الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاقتصاد الاجتماعي أو التضامني، هل يشكل بديلا؟

جيلاني الهمامي
كاتب وباحث

2020 / 9 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


الاقتصاد الاجتماعي أو التضامني
هل يشكل بديلا؟

سؤال يطرح نفسه لأكثر من سبب
أولا : الأزمة الراهنة والحادة التي يمر بها الاقتصاد الرأسمالي العالمي والتي برغم كل ما قامت وتقوم به من أجل أن تقنع البشرية بأنها أفضل منظومة اقتصادية يليق بالإنسان فشلت في أن تتجاوز أزماتها المتكررة وفي أن تجد حلولا حقيقية للفقر والبطالة والجوع والتهميش والأمراض وتردي المحيط البيئي والإطار العام للعيش
فهل يمكن أن يشكل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بديلا عن هذه المنظومة؟؟
ثانيا : تزايد الاهتمام بهذه المقاربة خاصة من الأزمة الأخيرة للمنظومة الرأسمالية والتبشير بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني على نطاق واسع وتسخير إمكانيات مادية ودعائية ضخمة لتقديمه كحل فعال لمعالجة المعضلات الاجتماعية المتعددة والمتنوعة ( البطالة والفقر والجوع والأمراض والأمية الخ ... ) خصوصا وأن بلدان كثيرة ( الاتحاد الأوروبي وبلدان أمريكا اللاتينية الخ ... ) قد تبنت رسميا هذه المقاربة ومنها من ادرجها ضمن دساتيرها وخططها التنموية.
فهل يمكن أن نصدق هذه المقاربة تحت تأثير الدعاية الكثيفة الجارية لصالحها ؟؟

جذور هذه الفكرة
هي في الحقيقة فكرة قديمة جديدة.
فكرة قديمة باعتبارها كانت عماد مشاريع قديمة تم الترويج لها منذ الفترات الأولى لظهور النظام الرأسمالي والصناعة والإنتاج الكبير وشيدت أحلاما كبيرة لتحرير الانسان المعاصر من الاستغلال والتداعيات المادية والاجتماعية للنظام الجديد أي النظام الرأسمالي. وقد جرت محاولات لبناء منظومات اقتصادية تقوم على مفاهيم اجتماعية أو تضامنية اتخذت أشكالا متعددة. ولكن هذه المحاولات اندحرت في الأخير أمام الهجوم الكاسح للمنظومة الرأسمالية واندثرت تماما.
ولم تتوقف المحاولات عند التجارب القديمة المعروفة في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بل جرت تباعا وعلى مدى حوالي قرنين من الزمن محاولة إحيائها في أكثر من مكان من العالم وكلما تردى الاقتصاد في أزمة.
وهي فكرة جديدة إذ تم إحياء هذه المقاربة خاصة من أزمة الثمانينات من القرن الماضي. فقد عولت بلدان كفرنسا ثم عموم أوروبا على الاقتصاد التضامني او الاجتماعي للحد من تداعيات الأزمة. ففي فرنسا مثلا وقع إحداث ميثاق للاقتصاد الاجتماعي سنة 1980 ثمّ وقع تحيينه سنة 1995 وعلى المستوى وفي أوروبا تمّ إصدار " إعلان المبادئ المشتركة " من طرف المؤتمر الدائم للتعاضديّات والتعاونيّات والجمعيّات والمؤسّسات الخيريّة سنة 2001. وكان هذا الإعلان عن المبادئ بمثابة ميثاق أوروبي للاقتصاد الاجتماعي. وازداد الاهتمام بالموضوع بعد الأزمة المالية لسنة 2008 فأقيمت مؤتمرات كثيرة ونشط علماء اقتصاد لعل أشهرهم جوزيف ستيغليتز في التعريف بالمشروع والتنويه به. وقد تبنت عديد الهيئات والمؤسسات الدولية بما في ذلك دوائر تابعة للأمم المتحدة وبتمويلات أحيانا من كبريات الشركات العابرة للقارات للدعاية لهذه المقاربة.

خصائص الاقتصاد الاجتماعي أو التعاوني
عامة ما يقع التركيز على عدد من الخصائص التي تميز الاقتصاد لاجتماعي والتضامني. وتتمثل هذه الميزات في المبادئ التي يقوم عليها من ناحية التنظيم والهيكلة والتسيير وهي عموما :
1- التسيير الديمقراطي: تتّخذ القرارات الاستراتيجيّة الهامّة في الاجتماعات العامّة وحسب مبدأ (صوت لكلّ شخص) مهما كان مقدار مساهمته في الجمعيّة.
2- حريّة انخراط الأعضاء: لا يمكن إجبار أحد على الانخراط أو في البقاء منخرطا في هياكل الاقتصاد التضامني.
3- عدم الاستفادة الماديّة الفرديّة: هذا المبدأ لا يمنع تكوين فوائض ماليّة ولكنّه يمنع تملّكها الفردي
4- الفائدة الجماعيّة أو الاجتماعيّة للمشروع: هياكل الاقتصاد التضامني الاجتماعي هي بالضرورة في خدمة مشروع جماعي وليس في خدمة مشروع فردي.
أما هياكل الاقتصاد الاجتماعي فهي :
التعاضديات
التعاونيات
الجمعيات
والجماعات الخيرية
والحقيقة أن هذه الهياكل كما تقوم على قيم التضامن ( المحلّي ، الجهوي، الوطني ، القومي أو الدّولي) وفي تقوية الروابط الاجتماعيّة القريبة والمشاركة الاجتماعيّة وفي تحسين الظروف الجماعيّة للتنمية البشريّة المستدامة (مثل ميادين التربية ، الصحّة والبيئة والمشاركة الديمقراطيّة)
ويجد الاقتصاد الاجتماعي او التضامني في ميدان البيئة مجالا واسعا للانتشار في إطار ما يسمى بالاقتصاد الأخضر الذي يعتمد على التعاون بين أفراد المجتمع لتحسين ظروف وإطار العيش والحفاظ على البيئة والأرض لتحقيق التنمية المستدامة وحماية الصحّة.

حدود هذه المقاربة
لا شك أن لهذا المشروع فوائد وإيجابيات. فمؤسسات الاقتصاد الاجتماعي :
- تساهم في خلق الثروة وتوفير منتوجات وخدمات يحتاجها المجتمع
- تساهم في التنمية بمعناها الشامل إذ تلعب دورا في الحد من نسبة البطالة والتهميش وتحيي مناطق وأنشطة وقطاعات هامة
- تساهم في خلق نوع من التماسك الاجتماعي والحدّ من الفوارق الاجتماعية وبين الجهات

تقوم رؤية الدولة في التنمية الاقتصادية على استخدام ريع المواد الأولية ( نفط وفسفاط الخ ... ) وعلى عائدات السياحة والاستثمارات العقارية والمساعدات الأجنبية والقروض لذلك لم تنم أنشطة إنتاجية تخلق الثروة وتولد مواطن الشغل وفرص العمل.
هذه السياسة أبقت الاقتصاد التونسي اقتصادا هشا وضعيفا ومرتبطا بالخارج من ناحية التمويل والتبادل التجاري.
النتائج الطبيعية لهذه السياسة هي :
- ندرة المنتوجات وارتفاع كلفتها والاحتياج الدائم للتوريد
- عجز الاقتصاد على توفير مواطن الشغل وتمويل الاحتياجات الاجتماعية : الصحة والتعليم والسكن والنقل والخدمات الإدارية والبنية الأساسية
هذا إلى جانب جوانب أخرى تتعلق بالسيدة الوطنية والاستفادة من المقدرات الطبيعية والبشرية الوطنية.
لذلك كان الاقتصاد التونسي عرضة للركود. وينعكس الركود الاقتصادي بتداعيات اجتماعية ثقيلة على الفئات الشعبية في المدن والأرياف وخاصة النساء والشباب.
فما هي مكانة الاقتصادي الاجتماعي في رفع هذه التحديات ؟
بلغة أخرى ماذا يمكن أن نؤمله من نتائج في مجال توفير الخيرات المادية والخدمات لتلبية الحاجات المتزايدة للمستهلكين؟؟ وهل يمكن التعويل على هذا المشروع في مجال خلق فرص العمل وتحسين الدخل والقدرة الشرائية؟
أولا : الاقتصادي الاجتماعي ليس فاعلا مستقلا بذاته عن الفاعلين التقليديين في التنمية أي راس المال الخاص والدولة.
ثانيا : الاقتصاد الاجتماعي هو مجرد مكمل وبنسب محدودة للدور المناط بعهدة الاستثمارات الخاصة والدولة
ثالثا : بحكم محدودية الإمكانيات المالية التي يعتمد عليها الاقتصاد الاجتماعي ( مساهمات الأعضاء ) يتجه إلى بعث مشاريع صغرى ذات قدرات إنتاجية وتشغيلية محدودة
رابعا : يختص الاقتصاد الاجتماعي عامة في مشاريع فلاحية وخدماتية وبيئية غير مندمجة صناعيا ذات مردودية عادية إن لم نقل ضعيفة.
خامسا : عامة ما تكون المشاريع المقامة في هذه المجلات الهدف منها انتشال شرائح وفئات مهمشة لم تستوعبها المنظومة الاقتصادية القائمة
لذلك فإن الاقتصاد الاجتماعي أو التضامني منظور له من زاوية حاجة البلاد لمنوال تنمية جديد لا يمثل بديلا مستقلا بذاته يعتد به لمواجهة التحديات الكبرى الاقتصادية والاجتماعية التي نواجهها اليوم.

أي نمط تنمية نحتاجه اليوم ؟
نحتاج لنمط تنمية :
- يخلق الثورة والوفرة : مواد أولية ومصنعة متنوعة تلبي جميع الاحتياجات ويوفر للدولة قيمة مضافة عالية توفر موارد لتلبية الحاجات غير المنتجة ( الخدمات الاجتماعية والعمومية )
- يوفر مواطن شغل كافية لتلبية الطلبات الجديدة والمتزايدة
- يؤمن موارد ذاتية لتطوير الأنشطة الإنتاجية وتنويعها دون اللجوء للمساعدات الخارجية والقروض
هذا النمط يرتكز أساسا على التصنيع والإنتاج الموسع في كل القطاعات الصناعية والفلاحية والخدماتية.
يحتاج هذا النمط إلى رساميل كبيرة لا يمكن أن يوفرها إلا الرأسمال الخاص أو الدولة.
في ظرفنا الراهن الدولة هي المرشح للقيام بهذا الدور بالنظر لانكماش لاستثمار الخاص وتردده حيال ظروف الأزمة.
في هذا الصدد لا يمكن أن يقع التعويل على الاقتصاد الاجتماعي إلا بصورة جزئية وجزئية جدا في مجالات محددة. وسيكون دوره من الناحية الاقتصادية الاجمالية المساهمة في توسيع قاعدة التراكم الرأسمالي إلى جانب مساهمته في المردودية الاجتماعية العامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة