الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يوميات الحصار في نابلس

ريما كتانة نزال

2006 / 7 / 4
القضية الفلسطينية


يعرف وليد الشحروري المحاصر في المقبرة العتيقة لنابلس أن لا أمل يرتجى له، فقد حاصر الاحتلال المقبرة من الجهات الأربع، فقرر بوعي عفوي الخروج من مساحة الطرائد؛ إلى فضاء يكون به شهيدا أو أسيرا؛ وابن الستة عشرة عاما في المقاييس الفلسطينية يصبح شيخا مجربا لحرق المراحل الذي يعيشه أطفالنا؛ عرف أن موازين القوة لا تخدمه؛ ففي الوقت الذي يملك فيه قراره المستقل وبندقيته التي تفوق قامته طولا؛ فإن عدوه الذي يحاصره؛ يحرك الدبابات والروبوت المجنزر والآلات البلدوزرية والأسلحة والعتاد من علبته المصفحة، وفي المشهد النابلسي الفريد كان وليد وحيدا مع بندقيته والقبور الأليفة في كفّة؛ ومائتي مدجج مع كل أبهتهم الحديدية والرادارية وكلابهم المسعورة في كفة أخرى؛ وبحسبة بسيطة تخيلها وليد وهو متكئ على شاهد لشهيد؛ استحضر ميزان قوة جديد؛ يقوم على خيال منسوج بإرادة الشباب.
ينطلق وليد بفكرته الصغيرة إلى إطالة أمد المعركة؛ يضع سيناريو لمشهد من بطولته؛ لا يشرك أحدا فيه، ويحسب تكلفته المادية والمعنوية؛ ليجد وفقا لحسبته أنه الرابح لا محالة؛ فعلى صعيد قيم المقاومة سيحرز كسبا يعيد الاعتبار لمعانيها، ويلمع البندقية ويرفع الصدأ عنها، وفي حساب آخر فهو ينتقم لكل رفاقه بإلحاق العار بأرتال الاحتلال، بكل بساطة وضع ميزان الأرباح والخسائر.
نابلس تقف على رؤوس قدميها، يتحرك جبلاها من مكانهما للإحاطة بالمقبرة سياجا حاميا لابن البلد، والناس تحولوا بقلوبهم اتجاه المكان؛ في نبض واحد يدق بنشيد نابلس العتيق، يتابعون في دهشة أرواح أمواتهم الصاعدة من قبورها لمراقبة مشهد الملائكة تحمي البطولة، وتراقب قفزات وليد العابثة وهو ينفذ خطته بقوة واقتدار، يطلق زخة غضب مرة باسم الشهداء، لينتقل الى شاهد آخر ويرمي حجرا باسم جوعى الحصار، وآخر من أجل صمودغزة وجراحها، وزخة لكرامة الأسرى، وتنتهي ذخيرته بوابل من الرصاص الماطر من أجل سبات العرب وهدوء بالهم.
تمضي عشرون ساعة ووليد يلاعب المصفحين والمعلبين، يمضي الوقت سريعا ودمه يندلق من جرحه بسخاء، يراجع خطته ويدرك بأن رسالته قد وصلت، فقد أبلغت غزة بأن رصاصة تخدم بعدها السياسي خير من صاروخ يذهب كيفما اتفق؛ وبأن الإرادة الحرة جزء من معركة صراع الإرادات؛ وبأن الناس عطشى لفعل نضالي يرمم ما لحق بالهدف من ضياع وبعثرة.
يقيّم وليد الوضع ويقرر؛ يخاطب الفتى الشهداء بأن اللعبة قد انتهت، وبأن الوقت قد حان لتغيير المشهد، يطلب السماح من أمه لاستخدام الاحتلال لعاطفتها للضغط عليه، يتوجه إلى الأموات بالاعتذار عن إزعاج تسبب به شاكرا لهم صمتهم.
وليد يتأمل وجه المدينة؛ ويلف جسده العاري بأثواب الغار بعد أن لقن محاصريه الدرس، ويستكمل المشهد الأخير بتحديد ساعة اعتقاله؛ ويتوجه الى سجنه في لحظة قررها كما يشاء، وكانت قامته قد طالت وارتفعت عن كل القامات.
وتتنفس نابلس الصعداء لبقاء وليد على قيد الحياة، وتطوي صفحة يومها الطويل؛ وتخلد إلى النوم مع موعد يتجدد ليوميات مدينة مع الاحتلال، وتنتظر مفاجآت مطر الصيف المتدحرج من فوهة مفتوحة على جهنم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً