الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطة بين الجماعة الداخلية و الجماعة الخارجية

نضال العبود

2006 / 7 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



لم يعرف التاريخ العربي تداولاً على السلطة إلا في فترات قصيرة جداً لا تتعدى السنوات العدة، ربما تكون السلطة في صدر الإسلام أحد أشكالها، بالرغم من طغيان العصبية القبلية كأحد تمظهرات القوة كشرعية سياسية، مع الأخذ بعين الاعتبار الظرف التاريخي الذي لم يبرز بعد معنى الدولة و فلسفتها و المفاهيم المرتبطة بها من ديمقراطية و علمانية وغيرها.

فخلال تلك الفترة و الفترات الطويلة التي تلتها حتى مطلع القرن العشرين، كان هناك تناغماً و تساوقاً بين الشخصية الفردية و الشخصية الجماعية، أي بين الهوية الشخصية و الهوية الاجتماعية التي يستمدها الفرد حصراً من انتمائه إلى العشيرة- القبيلة، و من ثم فيما بعد من انتمائه إلى الطائفة – الفرقة بعد الانقسامات الدينية (شيعة – سنة و غيرها..)، التي تمحورت حول اقتسام السلطة أو احتكارها.

ترتكز الهوية الشخصية على الخصائص الفردية مثل سمات الشخصية، بينما ترتكز الهوية الاجتماعية على العلاقات الجماعية، و تتفاعل الهويتان فتبرز الهوية الشخصية إذا كان التفاعل يتم بين أفراد و العكس، أي تبرز الهوية الاجتماعية إذا كان التفاعل يتم بين جماعات.

يسعى الأفراد إلى تفضيل أعضاء الجماعة الداخلية أكثر من أعضاء الجماعة الخارجية، و أن الجزء الأكبر من مفهوم الذات لدى الأفراد يشتق من عضويتهم لمختلف الجماعات أو حملهم لهويات اجتماعية معينة. فإذا كان لدينا معلومات ضئيلة عن أحد الأفراد، فإننا نميل إلى أن ننسب إليه مجموعة من الخصائص مستمدة من معلوماتنا عن عضويته في الجماعة التي ينتسب إليها (الجماعة الخارجية).

بعد سقوط الاحتلال العثماني بسبب ضعف عوامل بقائه الداخلية، بالتعاضد مع العوامل الخارجية المتمثلة في رغبة القوى الاستعمارية في السيطرة على ممتلكاته من الأقاليم العربية بما تمثله من أهمية جغرافية طبيعية إستراتيجية، انقسم المجتمع العربي إلى مزيج غير متجانس (عشائري – طائفي – الريف و المدينة..) ، و هي انقسامات تطورت و تعقدت عن الانقسامات الأولى التي شهدها تاريخه، و كان بإمكان المقاومة التي شهدها ضد الاستعمار الغربي الذي حل على أنقاض الاستعمار العثماني أن يشذبها و يخفف من حدتها حتى درجة إلغائها، ربما لو تم التطور في السياق التاريخي بدون تدخل القوى الناشئة في المجتمع العربي التي أعاقت التطور التاريخي مدعومة من الاستعمار الذي شد رحاله و رحل من المكان، و لكنه ظل متحكماً بالزمان عن طريق دعمه لهذه القوى و جعلها تابعة له لا تستطيع العيش بدونه (الأسر التقليدية الحاكمة – الأحزاب الشمولية).

لأن الصدمة الحضارية الناتجة عن احتكاك المجتمع العربي بالاستعمار الغربي ولدت الشرارة الأولى التي ربما لو قيض لها الاستمرار في سياقها التاريخي، لكسرت الجمود المخيم على العقل العربي طويلاً و حفزته على ركب عصر الحداثة و الأنوار، وعلى نبذ المطلقات و الأخذ بالنسبيات، كسمات مميزة للتفكير العلمي ونقيضة للتفكير الغيبي الديني السلطوي.

فالطبقات الحاكمة التي حلت محل الاستعمار المطرود استخدمت نفس أساليبه و طرقه للبقاء في السلطة، و قد لعب النظام السياسي كوريث للسلطة بالهويات الاجتماعية – السياسية – الدينية (مبدأ فرق تسد) ، و هو المبدأ الكفيل لأي مجتمع أن يظل حبيس زمن مضى، متخلفاً ما قبل حداثوياً، و عملت هذه السلطات على إنهاك المجتمع و منعته من أن يلتقط أنفاسه مستخدمة إمكانيات الدولة الضخمة لمصلحة أقلية حاكمة.

فالأنظمة الحاكمة التي منعت الدولة من البروز كمؤسسات تحكمها قوانين، سعت للالتصاق بهوية اجتماعية اعتقدت أنها الأقوى، و أنها تمنحها الشرعية للاستيلاء على السلطة مهما تعددت مصادر هذه الهوية، سواء أكانت
دينية أو حزبوية شمولية أو أسروية تقليدية.

و حتى داخل الحزب الشمولي تحدث تمايزات و اختزال إلى جماعات، و هنا يتم العمل على إبراز الجوانب الإيجابية للجماعة من خلال عملية المقارنة مع الجماعات الأخرى . و الجماعات التي لا تمتلك السلطة تعمل على تحسين أوضاعها السلبية أو المحافظة على الأوضاع الإيجابية للجماعة الداخلية.

الجماعة الخارجية تسعى إلى تدعيم هويتها الاجتماعية الايجابية (الجماعة خارجية بمعنى أنها خارج السلطة هنا). قد تسعى الجماعة خارج السلطة إلى التماهي مع الجماعة الأقوى (السلطة) عن طريق الاندماج في الجماعة المسيطرة، و ربما تكون الجماعة غير المسيطرة هي الأكثرية، فإن بعض أعضائها يسعون إلى تغيير أوضاعهم (الحراك الاجتماعي الفردي)، و الانتساب إلى الجماعة المسيطرة و هذا يتطلب تغييراً سيكولوجياً و ثقافياً.

يؤدي الحراك الاجتماعي إلى المنافسة بين الجماعة الداخلية (المسيطرة) و الخارجية، و هذا يعني أن الجماعة ذات التقييم السلبي قد تتحدى بشكل مباشر وضع الجماعة ذات التقييم الايجابي أو الجماعة المسيطرة في التسلسل الهرمي للوضع الاجتماعي و هذه الاستراتيجية تقود إلى صراعات دموية مباشرة و صدامات و نزاعات، و هذا ما شهدته كل من سوريا و العراق و مصر في العقدين الأخيرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن وإسرائيل.. خلاف ينعكس على الداخل الأميركي| #أميركا_الي


.. قصف إسرائيلي عنيف شرقي رفح واستمرار توغل الاحتلال في حي الزي




.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف حرب إسرائيل على


.. ما الذي حققته زيارة مدير الاستخبارات الأمريكية في مفاوضات وق




.. إسرائيل تبلغ نهائي يوروفيجن 2024 وسط احتجاجات على مشاركتها ب