الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدب المتدينين في إسرائيل و شيطنة الآخر

نائل الطوخي

2006 / 7 / 4
الادب والفن


تحكي الباحثة الإسرائيلية ياعيل شنكار عن تجربة شرائها لرواية من البائع للكاتبة راحيل فومرانتس بعنوان زهرة برية . يقترح البائع عليها أن تشتري بدلا منها رواية خطة في الأدراج لتسيبورا إدلار. يصر علي رأيه: خطة في الأدراج كتاب ممتاز. سيحقق أعلي المبيعات. و ينصح به الجمهور العلماني أيضا. إنه كتاب مثير جدا. هو ليس كتابا حريديا. هو شيء شبيه بما يكتبه رام أورن .
تزدهر منذ عقدين تقريبا في إسرائيل ظاهرة تعرف باسم أدب الحريديم. و هو الأدب الذي يكتبه أصوليون يهود تشكل غالبيتهم نسبة المستوطنين في الأراضي المحتلة, هم يعادون الصهيونية لأسباب أكثر يمينية, و متزمتون للغاية في الالتزام بالشريعة اليهودية. لهذا الأدب ملامح معينة: المتدينون هم دوما من سيخلصون العالم من شر يحيط به. لا يحتوي مشاكل اجتماعية أو نهايات سيئة. تقول راحيل فومرانتس، إحدي رموز هذا الأدب، في إحدي حواراتها، عن النهايات السعيدة لرواية لها: (هذه النهاية السعيدة_ و المشابهة لنهايات الروايات الحريدية الأخري التي تنتهي دوما بتوبة العلماني و عودته إلي حظيرة الشريعة اليهودية _ تتصل بأيدولوجيا, و هي أن ما فيه خير هو ما يجب أن يحصل). بجانب الأدب الحريدي الصرف يبرز أدب آخر, يكتبه حريديم أيضا، و لكنه، كما يقول صحفي إسرائيلي ساخرا ، حريدي لايت، أي خفيف، هو نوع الأدب الذي يكتبه رام أورن و حاييم جرينباوم، الأول هو أشهر كاتب إسرائيلي الآن و صاحب دار نشر كيشيت. تحقق رواياته أعلي المبيعات و ينتظرها القراء بلهفة بينما تهاجمه الصحف الأكثر جدية. يكتب رام أورن قصصا بوليسية مشوقة، فيها خطاب ديني و لكنه ليس ثقيلا. أما الثاني فهو صاحب رواية بعنوان الوصية والتي أثارت ضجة شديدة خلال الشهور الماضية، و طبعت في طبعتين، طبعة للجمهور الحريدي بيعت منها عشرة ألاف نسخة و طبعة للجمهور العلماني. المضمون في الطبعتين واحد مع تغييرات طفيفة. في الطبعتين العلمانيون أشرار و المتدينون أخيار و ناجحون، و الخيط البوليسي واحد طبعا، و هو الذي يمنح التشويق للجمهور الديني و العلماني علي حد سواء. تقول راحيل فومرانتس في مقال لها: (المجال البوليسي واسع ليس لأنه يقوم بتوسعة حدود العالم الحقيقي .. و إنما لأنه يمكن من كتابة أدب بلا صراعات تهدد وجوده). هذه الصراعات التي تهدد وجود العالم هي الخطر الذي تخشاه كتب الحريديم. و دوما ما يتم نقل الصراع إلي مكان بخارج العالم. فرواية خطة في الأدراج لتسيبورا إدلار مثلا، و هي الرواية التي راهن البائع علي تحقيقها لأعلي المبيعات، تحكي عن عائلة يهودية, أب و أم و ابناهما, تهرب من إيران بعد الثورة. يتفرق شمل العائلة في الطريق إلي الولايات المتحدة, و لكن قبل الافتراق يكون الأب قد أعطي كلا من ابنيه نصف ورقة مالية مكتوبا عليها واحد لكي لا تتفرق بهم السبل. يتوه الأخ عن أخيه في الولايات المتحدة, و لسبب ما أو لآخر يقع كل منهما في يد تنظيم معاد لأمريكا. يقتنع الاثنان بالإسلام و يسلمان لكي تتبناهما القاعدة، بينما لا يعرف أحدهما أن الآخر أخوه. يتم تجنيدهما لكي يقودا الطائرة التي سوف تنفجر في مركز التجارة العالمي، بعد أن يكون بن لادن نفسه قد التقاهما و عرف ما لهم يعرفاه هما نفسهما، أي عرف أنهما أخوان! . في الطائرة التي لم تنفجر بعد, يري واحد منهما نصف الورقة المالية مع الآخر. يعرفان أنهما أخوة, يتعانقان و يقرران عدم القيام بهذا العمل, يتفاوضان مع الحكومة الأمريكية علي إعادتهما لأبويهما مقابل الإدلاء بمعلومات عن القاعدة. هكذا يتم إنقاذ العالم من الخطر الإرهابي عبر ترميم الهوية اليهودية, عبر التقاء اليهودي مع أخيه اليهودي و معرفته بهذه الإخوة, بتحول اليهودية من دين شخصي إلي شيء ما يجمع بين اليهود. هذه الرواية هي نموذج شائع جدا لرواية التشويق الحريدية.


يكتبن ويخفين أسماءهن

تحلل الباحثة ياعيل شنكار نمو الظاهرة النسوية في كتابة الحريديم. منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي بدأت كاتبات أمريكيات متدينات يعشن في مستوطنات هار نوف و بني باراك في الكتابة بالإنجليزية و ترجمة كتبهن للعبرية. كما تابت كاتبات علمانيات و التزمن بالشريعة اليهودية و انضممن إلي المجتمع الحريدي. هناك بدأن يكتبن أدبا حريديا. من أشهر الأسماء في الكتابة النسوية الحريدية ناعومي ريجين و حنا بت شاحار، حيث تعدت شهرتهما المجتمع الحريدي ليصبحا من الأسماء الراسخة في الثقافة الإسرائيلية كلها. هما معروفتان بانتقادهما الشديد للمجتمع الحريدي الذي يكتبن من داخله و لكنهما تنشران غسيله القذر أمام الناس علي حد قول البعض عن كتابتهما. كذلك تكتب نوعاه باري، و هي كاتبة تائبة ، انتقلت من المجتمع العلماني إلي الحريدي، لأول مرة عن تسلل الشباب من المدارس المخصصة للمتدينين المعروفة باسم اليشيفاه و هو ما يعد كسرا للتابو في هذا المجتمع.
بدأت الرواية النسوية في المجتمع الديني عن طريق النشر في الجرائد التي كانت توزع في داخله مثل جريدة هامودياع و ياتيد نئمان . كانت الرواية تنشر علي حلقات باسم مستعار حتي لا تتضرر الكاتبة من جراء النشر، و كانت لجان النشر في هذه الجرائد تدار بواسطة رجال. هم من يديرون كل شيء، باستثناء الكتابة فقط، التي كانت تترك للنساء. و إذا كان الاختلاط مقيدا في المجتمع الديني. فإن السؤال عن كيفية تصوير الرجال في كتابة النساء يصبح ضروريا. تجيب شنكار بأنه في هذه الروايات يصبح العلماني هو رجل لا يؤدي وظائفه كما ينبغي, لا يهتم بأسرته و إنما هو متواجد علي الدوام في مكتبه جالسا علي جهاز الكمبيوتر الخاص به، أما عندما يتوب فهو يتحول فورا إلي أب طيب.



كمبيوتر المسيح بن يوسف
المجالات التي يكتب فيها الحريديم قليلة للغاية، فهي إما قصة جاسوسية أو كتاب تشويق. و لكن الناقد الأدبي إيلي أشاد يحلل ظهور مجال آخر علي استحياء، و هو جنس الخيال العلمي. هذا الجنس مزدهر في الأدب الإسرائيلي غير الديني، و إلي فترة بسيطة كان غير متواجد كليا في الأدب الديني، حيث الاهتمام بالتطورات العلمية و التكنولوجية يبدو كتجاوز غير ضروري للقدرة البشرية، أي أنه يكاد يعتبر تعديا علي الخالق من وجهة نظر المتدينين. يصعب الحديث عن جنس أدبي يهتم بالخيال العلمي في المجتمع الحريدي مثلما يمكن الحديث بسهولة عن كتب التشويق هناك. و النماذج القليلة الموجودة يمكنها فقط أن تعرض أراء المجتمع الحريدي بخصوص المجتمع العلماني التكنولوجي و استخدامات العلم. و مثل الروايات الأخري، يتم تصور الآخر بشكل ساذج للغاية, ففي رواية لغز في الشرق للكاتب شموئيل أرجمان و الموجهة للأطفال يحبط عميل حريدي عملية نقل يورانيوم من شمال كوريا إلي مخربين يريدون إقامة قنبلة ذرية تساعد علي تدمير إسرائيل. هذه الحبكة مشابهة جدا لحبكة رواية أخري كتبها الكاتب الحريدي م. أربيل بعنوان العين بالعين غير أنها موجهة للكبار و ليس للأطفال. و تكتب حنا راجاف رواية عن مجموعة من الأطفال الحريديم الذين ينجحون في إفشال جهود بعض العملاء و المخربين العرب في تدمير صاروخ ليزر إسرائيلي سيكون هو الرد النهائي علي صواريخ الكاتيوشا التي تتعرض لها إسرائيل.
هذا النمو لظاهرة الخيال العلمي في الأدب الحريدي يقطع بأمرين أولهما، أن تعامل المجتمع الحريدي مع التكنولوجيا المتغيرة من حوله أضحي سؤالا ملحا أكثر فأكثر. و أن هذا التعامل يتم استخدامه لصالح أغراض أيديولوجية. فكون هذا الجنس الأدبي يحقق أعلي المبيعات يعني أن الجمهور، حتي لو كانوا أطفالا، متعطشون للتبسطيات الساذجة عن الآخر في هذه الروايات، و هو آخر محدد كذلك، حيث كل الأشرار هم عرب و ألمان، ليسوا سكان كواكب أخري مثلما هم في الخيال العلمي الأمريكي مثلا و ليسوا يهودا علمانيين مثلما هم في روايات التشويق الحريدية. هذا الاستخدام للتكنولوجيا لصالح المجتمع الديني يتضح بشكل هزلي في كتاب بعنوان عصر الكمبيوتر و دروسه يبشر فيه الكاتب بعصر الكمبيوتر قائلا: بظهور الكمبيوتر دخلنا في أيام المسيح, حيث التقليل من الجهد الجسماني و من ثم توفر وقت الفراغ لأجل الانشغال بالتوراة و أوامر الرب, و هي علامات واضحة علي تأهل الإنسانية لعصر الخلاص . و يضيف: يجدر بنا أن نلاحظ أن الشركة التي أنتجت الكمبيوتر الأول هي شركة IBM و هي الأحرف الأولي من اسم المسيح مسيح بن يوسف ومن ثم فهو رمز للخلاص !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب