الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!...خاطرة / عن حسن سريع ..وقطار الموت

هادي فريد التكريتي

2006 / 7 / 4
أوراق كتبت في وعن السجن


تحصيل حاصل إن قلت ، إن ما يعاني منه الشعب العراقي ، في الوقت الحاضر ، من جرائم قتل وموت بالجملة ، هو حصيلة لجريمة فاشية بشعة ، تمثلت في نجاح تحالف حزب البعث الفاشي العراقي ، والقوميين العرب ، مع المخابرات الأمريكية ، وشركات النفط ، في 8 شباط الأسود من عام 1963 ، لإسقاط النظام الجمهوري ، على الرغم من المقاومة الباسلة التي أبداها الشارع الوطني ، وتخلي الحكم عن الجماهير ، بعدم مدها بالسلاح للدفاع عن وجودها ، وعن المكتسبات التي حققتها الثورة لهذه الجماهير .
سقط نظام الحكم ، إلا أن الجماهير الشعبية ، رغم كل ما خسرته من قيادة وكوادر مجربة ، لم تهزم وبقيت روح المقاومة تسري كالنار تحت الرماد . السجون والمواقف المدنية غصت بالمقاومين الموقوفين ، أعدادهم كانت تثير الرعب في أفئدة الحرس القومي الفاشي وقياداته ، لذا كانت التصفيات الجسدية للموقوفين ، في النوادي الرياضية ومراكز الشرطة ، حمامات دم أخرى ، نفذتها بوحشية ، لا وصف لها ، قيادة الانقلاب الفاشية ، إضافة للمجزرة التي حصلت صبيحة يوم تنفيذ الإنقلاب . أما ما كان يجري في المواقف والسجون العسكرية ، فحدث ولا حرج ، فالفاشست اقتادوا الموقوفين ، من زنازينهم ، ليلا ، ومن بين رفاقهم واصدقائهم ، " للمواجهة " أو " للتحقيق " إلا أنهم لم يعودوا لمواقفهم مرة أخرى إلى " سجن رقم 1 العسكري " أو إلى " معسكر الهندسة " ، عندما كان يلعلع صوت الرصاص فجرا" ، " من ميادين الرمي في " معسكر الرشيد " ، مخترقا أجساد الضحايا الشهداء . هؤلاء الشهداء كثر ، يصعب عليً ذكر كل أسمائهم ، فالذاكرة عطلتها سنوات المنفى والقهر , وإن إنحفرت أسماء البعض منهم في عمق الذاكرة والوجدان ، أمثال العقيد خضر حسين الدوري ، عضو محكمة الشعب ، والملازمين المدفعيين المقاومين ، من وحدات مدفعية الفرقة الثالثة في معسكر سعد/ بغقوبة ، صلاح ، ومجيد ، فهم عنوان شجاعة وصمود ، لكل من تلقى الرصاص بصدره وهو يهتف بحياة الشعب . ومسؤولية حفظ أسمائهم وتخليد ذكراهم ، هي مسؤولية الأحزاب والقوى السياسية التي انتمى إليها هؤلاء الشهداء الأبطال ، وبالذات الحزب الشيوعي العراقي ، لأن اغلبهم من عناصره وأصدقائه الذين لبوا نداء المقاومة ..!
صمود الموقوفين ، العسكريين والمدنيين ، في أماكن اعتقالهم مَثل موقفا" متحديا" ، للإنقلابيين الفاشست ، أثار في الشارع العراقي الوطني ، موقفا متضامنا مع المعتقلين ، وخصوصا موقف ضباط الصف والجنود الوطنيين ، الذين كانوا بتماس مباشر مع المعتقلين ، ومع قادة الانقلاب ، بحكم كونهم كوادر لقيادة الدبابات المستخدمة للتنقل إلى / من مقرات المسؤولين ، وإلى بقية المراكز الحيوية الأخرى ، وهم يلاحظون المعاملة المشينة التي كان يمارسها الانقلابيون ضد المعتقلين الوطنيين ، المعروفين بوطنيتهم وإخلاصهم ، وانحيازهم للجندي وضابط الصف في تحسين أمور حياته العسكرية والاجتماعية . بفترة قصيرة تشكلت ، وأُعيد تشكيل ، تنظيمات عسكرية ، ومراكز انقلابية متعددة ، ومنفصلة عن بعضها ، للإطاحة بقادة شباط الأسود وحكومتهم ، وبمبادرة شجاعة وغير مسبوقة ، أقدم عليها في 3 تموز 1963 العريف " الوطني " حسن سريع ، كادت أن تعصف بالنظام ، وهو يحمل على دبابته الرؤوس العفنة ، متوجها بها إلى " سجن رقم واحد " لإبدالهم بمن فيه من الوطنيين ، لولا " لمسات ومشاعر إنسانية " ما كان يعرفها جبناء 8 شباط ، كان يتحلى بها هذا القائد ، حالت دون تنفيذ ما صمم عليه ، وبالمقابل أدت إلى فشل انتفاضته ، ليكون رأسه ورؤوس رفاقه ثمنا لأحاسيس نبيلة ، يفتقر إليها َمنْ حاكموه ورفاقه ، الذين حكموا على الجميع بالإعدام رميا بالرصاص لينفذ بالحال ..
انتفاضة معسكر الرشيد ، الموسومة باسم قائدها ، العريف حسن سريع ، كان هدفها ، "سجن رقم واحد " العسكري لتحرير أكبر تجمع عسكري ـ مدني ، قادر على قيادة السلطة الجديدة ، وهذا ما كان الانقلابيون غافلون عنه ، وبفشلها تنبه قادة "شباط الأسود " أن كيانهم مهدد بالسقوط ، في كل لحظة ، طالما تحتضن العاصمة في قلبها أكبر تجمع للكوادر العسكرية في" معسكر الرشيد " وبداخل هذا المعسكر في " سجن رقم واحد " تربض قيادات ورتب عسكرية تحضى باحترام وتأييد قطاعات واسعة من الجيش ، لم يحسم ولاؤها للإنقلابيين ، وهذا ما قرروا أن يحتاطوا ويستبعدوا خطره ....
عندما وصلت دبابات الانتفاضة باب السجن ليلا ، وامتزج هديرها بلعلعة الرصاص ، اختلط الأمر على كل من في داخل هذا السجن ، فقائد السجن ، الرائد حازم الصباغ ، الملقب بالأحمر ، كان واحدا من أحقر الجلادين الفاشست الجبناء ، انتحر في الحال ، لاعتقاده أن الشيوعيين قادمون ، وهو فقط من كان يعرف كيف كان يتعامل معهم ، بكل خسة ، وجبن ونذالة ، لذلك فضل إلا يقع بأيديهم ويسومونه سوء العذاب ، والمعتقلون خلف قضبان زنازينهم الحديدية ، لا يسمعون سوى صوت الدبابات ولغط الجنود وأزيز الرصاص ، طيلة الليل ، وكل النهار بعد فشل الإنتفاضة ، لم يقترب أحد ما منهم ، ولم تفتح أبواب زنزانات المجموعات ، دون ماء أو زاد .أدرك جميع الموقوفين داخل هذا السجن ، نتيجة لهذه الإجراءات المتشددة ضدهم ، أن ما كانوا قد وعدوا به ، وما كان يصلهم من أخبار أثناء المواجهات العائلية ، من أن ساعة الخلاص آتية ، قد تلاشى وتبدد ، ولم يكن هناك من يعرف حقيقة ما يجري ، بعد أن اسُتبعدت كل طواقم الحراسة القديمة . الكل يحلل ويتكهن ، دون خبر يقطع الشك باليقين ، بعد غروب شمس الثالث من تموز ، تجمهرت كتل ، لم يرها المعتقلون من قبل ، يقال عنها بشرية ، مكفهرة الوجوه ، غائرة العيون ، لا ينطق لها لسان ، بغير كلمات حقيرة وبائسة ، أخرجوا كل مجموعات المعتقلين من زنازينهم ، تحت التهديد والوعيد والضرب بالعصي على الرؤوس والأعناق ، وفي صف طويل ، توجهوا بهم إلى سيارات حمل عسكرية ، بعد أن أوثقوا يد كل معتقل بيد رفيق له ، وعصبوا العيون بقماش اسود ، وكل من يسأل إلى أين ؟ تنهال عليه عصي غليظة من أيادي قوم أجلاف ، لاضمير ولا شرف ولا كرامة لهم ، يتساءل المعتقلون همسا" فيما بينهم إلى أين ؟ الجواب كان واحدا" : ربما إلى ميدان الرمي للإعدام .، .الرعب هو المسيطر على الموقف ، حتى تلك الوحوش الكاسرة كانت مرعوبة وخائفة ، أي بادرة أو إشارة من المعتقلين ُتفهم خطأ" منهم ، تؤدي إلى كارثة ، فسلاحهم يرتجف بين أياٍد قلقة ومضطربة ، والإصبع على الزناد ..! تحركت القافلة ، وبعد مسير ليس طويلا ، توقفت السيارات في مدخل محطة البصرة ، تنفس المعتقلون الصعداء ، إذن ليس إلى ميدان الرمي ، إنما لعربات حمل جديدة ، لا تصلح لنقل الحيوانات ، ُحشر في كل عربة أربعون معتقلا ، على أقل تقدير ، ومن داخلها فاحت رائحة غازات سامة تثير الغثيان ، نتيجة لحرارة شمس تموز اللاهبة وتفاعلها مع مواد نفطية طليت بها قاع وجدران عربات القطارفي وقت سابق ، دقائق معدودة وتلاشت حاسة الشم عند الجميع ، كما هي حاسة النظر ، حيث أغلقت على الجميع رتاجات هذه الحاويات ، لينطلق بهم قطار ، أطلق عليه لاحقا ، " قطار الموت " لأن نتائجه كانت مدروسة بشكل دقيق ، من قبل القيادة الفاشية ، من أن الحمولة ( من المعتقلين ضحايا البعثفاشي )لا يمكنها بالمطلق ، مقاومة السموم المستنشقة ، المنبعثة من داخل الحاويات المحكمة الغلق ، التي ستشعلها حرارة شمس تموز بعد فترة وجيزة من شروقها ، لم يخطر ببال هتلر ونظامه محرقة متنقلة ك " قطار الموت " هذا ، ولم يكن هو ونظامه فقط من استخدم محارق الغاز ضد مواطنيه ، فالعراقيون عرفوا محارق غاز متطورة ومتنقلة ، على عهد نظام البعثفاشي ، إلا أن ضحايا هذه المحرقة عاش أغلبهم ، ليشهدوا على المجرم وجريمته ، وهم يروون أحداث انتفاضة ، قادها عريف عراقي وطني وشهم ، اسمه " حسن سريع " فشلت انتفاضة قادها ، بسبب إنسانية ومشاعر هذاالقائد ، وسيصف الأحياء لأحفادهم مشاعرهم وأحاسيسهم ، ليس مدة التوقيف أو السجن ، ولكن فقط مسار ليلتين عاشوها في رعب لا مثيل ، له إحداها في ليلة الانتفاضة ، في زنازين " سجن رقم واحد العسكري " والأخرى في قاع " قطار الموت " الملوث .
ستقرأ الأجيال القادمة بتمعن ، ما سجله تاريخ العراق المعاصر من مآس ، لسيرة نظام فاشي ، انطلق في 8 شباط 1963 ، ولم يتوقف حتى اليوم التاسع من نيسان 2003، لتكنسه وقيادته ، نفس القوة التي جاءت به، إلى مزبلة قذرة ، لا زال هو وأعوانه يعيشون هوانها بذلهم وعارهم ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: المجاعة تخيّم على غزة رغم عودة مخابز للعمل.. وانتظار ل


.. مع مادورو أكثر | المحكمة الدولية لحقوق الإنسان تطالب برفع ال




.. أزمات عديدة يعيشها -الداخل الإسرائيلي- قد تُجبر نتنياهو على


.. وسط الحرب.. حفل زفاف جماعي بخيام النازحين في غزة




.. مظاهرة وسط تونس تدعو لإجلاء المهاجرين من دول جنوب الصحراء