الوقت لأنه لم يحن بعدُ وقت دخولها إلى المدرسة. في حالة حصول خصام بينهما، كان يتلقى منها كلاماً جارحاً. وقد سمعها والدها ذات مرة، تعيّر ابنَ أختها بأنه عالة. هنا، أبدى صالح سخطه على البنت، فجعلها تركض باكيةً إلى أمها. إلى هذه الأخيرة، توجه بالقول لاحقاً بين الجد والهزل: " هارون جديد، يلوحُ أنه سيظهر من صلبي مستقبلاً ". بما أن هذا كان لقب تشنيع، التصقَ بشقيقة رجلها منذ الصغر، فإن ريما علّقت بالقول مقطيةً حاجبيها: " ليسَ من صلبي على أي حال! ".

***
استأنفت الحياةُ الطبيعية في المنزل، وذلك على أثر ظهور حدّو في نهار اليوم التالي. وكانت ريما يومئذٍ قد منعت البنتين من الذهاب إلى المدرسة، خشيةً حصول غارة جديدة تروّعهما أو ربما ما هوَ أكثر سوءاً. بيان، كانت أول من وقع نظره على الخال من أهل الدار. طالعها بقامته القصيرة وهندامه العسكريّ الأنيق، فاندفعت إلى حضنه صارخةً بفرحة غامرة. ما أسرعَ أن عمّ الهرجُ المنزل، وكان جلُّ مصدرِهِ متأتٍ من أخت الرجل. غبَّ تبادلها الحديث معه، تركته بعدما أشارت لزوجها أن يتبعها. ثمة في المطبخ، قالت لصالح: " إذهب على عجلة إلى هَرْطوشي، لكي يأتي بخروف مناسب نُضحّي به بمناسبة نجاة أخي ". وكانت تعني جاراً في مثل عُمر رجلها، يمتلك زريبة أغنام في أحد بساتين الحارة وكان أيضاً يمدُّ بعضَ بيوتها بالحليب كل صباح.
الهَرَج، تجدد هذه المرة بسبب بهجة الأطفال بمرأى الخروف. لكن تم ابعادهم إلى حجرة نومهم، لحين أن ينتهي الجار من عمله. ثم خرجوا الواحد بأثر الآخر، ليجدوا الحيوان المسكين قد سُلخ جلده بينما رأسه قبع عند البالوعة مخضباً بالدم. صالح، واكن واقفاً بالقرب من الرجل مع حدّو، راحَ من ثم يغمس إصبعه في النجيع ليطبعه على جبين كل طفل؛ وهذه عادةٌ مألوفة في ذلك الزمن. في الأثناء، كانت ريما في الحديقة تُجهّز موقدَ الشواء. عند تصاعد لهيب الموقد، انتقل الأولاد إلى الحديقة كي يراقبوا شيّ اللحم الطازج، المثقل به عددٌ يضطرد ازدياداً من الأسياخ الحديدية، الرقيقة. خطيبة حدّو، كانت قد خرجت من حجرتها لتهنئته بالسلامة. وكانت الآنَ تساعد امرأة أبيها، صامتةً طوال الوقت. شقيقها، ما عتمَ أن حضرَ أيضاً عقبَ ارسال الأب من يبلغه بالوليمة.

***
وهوَ ذا ضيفٌ آخر، قادمٌ إلى الدار مع بشارة سعيدة. يومان على أثر الوليمة، وحضرَ زوجُ بيروزا من حوران كي يبلغ أمها بأنه رُزق بنتاً مثلما كان يأمل. أضافَ فيما أصابعه تعبث بشاربيه في حركة عصبية: " فضّلتُ نقلَ الخبر بنفسي لا عن طريق الهاتف ". لكنه لما أختلى مع صالح، أعترفَ أنه تم استدعاؤه إلى قيادة الدرك ليرد على اتهامات وشكاوى صادرة عن الرؤساء بحقه. حاول اصطناعَ مظهرٍ غير مبالٍ، مختتماً بالقول: " لن يزيدوا عن الأمر بنقلي، وأظن هذه المرة إلى دمشق بعيداً عن الأرياف، التي اشتهرت فيها أكثر من قطّاع الطرق! ". قالها، ثم أطلق قهقهةً عالية.
الصغير صلاحو، بدا غير سعيد بمجيء والده. غير أن هذا الأخير لم يهتم بالسؤال عنه، حتى حينَ جلسَ إلى مائدة الطعام مع حميه. على ذلك، توجّهت إليه ريما لتحدثه بشأن طفله: " أريده أن يبقى لدينا إلى الربيع، بالأخص أن بيروزا ستكون مشغولة بابنتها ". لم يزد ديبو عن هز رأسه، بحركة تعبّر عن التفهّم. ثم ما لبثَ أن نهضَ مستأذناً، قائلاً أنه يود المبيت في بيت أبيه. عقبَ ذهابه، علّقَ صالح بالقول لامرأته: " لا شك أنه اشتاق إلى ملاهي الشام، ولن يعود من أحدها قبل طلوع الفجر ". ثم أضافَ، مومئاً بعينيه إلى جهة حجرة الأولاد: " أبلغي صلاحو قبل أن ينام ببقائه لدينا، كونه بدا قلقاً طوال فترة وجود والده في الدار ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع