الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هولدرلين وجع الحب

نبيل علال
كاتب

(Nabil Allal)

2020 / 9 / 1
الادب والفن


أمام مصحة الأمراض العقلية بمدينة توبنجن الألمانية سنة 1806 كان هناك نجار بسيط محب للثقافة والفنون يدعى إرنست تيسمر ينتظر تشخيص الأطباء لمريض شاب وقد قيل لإرنيست إن ذلك المريض ميؤوس من شفائه ولن يعيش لأكثر من ثلاث سنوات لكن أخطأت ظنون الأطباء وعاش ذلك المريض تحت رعاية النجار البسيط ستا وثلاثين سنة في ظلام الجنون لتصل به الشهرة لاحقا إلى منزلة أعظم الشعراء الألمان لم يكن ذلك الشاب المجنون سوى الشاعر هولدرلين الذي دفعته آلام الحياة إلى هاوية الجنون بعد ملحمة مأساوية كتبها باللغة العربية عبد الغفار مكاوي في كتابه "هولدرلين"

الحب : "أبرأت ديوتيما أوجاعي "
في رحلة الشاعر بحثا عن لقمة عيشه تلقى هولدرلين عرض للعمل معلم لأولاد أحد رجال البنوك هناك يكتشف أن ديوتيما الكاهنة التي علمت سقراط الحب الإلهي قد ولدت من جديد كانت سوزيت الزوجة فائقة الجمال وفي كل لحظة من وجودها كان يعتريها نقاء الروح الساحر وصمت يشبه صمت فينوس في لوحات تيتيان ولعل هولدرلين لحظتها صرخ في عقله " لقد وجدتها أخيرأً" النبوءة التي كتبها الشاعر قبل لقائه بديوتيما بسنة في روايته هيبريون تحققت "سوف أعثر عليها مرة أخرى ,في أية مرحلة من مراحل الوجود الأبدي" لم تتأخر سوزيت تبدي اعجابها بشاعرنا الذي لمست روحه قبل صورته من نصوصه التي انتشرت في كل أنحاء الدولة تنشد حب ديوتيما فتناغمت روحها مع روحه واخترقتهما سهام كيوبيد مرتين المرة الأولى تعلن حبهما والمرة الثانية تأكيد على أن هذا الحب لن يموت " كنا زهرة واحدة لاغير .. عاشت روحانا في كيان واحد "
لكن هيهات أن تفلت الأرواح الطاهرة من شياطين الإنس فقد انتشرت أخبارهما في كل مكان وضاق بهما الحصار ولاحت شمس الفراق المحرقة تسطع من بعيد حتى قررا أخيرا الفراق سيغادر الشاعر جريحاً نحو المجهول تاركاً وراءهُ محبوبتهُ السماوية بين جحيم الزوج وجحيم الفراق :
"الأن أقول وداعا عيشي في خير
روحي كل نهار ترحل عنك تعود إليك
عيني تُبكيك, تريق الدمع
تتمنى يوما أن تصفو لكي ترنو لك
فتراك هناك وتهنأ بك .. "
ورغم العذاب والمسافات لم ينقطعا فقد ظلت بينهما الرسائل الشحيحة والحذرة من أعين المتطفلين تحاول جاهدة اعادتهما الى كيان واحد تكتب سوزيت :
" شعرت شعوراً حياً أن حياتي من غيرك تذبل وتجف وتخطو للموت ببطىء "
لكن يد القدر كتبت حروفها بعد أن اشْتدَّ البأسُ وطغى اليأس فهاهي ديوتيما تكتب للشاعر وداع أخير "عدني أنك لن ترجع مرة أخرى وأنك سترحل من هنا بهدوء لأنني إذا لم أعرف هذا فسوف أظل الى الصباح ملازمة للنافذة وأنا في أفظع حالات القلق والتوتر ، ولامفر لنا في النهاية من أن نسترد الهدوء لذا دعنا نمضي على طريقنا في ثقة واطمئنان ,ولنحاول في صميم ألمنا أن نشعر بالسعادة ولنتمنى أن يدوم لنا هذا الألم طويلا طويلا لأننا نستمد منه احساسنا بالنبل الكامل والقوة على احتمال قدرنا .. وداعا وداعا ولتباركك السماء "

الجنون : "ظلمة غسق محزن"
انتقل الشاعر من منزل إلى آخر يحاول نسيان أحزانه بعمل لم يرده يوما وخلال ضياعه سيرحل بعيدا الى بردو الفرنسية سنة 1802 هناك لن ُيمضى أكثر من أربع أشهر ليعود إلى وطنه محكوما بلعنة الحنين والمرجح أن خبر احتضار محبوبته ديوتيما قد وصله ففي تلك السنة كانت تصارع مرض السل ولم يمضى الوقت طويلا ليصله الخبر الصاعق من صديقه إسحاق سينكلر"إني أبكي وأنا أكتب لك هذا النبأ"
توفيت سوزيت المعلمة التي علمت هولدرلين الحب واحتضنته كملاذ يليق بِروح وحيدة وحزينة :
" بعث الفتى بين ذراعي
وقد جاء وحيدا وحزيناً
من بلاد بعيدة "
كيف للشاعر أن يتحمل فقدان القصيدة؟ كيف له أن يعيش فارغ لانهاية له؟ لقد انتهى كل شيء واختلت أسباب الوجود ورغم المحاولات التي بذلها هولدرلين نفسه بمساعدة صديقه اسحاق سينكلر لتجاوز المأساة لم تفلح ,تلبدت سماء الشاعر وخيم ليل الجنون والوحدة
"أأنا الأن وحدي تماما ؟
وهل ينتشر ظلام الليل في وضح النهار ؟
إن الذي رأى أبعد مما رأت عين إنسان فان
والذي أصيب بالعمى يتخبط الآن هنا وهناك
أين أنت يا آلهتي ؟
أتتركينني كالشحاذ؟"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب