الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ج6/كافكا الآخر: الأدب والاغتراب الإنساني في أوروبا

علاء اللامي

2020 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


الناقد والمترجم العراقي جودت هوشيار، والذي كان واحدا ممن ساهموا في ترجمات أعمال كافكا في السبعينات من القرن الماضي كما يذكر، نشر مقالة حول رسائل كافكا الأخيرة ورد فيها العديد من الآراء واللمحات الصحيحة ضمن توجه نقدي مفارق للتوجه السائد في الساحة الثقافية العربية، رغم أنها لا تخلو من الهنات الجدانوفية التي تنظر بكثير من التبسيط والتسطيح لموضوعة الاغتراب الإنساني في المجتمع الرأسمالي مما هو مكرور في الكتابات الستالينية التي كانت سائدة في فترة خلت ومن ذلك قوله (أن كافكا، ومهما كان الموضوع الذي يكتب عنه، فأنه في حقيقة الأمر يتحدث إلى نفسه وعلاقته بالواقع الاجتماعي الذي كان يعيش فيه، والشيء الذي لم يكن يعبر عنه حتى النهاية في رواياته وقصصه نجده في مسودات مؤلفاته وفى ويومياته ورسائله، فقد كان المحور الوحيد الذي تدور حوله أفكاره وأحاسيسه هو المصير المأساوي للكاتب نفسه بكل ما فيه من معاناة وتوتر نفسي وعذاب وألم. وهذا المصير هو الذي يوحد على نحو متكامل كل ما يسرده الكاتب في موضوع واحد كبير هو اغتراب الإنسان في مجتمع يعج بالمتناقضات والمفارقات الحياتية. لم يكن اغتراب كافكا اغترابا طبقيا" حسب المفهوم الماركسي أي اغتراب العامل عن قوى الإنتاج ووسائله وعلاقاته بسبب عدم حصوله إلا على جزء هامشي من ثمار عمله وجهده ذلك لأن الأغتراب الكافكوي اغتراب روحي عميق الغور لا يفارقه إلا في بعض اللحظات القصيرة البهيجة وكانت مثل هذه اللحظات نادرة في حياة كافكا ...) فالقراءة الأولى لهذه الفقرة تعطي الانطباع بأنها صحيحة لأنها تفرِّق بين اغتراب خاص " روحي وعميق " يعاني منه كافكا واغتراب آخر فلنسمه عاما، ويسميه هوشيار " اغترابا طبقيا " يعاني منه الآخرون أي العمال المغتربون عن قوى وعلاقات ووسائل الإنتاج. نحن ممن يعتقدون، أن اغترابا طبقيا كهذا الذي يتحدث عنه جودت هوشيار لا وجود له في الواقع الحياتي، ولم يتكلم عنه وبهذه الطريقة والمصطلحات لا ماركس ولا الماركسيون الرواد بل هو من منتوجات الماكنة الأيديولوجية الستالينية التي أسس لها جدانوف وزملاؤه بعد ان هزموا القيادات الماركسية النقدية دخل الحزب البلشفي من أمثال ليون تروتسكي وبوخارين وزينوفيف وغيره. فالاغتراب هو واحد من حيث النوع، مع ضرورة التفريق بينه وبين الغربة التي تأخذ منحى مكانيا وجغرافيا وليس روحيا كالاغتراب، ولكنه قد يختلف من حيث العمق ويمكن إيجاز تعريفه بأنه: شعور إنساني روحي عميق بالانفصام والاختلاف والتنافر بين الذات والموضع ، بين الأنا والمحيط ، إنه شعور عارم بالغربة عن النفس والعالم، تتحول الذات الإنسانية المفردة بسببه إلى مجرد شيء لا عمق ولا قيمة له في مجتمع استهلاكي أفقي ومسطح، أو مجرد رقم في سلسلة معقدة من المعادلات الخالية من المعنى والفحوى والهدف.
ومع ذلك، بوسعنا تسجيل حقيقة أن الكاتب يبتعد من الناحية التطبيقية عن هذا الفهم السطحي لموضوعة الاغتراب حين يحاول في موضع آخر أن يعطيها عمقا مختلفا نوعيا ومقتربا بشكل من الأشكال من ذلك الذي قاربناه قبل قليل حين يكتب (لم يستطع كافكا قط أن ينسجم مع مجتمع مشوه تسوده العلاقات اللاإنسانية، لأن سريرته النقية واعتزازه بالقيم الأخلاقية والكرامة الإنسانية وأمور أخرى كثيرة كانت ترغمه على الابتعاد عن الوسط الفاسد الذي كان يحيط به وتخلق نوعا من الانفصام الروحي بينه وبين الآخرين. كان البيروقراطيون يقولون عنه، أنه إنسان " غير طبيعي "، ولكن كافكا علق على هذا الزعم الباطل بسخريته اللاذعة قائلا: أن تكون إنسانا (غير طبيعي) ليس أسوأ ما في الحياة لأن الناس يعتبرون الحرب العالمية أمرا" طبيعيا"...)!
والعبارة الأخيرة لكافكا تحتوي على نوع من الطرافة والفكاهة الكثيفة، على ما فيها من إدانة واضحة وصريحة للحروب التي كان الغرب يُغْرِق فيها العالم بين الحين والآخر، قبل أن يستقر منذ نصف قرن على نوع جديد من " السلام الأناني " حيث نجح في تصدير حروبه إلى العالم الأدنى " غير الأوروبي والأمريكي " لينشغل هو ببناء " مدنيته الاستهلاكية البلهاء ويصونها من الدمار والتخريب ويجني المزيد من الأرباح عن طريق صناعة وتجارة الأسلحة الفتاكة من جميع الأنواع.
يمر الكاتب على اتهام كافكا بالصهيونية فيعلق بالقول (كانت اللغة عند كافكا وسيلة تعبير عن النفس في المقام الأول، ولم تستهوه قط الأفكار الدينية أو القومية الضيقة، وكان يتجاهل أي مسعى من هذا القبيل مهما كان مصدره، على النقيض من مزاعم بعض النقاد العرب ومحاولتهم إلصاق تهمة الصهيونية بكافكا زورا و بهتانا، و نتيجة للتأويل الخاطئ المتعمد لبعض قصصه مما يدل دلالة قاطعة على انحيازهم الفاضح و مدى سذاجة أفكارهم المسبقة وعدم استيعابهم لأدب كافكا وعجزهم عن فهم عالمه الروحي...) ونحن هنا بإزاء حكم معياري عجول وعموميات هائمة تخلو من التعليلات الكافية رغم أن ظاهرها صحيح ومتساوق كخلاصة مع الاتجاه المنهجي الذي ندعو إلى تبنيه في التعرف على عالم كافكا ولكن خلاصات من هذا النوع يمكن اعتبارها تسجيل شهادات حول الموضوع لا أكثر. والحق فإن الكاتب وعد بوقفة أطول قال بأنه قد يقوم بها مستقبلا ولا ندري إن كان وفى بوعده وأين أم لا. أما استعراضه لرسائل كافكا الذي خص له مقالته هذه فهو رغم انسجامه ودقته لا يأتي بجديد يمكن أن نضيفه إلى القراءات الأخرى المحايدة لتلك الرسائل.
يحاول الناقد جودت السعد في مقالته " رموز تحت الرحى " أن يسلط أضواء أخرى، ومن زوايا مختلفة على شخصية كافكا وأدبه. إنه يبدأ بداية موفقة وعقلانية حين يقدم خلاصة مكثفة لبدايات كافكا الأدبية ولعلاقته باليهود واليهودية موجها وابلا من الأسئلة المهمة والمنتِجة كتوطئة لقراءته التحليلية تلك، محاولا الدمج بين طريقة استقراء النصوص والأحداث والتأويل والاستنتاج الممنهج. ويسجل الكاتب ملاحظة شخصية مهمة، مفادها أن أغلب المصادر التي قرأها عن كافكا عربية ـ مترجمة إلى العربية ـ أو مترجمة إلى العبرية، وفي كل تلك المصادر يُعتبر – كافكا - إما أنه يهودي أو متعاطف إلى حد التلاصق مع اليهود. ويضيف السعد قائلا : وسواء كان الرجل يهودياً أم لا فقد امتصته الآلة الإعلامية الصهيونية حد الثمالة، وما زالت تلوك بقاياه لعل فيه الحلو أو الرطب. يشرع الكاتب بعد هذه الملاحظة بالحديث عن بدايات كافكا فينقل لنا صورة موثقة وجديدة عنه نعلم منها أن كافكا نشر كتيبا يقع في 23 صفحة لم يبع منه أكثر من 69 نسخة، ولم يستطع تسويق سوى عدد قليل من الكتب في حياته، منها المسخ والمحكمة ومستعمرة العقاب وطبيب ريفي والحكم.
إن هذه المعلومة تعني- ضمن ما تعني- أن عزلة ومجهولية كافكا في الساحة الأدبية كانتا السبب في عدم انتشار أدبه، وثانيا فقد كان لماكس برود فضل التعريف به وليس تسويقه لأول مرة كما كان يعتقد سابقا، غير ان الثمن الذي دفعه كافكا لقاء انتشاره لاحقا على يَديْ برود كان وبالا عليه وعلى أدبه. يكتب السعد معلومة مهمة أخرى بهذا لخصوص تقول ( ارتفعت مبيعات كتب كافكا بعد وفاته بحوالي نصف قرن إلى ملايين النسخ وسجل وكيل أعماله "ماكس برود" دخولاً هائلة وأرباحاً خيالية لم يكن كافكا يحلم بها.. )
كما تؤكد المعلومات التي يوردها السعد ما سبق وان أوردناه عن مصادر أخرى أن ماكس برود أعاد نشر أعمال كافكا بشكل اعتباطي وعلى غير هدى، أو بعد تعديلها وإعادة صياغتها حسبما تقتضيه الظروف الآنية المحيطة.‏إن صورة وشخصية كافكا ومنها ((يهوديته)) باتت رهناً بالطريقة التي يعرضها أو يطرحها (برود)، ومن هنا تكوّن التناقض في الأحكام أو الوصول إلى نتائج من مقدمات قائمة على مغالطات فكان الاستنتاج من صنف المقدمات وبذلك تداخلت المفاهيم. غير أن سؤالا ملحا يبقى دون إجابة شافية، وهو: لماذا فشل كافكا في تحقيق انتشاره ككاتب بمواصفات نوعية جيدة وجديدة حين كان على قيد الحياة مع أنه بذل جهده في هذا الصدد فطبع ووزع عددا من كتاباته؟ هل يتعلق الأمر بسوء فهم تاريخي لما كتب، لنوع ما كتب؟ أم أن الفشل يعود إلى ضيق الدائرة المتاحة والإمكانيات البسيطة تقنيا التي شرع كافكا في التحرك فيها ومن خلالها؟ وهل يتعلق نجاحه اللاحق بالحملة واسعة النطاق التي قام بها صديقه ماكس برود في فترة تاريخية لاحقة كانت تحبذ وتتناغم مع التوجهات التي حرص هذا الأخير على تروجيها، أو إن شئنا الدقة، أن يروج كافكا على أساس انتسابه المزيف لها؟ يمكن لنا أن نميل إلى التعليلات التي تتضمنها أو تلمح لها تلك الأسئلة، ولكنها لا تبدو كافية لنا، وقد يصح اعتبار الجهد الهائل الذي بذلة برود من أجل نشر "كافكاه" الخاص فعالا وكبيرا في عملية الانتشار بحد ذاتها، وأيضا في عملية المسخ التي استبطنتها، وأيضا في عملية كشف وتعرية عملية المسخ ذاتها ولكن بعد زمن طويل . لقد كان علينا أن ننتظر سنين طويلة حتى يتم استرجاع كافكا الآخر، كافكا الذي نعده حقيقيا والذي لم يتأثر سلبا أو تنكمش دائرة انتشاره فهو مازال مقروءاً جيدا في عصرنا الحاضر ومركز اهتمام الدراسات والعلوم الإنسانية الحديثة والفعاليات الثقافية العالمية.
ولعل من أهم ما يمكن التوقف عنده من استنتاجات وردت في مقالة السعد هو ذلك القائل بعدم يهودية كافكا أصلا، وأن والده كان مسيحيا أو للدقة: يهوديا متنصرا كالكثيرين من أبناء جيله من أتباع "مندلسون"، الذين يدعون إلى التمسك باليهودية كدين، والانخراط في أطر المجتمعات التي يعيش اليهود فيها.وهذا أمر غاية في الأهمية لم يتوقف عنده الكثيرون. إن الكاتب يخرج بهذا الاستنتاج من خلال تأكيد الناقد الصهيوني (مردخاي شلف) الذي تولى كتابة سيرة حياة كافكا الأكثر تفصيلا وأهمية من بين العديد من السيَّر التي كتبت عنه ، على أن هذا الأخير ( يعتبر مواطناً يهوديا، نَهل من المصادر الفكرية اليهودية ) ويستنتج الناقد العربي من ذلك - وإن بشيء من المبالغة والمجازفة النقدية- أن هذا القول لشلف ( يؤكد لا يهودية كافكا، فلم يقل عنه "شلف" أنه يهودي بل - قال إنه - يعتبر مواطناً يهودياً نهل من المصادر الفكرية، وحسب نصوص التوراة حتى الكافر الذي يطلع على التوراة يصبح مقدساً مثل أنبياء اليهود. ويضيف شلف لقد بدا كافكا شخصية يهودية، ولم يقل "أنه" كان بالفعل "يهوديا"، ومن المؤكد أن كافكا كتب الكثير لصالح اليهود مما جعلهم يكافئونه بالاحترام والتقدير وإشاعة كتاباته.) ثم يمط السعد هذه الفكرة نحو تخوم أخرى لا يمكن القبول بها دون تمحيص أو تدقيق ، من ذلك قوله أن كافكا كان مشدودا روحيا ومتأثراً بشخصية الملك التوراتي شاؤول، وهو أول ملوك التوراة الذي أفنى عمره يقاتل الفلسطينيين، حاملاً تابوت العهد الذي دمرته سنابك خيول الفلسطينيين في إحدى المعارك، وقد يكون المعجب الحقيقي بالملك شاؤول هو (برود).‏ ولنا أن نعتبر شكوك السعد في أن يكون برود،و هو المعجب والمتأثر بالملك التوراتي شاؤول وليس كافكا، نوعا من التمحيص الاستدراكي، خصوصا وإن سيرة وكتابات برود تنحو هذا المنحى وتؤكده بما لا يقبل الشك.
يناقش السعد نصا على قدر من الأهمية لكافكا هو المحكمة ، وتتضمن هذه المناقشة معلومات هامة منها أن التشكيك بذمة واستقامة ماكس برود لدرجة الشك في انه زوَّر وحرَّف وعدَّل كتابات كافكا لم يكن حكرا على المدافعين عن كافكا من غير الصهاينة، بل اشتركت فيه صحيفة هاآرتس الصهيونية الأوسع انتشارا في إسرائيل، وتحديدا عند مناقشة المصطلحات التي نسبت لكافكا، كتبت هاآرتس ( وضع كافكا مصطلحات "رجل من الكيبوتس" أو رجل من فلسطين" ليبرهن على قدراته في الاقتباس كما استخدم مصطلح "شعب البلاد" بدل "شعب فلسطين" نقلاً عن يديشية الجيتو. وفي يومياته 26 –11 –1911 رسم كافكا صداقاته مع اليهود الغربيين، وكان "القانون" المعبر الذي أوصل "أربعة يدخلون الجنة" إلى مغامرة محسوبة. إن بصمات برود واضحة على كتابات كافكا هذه ...) أما بخصوص مكانة وموضع فلسطين في قلب وكتابات كافكا، فلم يكن مرضيا ولا مُشجِّعا كثيرا لدى الصهاينة، فها هو أحدهم يكتب في هاآرتس (العتاب الذي وجه إلى كافكا من النقاد الصهيونيين أن فلسطين لم تكن حلمه، ولا حلم الكثيرين من اليهود ومثقفيهم كما أنه لم يُشر في كتاباته إلى أرض الميعاد والعودة إليها والتي حددها هيرتزل بوضوح). هذه الفكرة يكررها الناقد العربي ويستنتج منها خلاصة أخرى مهمة وأكثر وضوحا من سابقاتها فهو يقول (تميزت كتابات كافكا بتطابقها، شكلاً ومضموناً مع أسلوب ومصطلحات برود، وهذا ما يظهر جلياً في قصة "سبب الاضطهاد"، ففلسطين لم تكن هدفاً لكافكا، قد يكون لها أهمية وموقع من نفسه، لكنه لم يفكر أن تكون وطناً لـه، والموضوع لا يعدو أكثر من توظيف من قبل برود خدمة لمسيرة الحركة الصهيونية التي تلاقي عنتاً في إيجاد مهاجرين إلى فلسطين. ولأن أعمال كافكا كلها بين يدي برود، وكافكا في عالم الأموات كانت حرية التلاعب بالنصوص سهلة، وذات قيمة مادية كبيرة في كثير من الأحيان.) وإذا كان تدخل برود في أعمال كافكا أمرا شبه محسوم بموجب تحليلات ومعلومات السعد فإن علاقته بأبيه خضعت هي الأخرى للاستقراء والتحليل الذي ينحو منحى نفسيا مسلطا الضوء على تحكم عدد من العقد النفسية كما يعتقد الكاتب بسلوك وتفكير كافكا كعقدة أوديب التي قول بأنه لم يشف منها وظلت تلاحقه كرها بالأب وحبا للأم والذي فسره آخرون كما يعتقد السعد كنوع من الهيام بالأرض الموعودة لتطابق صفاتها مع الحلم الأنثوي تجاه الأم . كما يعرج السعد على عقدة أخرى يتعقد أنها تحكمت بكافكا وهي عقدة " الخصاء اللاشعوري " التي كانت تضغط كوابيسها عليه والتي نجمت من شدة رعبه من والده والتي ( أدركها "ماكس برود" وعرف كنهها وجوهرها، ولما مات كافكا مبكراً وظفها في خدمة التوجه الصهيوني السياسي والأيديولوجي.‏) ولعل أقل ما يقال عن هذه التحليلات الاحتمالية هو أنها تفتقد للدقة والمبررات العلمية الكافية إذ لا يكفي أن يعيش الكاتب أو المبدع أي مبدع كان حالة خلافية أو صراعية مع أبيه أو أمه ليستنتج الناقد أو المؤرخ وكاتب السيرة - من ثم – وجود سلسلة من العقد النفسية التي تشكل مجمل سلوكه وتفكيره وإنتاجه الأدبي وليخرج أخيرا بالحكم الغامض وغير المبرر من الناحية العلمية التالي (أن المشاعر الدونية – لدى كافكا - هي نفسية بالدرجة الأساس، وفي هذه النقطة يتساوى كافكا مع أي يهودي ) وهكذا يضيع الفرق بين النقد والخليط!
غير أن ما سيلي من استنتاجات يتوصل إليها السعد يعيد لهذه الدراسة النقدية توازنها ويخرجها من المبالغات النفسانية التي مالت إليها، وخصوصا حين يلخص بالكلمات المعبرة التالية نتائج الدور الذي لعبه ماكس برود في حياة وأدب كافكا. إن ( ما قام به ماكس برود قد شوّه كافكا وأفقده أصالته وخصوصيته وعبقريته وحولـه إلى دمية قابلة "للقولبة" وتغيير شكلها وأوضاعها، والدمية تكون عادة الانعكاس المعلن لحالة صاحبها. فالشروح والتحليلات والتفسيرات والنشر والتعليقات التي مارسها برود أفقدت العمل الإبداعي أَلَقَهُ وهويته وغدا الأدب والأديب – أي كافكا –ممسحة ينظف بها الأوساخ الصهيونية.‏ عندما أصبح كافكا رجل المبيعات الأول، كان المحتكر الوحيد لأعماله اليهودي الجشع ماكس برود فهو من يبرم العقود مع دور النشر وهو بالتالي من يقبض الريع والمبيعات. من جهة أخرى أدرك برود أن كافكا كاتب نخبة، والنخبة قادرة على قيادة العامة، والحركة الصهيونية إلى ما قبل وعد بلفور كانت ما تزال نخبوية، ومعظم قادتها أدباء لهم حضورهم على الساحة الأدبية والفكرية الأوروبية، فلا غَرو إذا وجد في كافكا ما يخدم فلسفتهم وخططهم المستقبلية سواء أكان يهودياً أم لا وسواء وضع النص أم وُضع النصُ له...) غير أن المساواة الضمنية الواردة في هذه الفقرة بين أن يخدم كافكا النخبة الصهيونية عن طريق نصوص وضعها هو أو وضعت له ونسبت وألصقت به يتضمن ظلما من الناحية المعيارية والأخلاقية لكافكا، خصوصا إذا كان الكلام باتجاه تحميله مسؤولية ما فعله الآخرون باسمه وهو منه براء . أما إذا كان الكلام يتعلق بالحالة الوصفية، التي تتعلق بواقع ما حدث، والتي تذهب إلى أن كافكا، أو للدقة أدبه وما نسب له من نصوص، يكون قد استعمل من قبل الحركة الصهيونية ونخبتها المثقفة فهذا تقرير لواقع الحال لا يمكن نكرانه وهو ما نحاول أن نقيم الدليل على انه حدث فعلا وبالضد من العمق الإنساني لمجمل أدب كافكا والنزوع التحرري المناوئ للقمع والإكراه والقسوة والتغريب الذي يضج به منجزه الأدبي كله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر