الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عين الشهيد والدولة التي جارت علينا

محمد رسن

2020 / 9 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


كان يتجول في المدينة .. هو لا يعلم كم مرّ من الوقت على رحيله .. كان يمني نفسه ان يجد المدينة تغيرت ودروب الحرية تعبدت وغاب عنها الظلام وتزينت اقمارها بدماء التضحيات لم يعد هناك متظاهرون أو ظلم يسير في دروبها على رؤوس بشرية فاغرة افواهها نحو بحر اسود من الخراب ، راح يحدث نفسه .. ما بالها بلاد مابين النارين، تشهد منذ فترة طويلة من الحزن، قيامة أرضية أفقدت شعبها الشعور بغدهم المشرق، ولماذا تلفهم الوحشة الكونية مصاحبة بكآبة حادة على مدار حياتهم الجحيمية المكللة بالفقدانات المتكررة، والجروح البليغة حد النحيب، حد القصيدة المكلومة، حتى لم يبق مكان في جسد هذا الوطن إلا واصابه الكرب، أثر الطعنات الطازجة من أبناء جلدته، الغريب في الأمر لم يفكروا أبناء اللوعة المؤبدة المصابون بشؤون وشجوون العباد والبلاد بغلق الأبواب وراءهم ، حتى وبعد ان تدثرت اجسادهم بالتراب، فالرعب أخذ يلف أعناق أبناء الليل في معسكرات القتلة بتعويذة الأحرار( نريد وطن) وطن ترفرف في سماءه رايات الحب والسلام والوئام، وطن نظيف خالي من المتسخين الأوغاد، مدركين انهم الشهداء القادمون من أجل حياة حرة كريمة للأجيال القادمة، آملين أن تغلق حنفيات الموت المجاني. علماً أن دروب الحرية لم تعبد بعد لأنها بحاجة الى المزيد من الرؤوس والأجساد للشهداء مثل الذين لقوا حتفهم برصاصات كاتم او قناص مستورد من دولة جارّة علينا وليست جارة إلينا، الدروب للآن تريد المزيد،الخوف يتلبس الأوباش من وقت تمدد هذه الدروب صيفاً خوفاً من خروج أبناء تشرين من فراغاتها، إذ هكذا يفكر البرابرة أمام الحقيقة الكبرى التي صدقها العدو ومن هم بأرباع العقول، ان التشرينيين وحدهم من رمم الفراغات والتشوهات التي أحدثها الغرباء ، الشهداء وهم تحت التراب لايهدأ لهم بال، ولايخفت نورهم فهم يرون من خلال الثقوب التي احدثها القناص في أجسادهم، ويتفقدون من خلالها ابنائهم وهم على دراية فيما إذا مازالت ترسانة الظلم الاجتماعي تتناهب ابناءهم، ويعلمون ان القناصين مازالوا يبحثون عن رؤوسهم، وانهم يترقبون الشرذمة التي جاءت بهم المصادفة السيئة من الأرصفة المنسية في سوريا وارست بهم في وكر الذئاب - المنطقة الخضراء - الشهداء يتجولون في نهارات بغداد وأماسيها كي يُطمئنوا قلوبهم الحارسة، إن كان دخان القنابل المسيلة للدموع يخنقها، هم يتجولون في الناصرية ليروا ان كانت لا زالت بحاجة للتبرع بالهواء! وهل يبس مستنقع السلطة الآسن وهل اسدل الستار على جيفة احزابها ونتانتهم ... فجأة انقطعت تساؤلات الشهداء بعد أن تعددت فأنصتوا مشدوهين اثر سماع صوت سيارة اسعاف محملة بجثث شباب مغدورين يرددون ترنيمتهم الخالدة نريد وطن .. ترى من هم اولئك الشباب؟ الذين لمحتهم عين الشهيد متوجهين من اقصى المدينة تحملهم سيارة تلتهم الطريق وتتجه نحو قلب المدينة كالنمر الجريح يقودها رجل منذهل الملامح ويتعلق على جنباتها فتية اشداء مهمتهم ايواء الموتى في منازل التراب، كانوا يترقبون الطرقات ويطالعونها بعد ان تلاشت معالمها تحت طائلة الانكسارات .. ظلت التساؤلات تجوب قلب الشهيد في زيارته تلك وهو ينظر السرعة الهائلة التي لفظتها تلك السيارة ويخيل اليه انها جاءت من خارج المدينة فمدينته مسالمة وليس فيها من يقتل غدرا ؟! ثم يقول ربما هي من احدى ضواحي المدينة وربما هبطت من السماء كما خيل اليه ،فكان لزاما عليه ان يكرر صرخته التي صرخها حين تلقى حتفه لكنها بصوت اقوى هذه المرة علّه ينبه الناس المنشغلين بالتطاحن فيما بينهم على لا شيء، إلا ان الوقت لم يمهله فقد تأخر كثيرا والسيارة الغريبة راحت تندفع بقوة الى الشوارع المكتظة، مخلفة وراءها اعدادا كبيرة من المسوخ، بينما فرّ الاخرون باتجاه الازقة والاسواق والمقاهي التي اصبحت ترسانات من اجسام مخدرة باللامبالاة، مسكونة بالخوف، ضاجة بتخمة ليفعل غيري ما يشاء لست مسؤولا .. تراكمت التساؤلات ولم تأبه بصرخة الشهيد الزائر .. الشهيد الذي هو وحده يعرف كيف يجيب عن كل ذلك ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا