الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجها العرب في عالم اليوم

اسماعيل ساكر الرفاعي

2020 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


اكثر شعوب الارض غراماً بالشكوى هي الشعوب العربية : العراقي يشكو من انتشار الفساد وتردي الأمن والخدمات ، والسوري يشكو من سقوط العملة وانهيار المدن التاريخية مع حرفها القديمة ، وتغول الساسة ، واستعبادهم للناس . ومن الموضوعات نفسها يشكو اللبناني واليمني والليبي ، ويضيف اليها أهالي الجزيرة العربية وخلجانها : الشكوى من انحراف الانسان العربي عن خط الدين القويم وتردي اخلاقه ...

اول المبشرين بالشكوى هم اصحاب التاكسيات ، فانت قبل ان تصل الفندق يكون صاحب التاكسي الذي يقلك من المطار : قد قتل لديك حلم الاستمتاع بما ستشاهد من جديد في البلاد العربية التي تزور . صاحب التاكسي : سفير لبلاده فوق العادة ، ومهمته تشويه حقيقة هذه البلاد وتنفير السياح منها ...

لا تسمع في اي بلد من هذه البلدان حديثاً عن العلم والابتكار والاختراع وعن الانتاج ، او عن الاقتصاد او عن المعارض التشكيلية او عن مسابقة للجمال او عن آخر عرض لدور المسرح والسينما وقاعات الحفلات الموسيقية : وحين تحاول ان تزداد معرفة ببشر البلد الذي ستزور ، وتذهب من اجل ذلك الى محطات التواصل الاجتماعي : فستطالعك رايات ومنشورات سود ، ومشاهد معارك مجللة بالغبار ، وبقعاً ارضية ممهورة بالدماء ، مما يؤكد لك بأن هذه الشعوب تجيد التعبير عن المأساة لا عن الفرح ، وأنها حسمت اختيارها في الانتماء الى عالم ما وراء الموت لا الى أوجه ونشاطات الحياة . كل ما تسمعه لا يخرج عن اطار : الشكوى التي تصل في بعض الحالات حد : البكاء . ليس الشيعة وحدهم من يبكون الحسين في عاشوراء ، بل جميع الشعوب العربية تشاركهم البكاء ، حتى الذين هم السبب الحقيقي للشكوى : وهم عادة ساسة البلد ورجال دينه : يبدأون حديثهم معك : بالشكوى ، ممن ؟ من تآمر العالم الامبريالي على ( عبقرية ) الامة العربية ، أو تآمر اليهود والماسونية على الدين الإسلامي ...

يترافق مع الشكوى لدى الشعوب العربية إيمان غريب : بالمعجزات ، ومع انهم ابعد شعوب الارض عن المشاركة بالمعجزات الحقيقية التي حققتها شعوب الحضارة الصناعية : في اجتراح ثورات المواصلات والاتصالات ، والسفر الى الفضاء الخارجي او ما تحقق في ميدان البيولوجيا او معجزة علم الآثار في بعث الحضارات القديمة وفك شفرات كتاباتها ، ومع ذلك فانهم اكثر شعوب الارض حديثاً عن المعجزات ...

المعجزات التي يتحدث عنها العرب لا علاقة لها ولا صلة بالمعجزات الحقيقية التي حققتها شعوب الحضارة الصناعية من اجل الارتفاع بشروط عيش الناس في الحياة ، كإيجاد علاج لفيروس كورونا مثلاً . معجزات العرب التي يتحدثون عنها ما ورائية يبدعها ويمارسها ابطال حكاياتهم في العالم الآخر : عالم ما بعد الموت وليس في عالم الحياة . فهي معجزات خاصة بالاموات لا بالأحياء . تتحدث هذه الحكايات عما يمتلكه البعض من الموتى من قوة هائلة تستطيع تحريك الجبال وتجفيف البحار واثارة العواصف ، وتتحدث هذه المرويات عن سلطتهم في مشاركة الله يوم القيامة في تقرير مصائر الموتى بالخلود في الجنة او في النار . كما ان هؤلاء الموتى يمتلكون بعد الموت قدرات خارقة تصل حد مشاركة الخالق في ادارة الكون وانهم يستطيعون اختراق النواميس التي استقرت عليها الطبيعة ، وحتى تعديلها او تغييرها ...

تتحدث حكايات العرب عن معجزات وقعت في الماضي ، أو ستقع في العالم الآخر : عالم ما بعد الموت ، ونحن بحاجة ماسة الى من يحقق لنا المعجزات الآن : فينصب لنا مولدات كهربائية تعمل 24 ساعة ، او ان يكتشف علاجاً لفيروس كورونا ، فيحل اكبر مشكلة تواجه الإنسانية اليوم ...

الشكوى هي الوجه الاول للعرب في الأوان الذي نعيش ، اما وجههم الآخر الذي يحاولون من خلال إبراز قسماته اخفاء ضعفهم المشين : فهو ادعاء القدرة على اتيان المعجزة ، لكن ليس في عالم اليوم بل في العالم الآخر ، هكذا يربون اولادهم : لا على ايجاد الحلول لمشاكل حياتهم وتحسين ظروف العيش فيها ، بل على الاستغراق في التفكير بعالم ما بعد الحياة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة