الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رواية أرض الإله

زهير إسماعيل عبدالواحد

2020 / 9 / 1
الادب والفن


تتناول الرواية ثلاثة أزمان مختلفة وتبدأ بقصة عن الحاضر، ثم تدخل في بعد زمني آخر وهو زمن البطالمة، ثم يتخذ ترجمة البرديات مدخلًا لفتح نافذة في زمن أقدم وهو زمن موسى وفرعون، مما يجعل الرواية تصنف ضمن الأدب التاريخي؛ ويقدم «مراد» هذا المزيج في أحداث تشويقية مثيرة في قالب روائي مضفر بمزيج من الأحداث التاريخية والدينية، مع الحفاظ على إظهار الصورة السينمائية الرائعة التي تتميز بها كتاباته.

أما الحبكة الدرامية فقد قدمها «مراد» في طابع روائي يتميز بالتشويق والإثارة، مشبع بصور سينمائية ضمن حوار وسيناريو جيدين من حيث المعنى، إلا أنه أخفق في توظيف اللغة بشكل مزرٍ حيث استخدم لغة عربية فصحى أقرب إلى «الألفاظ القرآنية» والتي تجعل القارئ دائم الاعتقاد بأن هذا الكاهن درويش صوفي، فكان أولى له أن يبحث أكثر في معاني اللغة ومراحل وأطوار تطور ألفاظها، وإني لأرى أنه من الأفضل استخدام الألفاظ المتعارف عليها في النصوص الفرعونية على جدران المعابد أو الكتابات القديمة من الكتب الدينية، خطأ كهذا وضع القارئ في مقارنة دائمة بين أحداث روايته وما ورد في النص القرآني من قصة سيدنا موسى، كما افتقدت الرواية في كثير من المشاهد إلى الانفعالات الحية ويتجلى هذا في حوار موسى مع هارون، فهو أشبه بالـ«Role Playing» – لعب الأدوار- بإعادة تمثيل ما حدث، كما يظهر الفقر في المخيلة الواقعية والذي يتبين في رؤية شخصية «عزيز» الذي يعيش في المستنقعات من سنين يقوم بعلاج الكاهن بعد محاولة القتل الأولى، في مشهد يذكرني بمشهد صاحب الجمل الذي أنقذ عنترة بن شداد عندما غرق في بحر الرمال في طريقه إلى أرض النعمان، مما يفصلك عن متعة إيهام الحقيقة التي تعد من أهم ما يستمتع به القارئ، بالإضافة إلى عدم معقولية المكون الطبيعي للأحداث أو منطق الحدث فكيف لكاهن حافي القدم حليق الرأس تبرز عظامه من تحت جلده ولا يسترها غير ملابسه الكتانية، الانتصار الدائم والمستمر على كل العقبات والتحديات من محاولات قتل وتعذيب، وملاحقات رئيس القصر ورجاله، الذين حاولوا قتله وهو في أيديهم موثق بالحبال، في إناء من الماء تلسع جلده صاعقة «سمكة الرعادة» والذي نجا منهم رغم ذلك، حتى تماسيح المستنقع والبحيرة المقدسة لم تمسسه، ولم ينهِ حياته كلب غريمه «آرام» المتوحش، مما يدل على وجود مهارات قتالية عالية كالتي تتوفر في رجل المستحيل «أدهم صبري»! كما أنني لم أجد هدفًا واضحًا لدور شخصية «نادية» غير الإثارة كمادة جيدة للرومانسية والولع وإضفاء جزء من الغريزة الجنسية البشرية على الرواية، واستخدام اسم «نادية عزيز» في نفسه أمر يثير غرابة القارئ فهو اسم غير مألوف في زمنه وكذلك «حي العاهرات» وإن قُدم ذلك في طابع سينمائي مشوق.

وبالنظر للطابع التاريخي للرواية، نقع في الإشكالية الأزلية بين حرية الإبداع والتأثير في وعي وإدراك جمهور القراء، وإن كنت – شخصيًّا – أؤيد حرية الإبداع والفكر والكتابة ما دمت تقدم هذا في قالب فني كرواية أو قصة قصيرة أو عمل سينمائي، فنجد مثلًا أن فيلم «الناصر صلاح الدين» من أفضل الأفلام العربية من الناحية الفنية لكنه بعيد كل البعد عن حقيقة الواقع التاريخي والمجتمعي آنذاك بل وتزييف له، كذلك الرواية التي بين أيدينا الآن؛ فهي فنيًا تقرب إلى الروعة أما تاريخيًا نجدها بعيدة تمامًا عن صدق الأحداث التي وردت فيها؛ وهنا يجب الإشارة إلى أنه لا يجوز نقد الرواية من باب التاريخ، وذلك لما قدمه الكاتب من الافتراضيات العديدة والنظريات التاريخية الخاطئة أو التي لم تثبت صحتها – الإشارة إلى هذه التفاصيل من باب محاولة المعرفة وليس نقدًا للرواية – مثل:

افتراض أن سيدنا إدريس هو المعبود المصري القديم «أوزوريس» وهذا طرح لم تثبت صحته دينيًا ولا تاريخيًا، وأن «رع» و«حورس» وباقي الآلهة المصرية هم تجسيد للملائكة، وأن المصريين القدماء كانوا موحدين ونبيهم إدريس، والذي لم يثبت صحته أيضًا تاريخيًا ولا دينيًا فالله أعلم بأحوالهم.وأن موسى عليه السلام تلقى تعاليم الدين المصري القديم باعتباره دينًا من عند الله في معبد أون «هليوبوليس»، وهو شيء لم يرد في أي مصدر موثوق به من قبل.لا يوجد دليل حقيقي على وجود اتصال أو تحالف بين موسى وأحمس طارد الهكسوس، أو مشاهدة أحمس وجيشه حادثة انشقاق البحر أثناء مطاردة ملك الهكسوس كما ورد في الرواية.الوارد في التاريخ والأثر أن سيدنا يوسف كان يعيش في هوارة عاصمة دولة الهكسوس وهي حاليًا الشرقية، وليس سيناء كما ذُكر في الرواية.

وعلى الرغم من أن «أحمد مراد» ليس من كتابي المفضلين، لكن لا يمكننا نكران أن له جمهورًا عريضًا داخل الوطن العربي بل وخارجه أيضًا، حيث سبق أن تُرجم له أكثر من رواية إلى عدة لغات، ولا شك أيضًا أنه موهوب ويمتلك الشجاعة والجرأة التي تجعله يخوض موضوعات شائكة ويفتح ملفات تثير الجدل واللغط كربط الرسائل السماوية بالتاريخ المصري القديم وعلاقتها باليهود، ولكن هل يدرك هذا الجمهور أن الروايات لا يستقي منها معلومات تاريخية، وأن أحداثها من وحي خيال الكاتب وإن تشابهت مع الواقع؟! وهل يدرك أيضًا أن الكاتب يقدم الأحداث في قالب خيالي؟ ولا يستطيع أحد أن يلومه، فما قدمه (رواية) لم يدَّعِ يومًا أنها كتاب تاريخ مما يسلّمه من الاتهامات بتشويه القضايا التاريخية، وهنا يقع الخطأ على من يستقي معلوماته منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا