الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هموم القصيدة ورسالة الشعر عند الشاعر فاضل حاتم

داود السلمان

2020 / 9 / 12
الادب والفن


يمتلك الشاعر فاضل حاتم، ما يمتلك من اسلحة ومن ادوات معرفية وكلامية يعبّر من خلالها عن: المه ومعاناته، والتي من خلالها يبوح بسر وطن، ولا جدوى حياة، ومأساة الانسان وسط هذا الكم الهائل، من اللا جدوة العدمية التي تعصف بالإنسان عمومًا، ويعبّر، كذلك عن قيمة معرفية مهدورة وسط ضياع لا يعبه به الآخر، واعني به الشاغل زمام الامور الحياتية، وبيده كل شيء، بينما الانسان فاقد لكل شيء، بما فيه كرامته التي هي لديه أعز من كل شيء. فالشاعر فاضل حاتم، كأنه ينصّب نفسه كقاضٍ يريد أن يحاكم الوجود أو "المتسلط": عن كل هذه المأساة، التي يتعرض لها الانسان، بل واحيانا يحاكم الظروف التي حدت بهذا الانسان أن تقع عليه كميات هائلة من مظالم، احطت من انسانيته، وجعلته يحتقر نفسه احيانا، ولا يعير اهمية لحياته، ما لم تستعاد كرامته، فيعود لمواصلة الحياة، ليعيشها معززًا.
ففي قصيدة له بعنوان "النخــــلة ُ الباســـــقة" يقول فيها:
كلُّ شَيْءٍ معتمُ
الدروبُ والظلالُ والضياء
وحدها الأنجمُ
تدركُ سرَّ الغناء
وليلنا الأدهمُ
يقبعُ وسطَ الفناء
النخلةُ الباسقة
تسجّلُ الذكريات
كم مرةٍ في ظلِّها استراح
جدي.. أبي.. واستطال النواح
رأيتُها.. تنحني على تابوتهِ
حين مات
رأيتُ في قلبها ( الجمّارَ) يسودُّ
سمعتُ في عروقها يدمدمُ الرعدُ
نخلتنا قبل حلولِ الصباح
أصابها الرمدُ
واستحال المدى إلى أجنحةٍ تخفقُ
وقلبٍ على الطوى يصفّقُ
إذ ينزلُ الغريبُ بالمطار
يبحثُ عن مشفىٍ يداويهُ
أو غرفةٍ تأويهُ
يخافُ الاحتضار
كالنيزكِ الذاوي يلمسُ الجدار
يودُّ لو ينام فِيهِ فلا نهار".
من مجموعته: "عند منتصف اللوعة"
فهنا يرسم لنا الشاعر لوحة مأساوية لشعب بأكمله، عاش مأساة وتجرّع لوعة، فلم تنصفه الظروف، ولم ينصفه الزمن كذلك. والمعني بهذه اللوحة، هو أنا، أو انت أيها القارئ، بل ويعني الشاعر نفسه هو، ومأساته هي مأساة اجيال بحالها، عاشت حقب من الالم، ولا تزال كذلك.
وليس هذا فحسب، بل فهو يعبّر عن المه من خلال "المرأة" وموضوع المرأة، وهو موضوع كبير جدًا وهائل، يصورها الشاعر فاضل حاتم، جزء لا يتجزأ من فلسفة وجودية لأسئلة حياة ضاعت تحت سنابكها اتربة نسفتها الحياة نفسها.
اذ يقول:
يمضي التكبّرُ والغرورُ
كلٌ إلى أجَلٍ يدورُ
ما كان حسنُكِ خالداً
يذوي كما تذوي الزهورُ
فَتَمَتّعي حيناً إلى
تهوي أناملها الدهورُ
تتسكَّعينَ طريدةً
وتنالُ ضحكتكِ الشرورُ
تنأى عليكِ لياليٌ
وتُغَلَّقُ.. تلك القصورُ
تذوي شفاهُ تَحَمّرت
وتجفُّ بالكأسِ الخمورُ
تيهي بحسنكِ ساعةً
فالتيهُ عنوانٌ مثيرُ
فجواري شمسِكِ صابها
كَسَفٌ وإعصارٌ عسيرُ
مصباحُ وجهِكِ كالذبالةِ
باقياً.. ومضى الحضورُ
وهكذا يستمر الشاعر، فيصور لنا لوعة الحياة ومرارتها المستديمة، من خلال عشرات القصائد وبمختلف الموضوعات، ويكون بطلها الانسان، الانسان لا يغير، لأن الانسان هو المصاب بأبجدية الحياة، المتدثر بغطاء المأساة والالم معًا، منذ وجوده على هذه الارض، ومجيئه الى حياة لم يفقه كنهها، ولا يدري لما جاء ولما يغادر بصمت، وهو لا يعي ما يدور في اروقة هذه الحياة التي وجب عليه أن يعشها، ابى ذلك أم رفضا. "ومن كُتبت عليها خطى مشاها". وكل هذا ما عبّر عنه شاعرنا فاضل حاتم بقوله، من قصيدة رسم فيها لوحة مأساوية حقيقية، من دون رتوش، كشاهد على الحدث:
"لم يبقَ لي زَمَنٌ بهِ أتطاوَلُ
هَدَّت شموخَ جباليَ المعاوِلُ
أسعى لعصرِ الكرمِ بين أصابعي
فيشيحُ عنّي راغباً وأحاوُلُ
وَمُنُعْتُ من كأسِ الصبابةِ حقبةً
يَبُسَتْ بها-عهدُ الشباب- جداولُ
لا طائرٌ غنّى لغُصنيَ لحنَهُ
أو مرَّ في أُفُقِ الوداعِ زواجلُ
قد ينثني عودٌ إذا هبَّت رياحُ
فراقِهِ يوماً ويصبحُ ناحلُ
لكن على رغم المآسيَ حاضرٌ
مُستَبشرُ اللحظاتِ حين أنازلُ
ولكم نَحتُّ من النساءِ قصائداً
ونسجتُ أثواباً بهنَّ روافلُ
لكن وجدتُ الشِّعرَ يهوى حرَّةً
ولها صدورُ العالمين منازلُ
إن اومَأت منها الأصابعُ سارعت
تهفو لها قبل القلوبِ أناملُ
وأضعتُ من شعري لآلىءَ جَمةً
سارت بها بين الأنامِ قوافلُ".
ثم يباغتنا بقصيدة أخرى، كأنه لا يكتفي بما نفث به من بوح، واماط اللثام عن سر مكنون، ليريد بذلك أن يختبر عزلتنا النفسية خارج اطار هذه الحياة، التي نعيش جحيمها بصبر متزايد. فيقول:
"لستُ تمثالاً..
انطقني بكلماتكَ
فروحيَ
من حروف
هل تدركُ ماذا تعني رقصتي
وأنا أفردُ
ذراعيَ كالصليب.
خذني إليكَ
فارسٌ يتشحُ
بالصفاء.
على قَدَمٍ واحدة
اراقصُ السماء
وعيناكَ كوكبان.
من رأسيَ إلى أخمصِ قَدَمي
اسّاقطُ بين كفيكَ
نوتاتِ موسيقى.
غجريةٌ..
في ليلكَ الفضّي
أداعبُ
أوراقكَ الملوّنة".
بل، وهنا الكثير من الذي قاله فاضل حاتم، ورسمه بريشة ابداعه، ولا ندعي بأننا قد احطنا على هذه العجالة، كل قالها في مجاميعه الشعرية التي نشرها بثلاثة عشر مجموعة شعرية، هي عصارة ابداعه، ولا زال معطاء وقلمه ينفث باللوعة التي يعبر من خلالها الى شكوى انسانية تعج بالاعتراض عما يجري في هذا الوجود. وهذه هي رسالته، وقد تكون هي رسالة كل شاعر يفيض بالجمال، ويمطر بالإبداع، ويشعر بالألم تجاه ما يراه من غبن لأبناء جلدته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا