الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هو تمهيد فلسطيني للخروج من المقاربة الاخلاقية؟

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2020 / 9 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


قد يكون من بين اهم ما تضمنه البيان الصادر عن اجتماع قادة الفصائل الفلسطينية الخميس الماضي هو ما وصف بمناقشة قواعد الاشتباك مع الاحتلال، وتفعيل العاملين الإقليمي والدولي الى الحد الذي لا يستوجب معه التوقف امام ما جاء به حول التوافق على وسائل مواجهة الاحتلال بكل الوسائل التي تكفلها المواثيق الدولية لان ذلك سيكون احد مخرجات ما ستتمخض عنه طبيعة مراجعة قواعد الاشتباك في سياق تشخيص دقيق لاتجاهات وآليات تفاعلات هذين العاملين، فهل يمكن ان يتم ذلك في اطار رؤية تمهد للخروج من نطاق المقاربة الاخلاقية؟.
وللتوقف امام ذلك واخذه على محمل الجد لا بد من التحوط عند قراءة المضمون الدلالي لهذا البيان، اذ يذهب المختصون في تحليل الخطاب للقول ان معنى النص خارج سياقه لا معنى له وان مبنىاه يحتل ما يتجاوز بكثير نصفه كمقام يسوّقه لدى العامة من المتلقين لتأخذهم الحماسة والتصفيق له ثم تبنيه.
وان كانت تلك احدى بديهيات محاولات فهم اي نص الى جانب شروط اخرى، فان ما قد يعفينا منها في محاولة الفهم هنا وبدرجة كبيرة من المجازفة الآمنة هو ان في النظرة الى الوراء لا نجد سوى تصلب متواصل ومتصاعد ابداه الرئيس محمود عباس وقادة الفصائل ليس فقط ضد محاولات ترامب تمرير صفقة القرن بل والعمل على الانفكاك من آليات ومرجعيات عملية السلام التي افرزتها اوسلو.
وقد بدا واضحا وتجلى اكثر هذا الصمود والتصعيد في الرفض لتوفير اي غطاء فلسطيني ولو بالصمت لتمرير اية محاولة دولية او اقليمية على غرار ما حاولته دولة الامارات لاستغلال جائحة كورونا للحصول ولو على ذلك الصمت، وتحمل الشعب الفلسطيني جراء ذلك العديد من المصاعب والحصار السياسي والاقتصادي طال قوته اليومي.
وهنا بغض النظر عما اذا كان ما تضمنه بيان قادة الفصائل لجهة مراجعة قواعد الاشتباك وتفعيل العاملين الاقليمي والدولي هو وعي جماعي لاستراتيجية تموقع وتحالف جديدة كان الرئيس عباس قد مهد لها بالتمرد على ادارة ترامب او تطويرا لها، فانه بات من المطلوب ان تترافق هذه الرؤية لكي تتحول الى آلية عمل مع تغييرات عميقة على مستويي الخطاب والاداء بكل ما يتطلبانه من شروط هيكلية وسياسية وفكرية.
فلم يعد خافيا الان ان النظام الدولي يمر بمرحلة انتقال يتصادم فيها القديم بالجديد الى حدود لا تُستبعد فيها بعض المواجهات العسكرية متعددة الاطراف والعابرة للحدود.
فالمختصون في العلوم السياسية والعلاقات الدولية يعرفون انه لا يمكن لاي نظام دولي جديد ان ينبثق من فراغ جغراسياسي او من نفس الترتيب الجيوسياسي القديم وان المنطق يقود للاعتراف باننا ازاء اعادة ترتيب جيوسياسي جديد تتوقف على عمقه طبيعة النظام الدولي القادم وشكل تفاعلات هياكله التي ستتسم في وقت لاحق بدرجة كبيرة من الاستقرار الى حين انقلاب جديد في مستويات واتجاهات القوة فيه.
والجديد في الصراع على قيادة النظام الدولي المتوقع انه لا يُنهي بشكل قاطع تركة نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية ويسقط الاعتبارات الايديولوجية والعقائدية الواهية فقط بل انه يأتي بين مكونات الفلك الاقرب لنواة معسكر نظام ما بعد الثنائية القطبية ليهدده بتفتت تدريجي لن تكون مختلف نتائجه الا في مصالحة القوى الجديدة التي لا معسكر لها اساسا بعد ان انفردت امريكا بقيادة النظام الدولي منذ اختفاء الاتحاد السوفييتي.
وهذا يؤشر الى احتمال توسع الانشغالات الامريكية على مستوى الصراع لقيادة النظام الدولي اذ سيكون الى جانب اهتمامها بالمواجهة المفتوحة مع الصين وروسيا وغيرهما من القوى الصاعدة فانها ستكون امام خيارات صعبة على صعيد انتقاء بعض حلفائها في المنظومة الجديدة والتخلي عن البعض الاخر.
يضاف الى ذلك، الانشغال بطبيعة وحجم المكانة التي ستتبوأها في تلك المنظومة حيث تتوقف في النهاية على حجم القوى الصاعدة وقدرتها على الاستمرار في الصراع لتحسين شروط تموقعها قبل ان يأخذ النظام القادم شكله النهائي.
في المقابل فانه قد تتوفر فرصة نادرة وغير مسبوقة في العلاقات الدولية من الحرية لدول وقوى الاطراف للاصطفاف بين قوى الصراع على قيادة النظام الدولي في النطاق الذي لا يشكل خرقا فادحا لرؤية الجيوبوليتكيين في التقسيم الجغرافي للعالم ما لم يكن محمولا على قوة تغيير قاهرة.
وهذه الفرصة لحرية الاصطفاف ستوفر بدورها قدرا كبيرا من المغايرة للتقاليد الكلاسيكية في بناء التحالفات الدولية قد يضعُف فيها العامل الجغرافي كنقطة ارتكاز او حسم في ظل التطور المتسارع في تكنولوجيات وسائل الاتصال الحديثة التي باتت تسمح بعلاقات عابرة للحدود والقيود.
ونفترض في هذا الاطار ان ما اشار اليه بيان قادة الفصائل الفلسطينية من ضرورة مناقشة قواعد الاشتباك وتفعيل العاملين الاقليمي والدولي يحمل في طياته الكثير من الفهم العميق لخصائص الصراع الراهن على قيادة النظام الدولي وما توفره من مرونة في تشكل هذه التحالفات الجديدة قد يؤسس لبدايات تحالفات من نوع اخر لم تتضح بعد حدودها ونوعيتها.
كذلك فانه من المستبعد ان لا يكون هناك ادراك اعمق لفهم الاستراتيجية الامريكية القائمة على محاولة التمسك بالقديم عبر القوى القديمة الاكثر قربا لطبيعة مشروعها وانها في هذا السياق لن تُخرج من حساباتها امكانيات التنازل عن بعض المفاصل الاخرى.
ان تفعيلا واقعيا ومجديا للبعدين الاقليمي والدولي لإعادة النظر في قواعد الاشتباك مع دولة الاحتلال الصهيوني يتطلب التدقيق في فاعلية الموقع الفلسطيني في شبكة تفاعلات النظام الدولي الراهن ومعرفة امكانيات التموقع في شبكة التفاعلات المنتظرة والاصطفاف الى جانب القوى التي تعتقد بفاعلية هذا التموقع واهميته.
لقد حان الوقت للخروج بالقضية الفلسطينية من نطاقها الاخلاقي حيث بات واضحا مدى التراجع الكبير للمقاربة المثالية في العلاقات الدولية خاصة في الآونة الاخيرة والدخول بها الى نطاق ومقاربات تبادل المصالح المشتركة.

هاني الروسان/ استاذ الاعلام والاتصال في الجامعة التونسية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال