الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة تسابق الزمن لبناء الوعي الجماعي

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2020 / 8 / 31
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


في لحظة خاطفة اهتز العالم على خبر انتشار فيروس جديد قادم من الصين ليغزو العالم , فأصبحت الدول أمام امتحان صعب يشكل معيارا مفصليا حول مدى نجاعة الأنظمة و وعي الشعوب لتجنب الكارثة التي تهدد المجتمع على أكثر من مستوى ؛ حيث تتوعد سوق الأموال بخميس أسود جديد و الأمن الصحي بطاعون فتاك لا يسلم منه أحد . لقد كانت مقدمة و توطئة رهيبة كما قدمتها وسائل الإعلام و تداولتها فئة عريضة من الشعوب بغض النظر عن مدى حقيقة الفيروس كونه طبيعيا أو حربا بيولوجية .
لن نستغرق في الحديث عن نجاح النموذج الغربي في خوض غمار هذه التجربة التي تتكرر عبر السنيين , فالبشرية عبر التاريخ عرفت أوبئة و جوائح مميتة , لكن ما يميز فيروس كوفيد-19 هو موضعه على الخط الزمني الذي يصادف الألفية الثالثة بما تحمله من دلالات التطور العلمي و التكنولوجي و الذي يشمل الربورتية و النانو و الإستنساخ بالموازاة مع نذر حرب عالمية ثالثة تتميز باستعمال أسلحة مدمرة للكون يصعب معها تصور بقاء كيان حي على البسيطة .
سواء نجحت الدول في وقت مقبول في إيجاد لقاح ضد الفيروس أو تأخر الأمر , فلا يمكن أن نجحد حقيقة أننا نحيا في زمن ازدهار العلوم, لكن الطبيعة تختبرنا بكائنات مجهرية ليس تحقيرا للمجهود البشري و تأكيد أنه عاجز أمام جزئيات صغيرة بل ترسخ مبدأ أن الكل مبني على الجزء , و تبعا لذلك تظل فعالية المنظومة رهينة بعناصر صغيرة و هامشية أحيانا.
قد يعتبر البعض أن الوعي الجماعي عنصر جانبي لا دور له في مواجهة الأوبئة لأن العامل الأساسي علمي و ليس مجتمعي . و هو تعبير يوافق النظرة الرأسمالية للعمل التي لا تأبه للطبقة العاملة و تصب جل تفكيرها و اهتمامها للربح أي تحقيق نتيجة إيجابية . و هذا قصور في النظر و تجاوز للحقيقة التي تعتبر ان مجموع الأفراد يشكل القاعدة وأن أدنى اختلال في الذات الفردية يمثل خطرا على الجميع . إنها الروح التي فهمتها الجيوش التي تركز على دور الفرد داخل المجموعة, حيث تبقى الجماعة – الدولة- بنية جديدة لها محدداتها و خصائصها و ليس مجرد تكتل بشري لا قيمة له .
أُقدم في هذا السياق النموذج المغربي الذي حاول إعادة صياغة مفهوم المواطن و المواطنة في لحظة خوف من تداعيات إنتشار الفيروس كالنار في الهشيم, و هي كارثة تهدد كل الطبقات الاجتماعية و المؤسسات المالية بل و الصحية نفسها التي ستضحى عليلة و بينومبيد أمام هذا التحدي العويص . المثال المغربي يهم كل البنى التنظيمية العربية التي اُنتهكت فيها بنود العقد الاجتماعي أو فشل المسؤولون عن المنظومة في تنفيذ بنوده و حماية القانون الأسمى الذي يحدد أدوار و التزامات الجميع المتبادلة, ما أدى إلى إيجاد أنظمة شمولية أو عميلة لا تهمها مصالح المجتمع و أمنه القومي في أبعاده المتعددة . المعنى المستنبط هو أن أضرار الفيروس لا يمكن أن تبلغ نسبة البليَّة و الرزية التي سبَّبتها الحرب في سوريا و العراق و اليمن . فضحايا الجوع و الحروب و المخدرات تتجاوز بكثير ما أوقعه الوباء المستجد , لكن مكاتب الظلاميين تصنع الرأي العام فيغدو رأيا فرديا يحمله كل شخص حتى المثقف الذي خانته ملكة النقد و الرد . التهويل من كوفيد-19 بروفة حقيقية تماثل أحداث 11 سبتمبر التي دُمرت فيها برجي التجارة العالميين فتم تدويل القضية و رفع نسبة هرمون الألدوستيرون في جسم جميع الشعوب و الدول كأن العالم يبتلع ريقه الأخير . و هو سيناريو ضعيف جدا و لا قيمة له أمام الويلات و الماَسي التي عاشتها الشعوب الفقيرة في أفغانستان و غيرها .
الشعب المغربي كشعب إفريقي له إيجابياته لكن تثقله السلبيات , و من نواقصه إيمانه بالخرافة و تصديقه للإشاعة , و حينما تحل به البلايا يكثر الضحك و المزاح ما يعني أنه شعب به غفلة حسب فكر ابن خلدون . إن السواد الأعظم من الشعب المغربي لا يمكن اعتباره اشتراكيا و لا شيوعيا لأنه ظل في معظمه بعيدا عن هذا الصراع الذي لم تسمح الدولة بنفاذه إلى الطبقات الشعبية التي ظلت وفية للدين الإسلامي و أعراف القبيلة و بيعة الإمام – أمير المؤمنين- ؛ أما دور الأحزاب السياسية في التأطير أو التأثير فقد انكمش أمام الإرادة المخزنية – السلطة- التي تجيد الهندسة الاجتماعية و اللعب على الأوتار .
لقد ظل المثقف في المغرب على غرار دول القمع الإفريقي يتحرك في الحدود المرسومة له فكانت الإحتمالات قليلة ؛ إما مسايرة المخزن أو اللجوء إلى بلد الحرية و الديمقراطية أو الاهتمام بالذات فقط و ترك الميدان فارغا لبيادق السلطة . ينضاف لهذا المنظومة التعليمية المعيبة و المقفرة التي لا يمكن أن تنتج مواطنا صالحا و مؤمنا بوجود الاَخر و قدسية الوطن مادام التعليم في المغرب قد تم تقسيمه إلى مدرسة فقراء و مدارس للأغنياء لكل واحدة منها قيمتها و أسسها.
الوضع الاجتماعي طبقي إلى حد بعيد , فنسبة كبيرة من المغاربة تعيش في الفقر المدقع و لا تملك أساسيات الحياة؛ في مقابل طبقة تتحكم في سوق الأموال و المخدرات و اليناصيب و المتجارة بالقضايا و السياسة بعيدا عن المحاسبة و المساءلة .
خلال جائحة كورونا ظهرت صور التميز الوظيفي الذي يحدد دور كل فرد إلى جانب مبدأ الإرتباط الداخلي الذي يرسم علاقات الأفراد بالمجتمع . هكذا لاحظنا إبان فترة الحجر الصحي أن الطبقة العمالية المسحوقة بعد أن هدَّتها ألات المصانع و أصوات المكينات و أرهقتها تضاريس الضيعات و أجهدها العمل الشاق , وجدت نفسها مضطرة لتطويق نفسها داخل بيت صغير يفتقد للتهوية و الراحة و قد قضَّته حرارة الشمس و برودة الشتاء و الأنكى من هذا انعدام ادخار مالي لأن العمل في ظل نظام رأسمالي – وصف لكل نظام اقتصادي فاسد- لا يسمح بالتفكير في لحظة الحرية المالية لأنه يعتبر العمال و الأجراء عبيدا و أخذى.
في الأيام القلية التي سبقت الحجر الصحي في البلد لم تكن الأوضاع أفضل من بعد الجائحة ؛ نذكر أن مواطنا أحرق نفسه بالبنزين لأنه يحس بالظلم من الدولة إضافة إلى تعدد حالات الإنتحار و الإحتجاجات و المظاهرات . فالشعب يعيش حالة من الهذيان و التخبط ما دفع بوزير الصحة السابق في البرلمان إلى التصريح بأن نصف الشعب المغربي مريض نفسيا , وهي حقائق تدعهما الدراسات و الإحصائيات الدولية من بينها تقرير العصبة المغربية لحقوق الإنسان .
الدولة راهنت على تعزيز الوعي الجماعي للشعب المغربي لكنها تعلم أن الرهان خاسر, لان مواطن اليوم هو نتاج سياسات الأمس و الحاضر, و لا يمكن أن نخلق مواطنا واعيا و مدركا بضربة حظ .
بأي منطق نريد من مواطن يعيش في دور الصفيح و في سكن غير لائق أن يهتم بتعقيم اليدين و هو لا يغسل وجهه عند الإستيقاظ من النوم , و كيف نريد منه أن يضع الكمامة على أنفه و هو يشم رائحة جبال من الأزبال المحلية و المستوردة على طول دروب الفقراء . لماذا سيهتم باحترام مسافة الأمان و هو لا يشارك في حياته اليومية إلا الفقراء و البؤساء مثله الذين فقدوا الأمل في الحياة منذ زمن بعيد .
لقد سبق و قلت و سأظل أكرر أن المواطنة ليست تقبيل يد الرئيس أو العلم الوطني و ليست تمجيد أحداث التاريخ الوطني و تقديسها , فهذه ديماغوجية من جانب الدولة و غوغائية من طرف الشعب . إن الوطنية هي نقد الذات و المسؤوليين و المؤسسات بما يضمن تقويمها و تقويتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل