الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمصلحة من إثارة الهرطقات الطائفية ؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2020 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


لا نبالغ كثيرا إذا قلنا أن إثارة الأحقاد والضغائن والعنعنات الطائفية بين ابناء البلد الواحد , يمكن أن تكون أخطر ما يمكن أن يواجهه أي بلد من البلدان حاضرا ومستقبلا , ذلك أنها تفضي دائما إلى الإحتراب الداخلي وسفك الدماء وإنتهاك الحرمات وهدر الكرامات وتبديد الثروات وتمزيق البلد الواحد الآمن المستقر شذر مذر, وتكون منفذا مناسبا لمداخلات الدول الأجنبية بشؤون تلك البلدان والعبث بأمنها ونهب ثرواتها . تسعى بعض الدول الأجنبية بكل الوسائل لتأجيج الفتن الطائفية في البلدان الأخرى كلما وجدت لذلك سبيلا , وهذه سياسة إستعمارية خبيثة معروفة مارستها الدول الإستعمارية بدهاء في بلدان كثيرة , لعل أبرزها ما مارسته بريطانيا في شبه القارة الهندية التي مزقتها الصراعات الطائفية إلى ثلاث دول هي الهند والباكستان وبنغلادش,,حيث شهدت شبه القارة الهندية حروبا طائفية طاحنة بين المسلمين والهندوس لا معنى لها على مدى عقود منصرمة ,أدت بنهاية المطاف إلى تقسيمها إلى ثلاثة دول هي : جمهورية الهند ذات الأغلبية الهندوسية ,وكل من الباكستان وبنغلادش ذات الأغلبية الإسلامية . شهدت هذه البلدان أكبر موجة نزوح سكاني عرفته البشرية من منطقة إلى أخرى بحثا عن ملاذات آمنة بحسب إنتماءاتها الطائفية .
وبرغم ذلك ما زالت العلاقات بين هذه البلدان تشهد توترات بين الحين والآخر , حبث شهدت الهند والباكستان أكثر من ثلاثة حروب على مدى العقود المنصرمة راح ضحيتها آلاف الأرواح , ودفعت كل من الهند والباكستان إلى سباق تسلح رهيب وإمتلاك كل منهما السلاح النووي والصواريخ بعيدة المدى القادرة على حمل الرؤوس النووية , التي تكفي لتدمير كل منهما الآخر بلمحة بصر.أي أن التقسيم الطائفي لم يفض إلى سلام دائم كما كان يروج له دعاة الفتن الطائفية , بل العكس من ذلك تماما إذ جعل كل منهما نقطة صراع وتوتر دائم .وهناك أمثلة أخرى كثيرة لا مجال هنا للخوض بتفصيلاتها , أبرزها الصراع الصهيوني الفلسطيني بين الفلسطينيين العرب سكان فلسطين الأصليين واليهود المستوطنيين في فلسطين القادمين من بلدان العالم المختلفة, تنفيذا لوعد بلفور البريطاني عام 1917 الذي أدى بنهاية المطاف إلى ضياع كل فلسطين لصالح الصهيونية وتشريد أهلها العرب الأصليين , وقيام ما يعرف بدولة أسرائيل التي يصر قادتها على يهوديتها الخالصة من منطلقات عنصرية , بدلا من العيش المشترك لجميع سكان فلسطين العرب واليهود على أساس المواطنة والمساواة . وكذا الحال في قبرص التي قسمت على أساس عرقي بين سكانها الأتراك الذين تدعمهم تركيا واليونانيون الذين تدعمهم اليونان ومعظم دول العالم. وكذا الحال بالنسبة ليوغوسلافيا التي تشرذمت إلى عدة دول , والسودان التي مزقتها الحرب الطائفية إلى دولتين شمالية وجنوبية , وما زالت كل منهما تشهد صراعات أثنية وقبلية , وأندونيسيا ألتي إنفصلت عنها لأسباب طائفية تيمور الشرقية لتصبح دولة قائمة بذاتها .
من ذلك نخلص إلى حقيقة : أن الحفاظ على وحدة كل بلد أمانة في أعناق سكانه , على الجميع تحمل مسؤولياتهم بالحفاظ على وحدة أوطانهم ونبذ كل أشكال التفرقة والتشرذم التي لن يستفيد أحد ,وقد تؤدي إلى ضياع بلدانهم إلى الأبد .
أن ما دعاني للحديث بهذا الموضوع هو ما تتناقله وسائل التواصل الإجتماعي بين الحين والآخر,من أحاديث متنوعة فجة بالصوت والصورة , تسفه فيها معتقدات الآخرين وتشوهها بصورة مقززة دون التأكد من صحة مصادرها , مما يدعوني للتساءل أما كان الأجدر بهؤلاء القوم التأكد من صحتها وصدقية مصادرها قبل أن يجعلوا من أنفسهم وسطا ناقلا لها ؟ , وذلك تجسيدا لقول الله تعالى في سورة الحجرات :
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ. صدق الله العظيم.
أو أليس من حقنا هنا أن نتساءل لمصلحة من إثارة هذا الكم الهائل من الأحقاد والكراهية والضغائن بين الناس ؟ , وكأن لا هم للمواطن الذي يعاني اليوم الأمرين في عراق ممزق تنهشه ضباع الفساد ومافيات الجريمة المنظمة والعصابات والجماعات الإرهابية والأفاكين اكلي المال السحت الحرام , سوى الخوض بمواضيع طائفية لا تقدم ولا تأخر شيئا لقضية العراق المذبوح من الوريد إلى الوريد. أما كان الأجدر بهؤلاء الذين يتباكون على العراق من منطلقات طائفية , توجيه أقلامهم لتسليط الضوء على ما يتعرض له العراق وطنا وشعبا من مفاسد ومظالم وضياع, من قبل سماسرة السياسة ممن رهنوا أنفسهم لخدمة الأجنبي مقابل جنيهم المال السحت الحرام ,دون مراعاة لذمة أو واعز من ضمير , ويعرف الجميع أن هؤلاء الساسة لا ينحدرون من قومية أو منطقة معينة أو دين أو طائفة بعينها ,كما يحاول أن يوحي بذلك بعض مروجي الخطابات الطائفية المقيتة زورا وبهتانا . والغريب أن هذه الخطابات الطائفية تروج من بعض شخصيات كانت تحسب حتى وقت قريب على التيارات القومية أوالوطنية اللبرالية المعتدلة , شخصيات مثقفة ولنقل متعلمة في الأقل ويفترض أنها واعية ومدركة لما يمكن أن يتسبب نشرها ,بدق أسفين بين أبناء الوطن الواحد, ويخدم أعداء الوطن والدين.
لا ينحصر دعاة الطائفية بدين معين أو طائفة معينة , بل بات اليوم شاملا لأمعات من مختلف الأديان والطوائف , لا يجمعهم جامع سوى الحقد على كل ما يمكن أن يلم شمل الأمة ويضمد جراحها , والعيش الكريم في عراق آمن ومستقر. كما نقول أنه سوف لن يجني من يبحث عن مثالب العادات والطقوس المنسوبة للأديان والطوائف التي تختلط فيها التقاليد الإجتماعية المتوارثة والمصالح والغايات التي قد يكون بعضها سياسيا وقد يكون إجتماعيا أو غير ذلك , وقد لا يكون للكثير منها أية صلة بأساسيات الأديان والعقائد , منها على سبيل المثال التطبير في العاشر من محرم الذي يمارسه بعض الشيعة في العاشر من محرم على الرغم من تحريمه جهارا من قبل كبار مراجع الشيعة وفقهائهم . ولا يختلف التطبير الذي يمارسه بعض أتباع الطائفةالشيعية عن الدرباشة التي يمارسها بعض أتباع الطائفة السنية, وهي إحدى المظاهر الطقسية لجلسات الذكر التي يقوم بها شيوخ الطريقة من المتصوفين، حيث يتخلل تلك الجلسات استعراضات تتضمن غرس سيخ معدني (شيش) أو أداة حادة في جسد "الُمريد" أو وجهه. وقد يتخلل تلك الجلسات أيضاً القفز على الجمر أو أكل الثعابين وهي حية. كما تمارس الدرباشة من قبل بعض الهندوس. وهناك حالات أخرى مماثلة في ديانات وطوائف مختلفة لا حاجة هنا لنا لخوضها.
أن ما أردنا قوله هنا أن لكل أتباع الديانات والطوائف والمذاهب المختلفة طقوسا وعادات متوارثة يؤدونها في مواسم معينة , وهم أحرار بذلك طالما أنهم لا يعكرون صفو حياة الناس الآخرين أو يهددون أمنهم وإستقرارهم أو تعطيل أعمالهم أو إلحاق الأذى بأي منهم , ولكن ذلك لا يمنع من إبداء الرأي والنصيحة بشأن أية ظاهرة إجتماعية أو دينية أو سياسية , ذلك أننا نعيش في مجتمع واحد نؤثر فيه ونتأثر به , بشرط أن يتم إبداء الرأي بكل أدب وموضوعية وإحترام عقائد الآخرين ,والإبتعاد عن الإساءة والتجريح والتهكم والسخرية من تلك الممارسات , وذلك من منطلق التعايش السلمي بين الناس على أساس أن لكم دينكم ولنا دين , وأن تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة .
وفي الختام نقول أن في العراق ما يكفيه من مصائب وويلات , فليتق دعاة الفتن الطائفية الله في خلقه بالكف عن نبش الأحقاد والضغائن الطائفية وهرطقاتها , ويسعوا لتضميد جراح العراق بدلا تعميقها , فالكلمة الطيبة صدقة . والله من وراء القصد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر