الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاطرة في الأدب (1)

رواء محمود حسين

2020 / 9 / 3
الادب والفن


لاحظت مؤخراً أن كتب الأدب العربي القديم والحديث يكمل بعضها بعضاً، وأنها من الممكن أن تكون مادة مهمة جداً في كتابة الرواية.
وفِي هذه الأيام وقع بين يدي كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للأبشيهي، وقرأت فيه قصصاً طريفة جداً في مواضيع شتى وكان منها:
روي أن حاتماً الأصم كان رجلاً عديد الأبناء، ولم يكن يستملك نواة واحدة، وكان له أولاد ذكور وإناث، وجلس في مجلس الخليفة المتوكل العباسي ذات ليل مع أصحابه يتحدث معهم، فتعرضوا لذكر الحج، فتحرك الشوق في قلبه، ثم دخل على أولاده، فجلس معهم يحدثهم، ثم قال لهم: لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه في هذا العام حاجاً، ويدعو لكم ماذا عليكم لو فعلتم؟ فقالت زوجته وأولاده: أنت على هذه الحالة لا تملك شيئا ونحن على ما ترى من الفاقة، فكيف تريد ذلك ونحن بهذه الحالة؟ (شهاب الدين محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي أبو الفتح (المتوفى: 852هـ): "المستطرف في كل فن مستطرف"، عالم الكتب – بيروت، الطبعة: الأولى، 1419 هـ، ص 76).
وكان لحاتم الأصم ابنة صغيرة فقالت: ماذا عليكم لو سمحتم له ولا يقلقكم ذلك، دعوه يمضي حيث شاء، فإنه مناول للمعاش، وليس برزاق، فذكّرتهم ذلك، فقالوا: صدقت والله هذه الصغيرة، يا أبانا اندفع حيث وددت، فقام من وقته وساعته وأحرم بالحج، وخرج طوافاً، وأصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يؤنبونهم كيف سمحوا له بالحج، وتأسف على فراقه أصحابه وجيرانه، فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة ويقولون: لو سكتّ ما تكلمنا، فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء، وقالت: إلهي وسيدي ومولاي عودت القوم بفضلك وأنك لا تضيعهم فلا تخيبهم، ولا تخجلني معهم، فبينما هم على هذه الحالة إذ خرج أمير البلدة متصيداً، فانقطع عن عسكره وأصحابه، فحصل له عطش شديد، فاجتاز بيت الرجل الصالح حاتم الأصم، فاستقى منهم ماء، وقرع الباب فقالوا: من أنت؟ قال: الأمير ببابكم يستسقيكم، فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء وقالت: إلهي وسيدي سبحانك البارحة بتنا جياعا، واليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا، ثم إنها أخذت كوزا جديدا وملأته ماء، وقالت للمتناول منها:
اعذرونا، فأخذ الأمير الكوز وشرب منه، فاستطاب الشرب من ذلك الماء فقال: هذه الدار لأمير؟ فقالوا: لا والله بل لعبد من عباد الله الصالحين يعرف بحاتم الأصم.
فقال الأمير: لقد سمعت به (الأبشيهي: "المستطرف في كل فن مستطرف"، ص 76).
فقال الوزير: يا سيدي لقد سمعت أنه البارحة أحرم بالحج وسافر ولم يخلف لعياله شيئاً، وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعاً، فقال الأمير: ونحن أيضاً قد ثقلنا عليهم اليوم، وليس من النخوة أن يثقل مثلنا على مثلهم، ثم حل الأمير منطقته من وسطه ورمى بها في الدار، ثم قال لأصحابه: من أحبني، فليلق منطقته، فحل جميع أصحابه مناطقهم ورموا بها إليهم، ثم انصرفوا، فقال الوزير: السلام عليكم أهل البيت، لآتينكم الساعة بثمن هذه المناطق، فلما أنزل الأمير رجع إليهم الوزير، ودفع إليهم ثمن المناطق مالاً وافراً واستردها منهم، فلما رأت الصبية الصغيرة ذلك بكت بكاء شديداً، فقالوا لها: ما هذا البكاء؟ إنما يجب أن تفرحي، فإن الله قد وسّع علينا، فقالت: يا أم، والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعاً، فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة، فأغنانا بعد فقرنا، فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلى أحد طرفة عين، اللهم انظر إلى أبينا، ودبره بأحسن التدبير، هذا ما كان من أمرهم (الأبشيهي: "المستطرف في كل فن مستطرف"، ص 76).
وأما ما كان من أمر حاتم أبيهم، فإنه لما خرج محرماً ولحق بالقوم توجع أمير الركب، فطلبوا له طبيباً، فلم يجدوا، فقال: هل من عبد صالح، فدل على حاتم، فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الأمير من وقته، فأمر له بما يركب، وما يأكل، وما يشرب، فنام تلك الليلة مفكراً في أمر عياله، فقيل له في منامه: يا حاتم من أصلح معاملته معنا أصلحنا معاملتنا معه، ثم أخبر بما كان من أمر عياله، فأكثر الثناء على الله تعالى، فلما قضى حجه ورجع تلقته أولاده، فعانق الصبية الصغيرة وبكى، ثم قال: صغار قوم كبار قوم آخرين. إن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى أعرفكم به، فعليكم بمعرفته والاتكال عليه فإنه من توكل على الله فهو حسبه (الأبشيهي: "المستطرف في كل فن مستطرف"، ص 76 – 77).
وذكر إلى الرشيد أن بدمشق رجلاً من بني أمية عظيم المال والجاه كثير الخيل والجند، يخشى على المملكة منه، وكان الرشيد يومئذ بالكوفة. قال منارة خادم الرشيد:
فاستدعاني الرشيد وقال: اركب الساعة إلى دمشق وخذ معك مئة غلام وائتني بفلان الأموي، وهذا كتابي إلى العامل لا توصله له إلا إذا امتنع عليك، فإذا أجاب فقيّده وعادله بعد أن تحصي جميع ما تراه وما يتكلم به، واذكر لي حاله ومآله، وقد أجلتك لذهابك ستا، ولمجيئك ستا، ولإقامتك يوما، أفهمت؟ قلت: نعم. قال: فسر على بركة الله، فخرجت أطوي المنازل ليلا ونهارا لا أنزل إلا للصلاة أو لقضاء حاجة حتى وصلت ليلة السابع باب دمشق، فلما فتح الباب دخلت قاصدا نحو دار الأموي، فإذا هي دار عظيمة هائلة، ونعمة طائلة، وخدم وحشم، وهيبة ظاهرة، وحشمة وافرة، ومصاطب متسعة، وغلمان فيها جلوس، فهجمت على الدار بغير إذن، فبهتوا وسألوا عني، فقيل لهم: إن هذا رسول أمير المؤمنين، فلما أصبحت في منتصف الدار رأيت أناساً فاضلين، فظننت أن المنشود فيهم، فسألت عنه، فقيل لي: هو في الحمام، فأكرموني، وأجلسوني، وأمروا بمن معي ومن صحبني إلى مكان آخر، وأنا اتفقد الدار، وأتأمل الأحوال، حتى أقبل الرجل من الحمام ومعه جماعة كثيرة من كهول وشبان وحفدة وغلمان، فسلم عليّ وسألني عن أمير المؤمنين، فأخبرته وأنه بعافية، فحمد الله تعالى، ثم أحضرت له أطباق الفاكهة فقال: تقدم يا منارة كل معنا، فتأملت تأملاً كثيراً إذ لم يكنني، فقلت: ما آكل، فلم يعاودني (الأبشيهي: "المستطرف في كل فن مستطرف"، ص 77).
ورأيت ما لم أره إلا في دار الخلافة، ثم قدم الطعام، فو الله ما رأيت أحسن ترتيباً، ولا أطيب رائحة، ولا أكثر آنية منه، فقال: تقدم يا منارة، فكل. قلت: ليس لي به حاجة، فلم يعاودني.
ونظرت إلى أصحابي فلم أجد أحداً منهم عندي، فاحترا لكثرة حفدته، وعدم من عندي، فلما غسل يديه أحضر له البخور فتبخر، ثم قام فصلى الظهر، فأتم الركوع والسجود، وأكثر من الركوع بعدها، فلما فرغ استقبلني وقال: ما أقدمك يا منارة؟ (الأبشيهي: "المستطرف في كل فن مستطرف"، ص 77 – 78).
فناولته كتاب أمير المؤمنين، فقبله ووضعه على رأسه، ثم فتحه وقرأه، فلما فرغ من قراءته استدعى جميع بنيه وخواص أصحابه وغلمانه وسائر عياله، فضاقت الدار بهم على سعتها، فطار عقلي، وما شككت أنه يريد القبض عليّ، فقال: الطلاق يلزمه والحج والعتق والصدقة، وسائر أيمان البيعة لا يجتمع منكم اثنان في مكان واحد حتى ينكشف أمره، ثم أوصاهم على الحريم ثم استقبلني وقدم رجليه وقال: هات يا منارة قيودك، فدعوت الحداد فقيده وحمل حتى وضع في المحمل وركبت معه في المحمل، وسرنا، فلما صرنا في ظاهر دمشق ابتدأ يحدثني بانبساط ويقول: هذه الضيعة لي تعمل في كل سنة بكذا وكذا، وهذا البستان لي وفيه من غرائب الأشجار وطيب الثمار كذا وكذا، وهذه المزارع يحصل لي منها كل سنة كذا وكذا، فقلت: يا هذا ألست تعلم أن أمير المؤمنين أهمّه أمرك حتى أنفذني خلفك وهو بالكوفة ينتظرك، وأنت ذاهب إليه ما تدري ما تقدم عليه، وقد أخرجتك من منزلك ومن بين أهلك ونعمتك وحيدا فريدا، وأنت تحدثني حديثا غير مفيد ولا نافع لك ولا سألتك عنه، وكان شغلك بنفسك أولى بك: (الأبشيهي: "المستطرف في كل فن مستطرف"، ص 78).
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد أخطأت فراستي فيك يا منارة ما ظننت أنك عند الخليفة بهذه المكانة إلا لوفور عقلك، فإذا أنت جاهل عامي لا تصلح لمخاطبة الخلفاء، أما خروجي على ما ذكرت فإني على ثقة من ربي الذي بيده ناصيتي وناصية أمير المؤمنين، فهو لا يضر ولا ينفع إلا بمشيئة الله تعالى، فإن كان قد قضي علي بأمر فلا حيلة لي بدفعه ولا قدرة لي على منعه، وإن لم يكن قد قدر علي بشيء فلو اجتمع أمير المؤمنين وسائر من على وجه الأرض على أن يضروني لم يستطيعوا ذلك إلا بإذن الله تعالى، وما لي ذنب فأخاف، وإنما هذا واش وشى عند أمير المؤمنين ببهتان، وأمير المؤمنين كامل العقل، فإذا اطّلع على براءتي فهو لا يستحل مضرتي، وعلي عهد الله لا كلمتك بعدها إلا جواباً (الأبشيهي: "المستطرف في كل فن مستطرف"، ص 78).
ثم أعرض عني وتسارع إلى التلاوة وما زال كذلك حتى وصلنا الكوفة صباح اليوم الثالث عشر، وإذا النجب قد استقبلتنا من عند أمير المؤمنين تكشف عن أخبارنا، فلما دخلت على الرشيد قبلت الأرض، فقال: هات يا منارة أخبرني من يوم خروجك عني إلى يوم قدومك عليّ، فابتدأت أحدثه بأموري كلها مفصلة والغضب يظهر في وجهه، فلما انتهيت إلى جمعه لأولاده وغلمانه، وخواصه وضيق الدار بهم، ومعاينتي لأصحابي، فلم أجد منهم أحدا أسودّ وجهه، فلما ذكرت يمينه عليهم تلك الأيمان المغلظة تهلّل وجهه، فلما قلت إنه قدم رجليه أسفر وجهه واستبشر، فلما أخبرته بحديثي معه في ضياعه وبساتينه وما قلت له، وما قال لي فقال: هذا رجل محسود على نعمته، ومكذوب عليه، وقد أزعجناه وأرعبناه وشوشنا عليه وعلى أولاده وأهله، أخرج إليه، وانزع قيوده، وفكه وأدخله عليّ مكرماً، ففعلت، فلما دخل قبّل الأرض، فرحب به أمير المؤمنين وأجلسه، واعتذر إليه، فتكلم بكلام صحيح، فقال له أمير المؤمنين: سل حوائجك، فقال: سرعة رجوعي إلى بلدي وجمع شملي بأهلي وولدي قال: هذا كائن، فسل غيره؟ قال: عدل أمير المؤمنين في عماله ما أحوجني إلى سؤال. قال: فخلع عليه أمير المؤمنين، ثم قال: يا منارة اركب الساعة معه حتى ترده إلى المكان الذي أخذته منه. قم في حفظ الله وودائعه ورعايته ولا تقطع أخبارك عنا وحوائجك، فانظر حسن توكله على خالقه، فإنه من توكل عليه كفاه ومن دعاه لبّاه، ومن سأله منحه ما تمناه (الأبشيهي: "المستطرف في كل فن مستطرف"، ص 77 – 78).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا