الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاضراب عن الطعام

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2020 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


اذا كان الاضراب بوجه عام يعني المقاطعة كمقاطعة الانتخابات ، او التوقف ، او الإنذار ، او الاحتجاج ، او التضامن ... فان الاضراب عن الطعام هو التوقف عن الاكل ، إمّا للاحتجاج ، او للتضامن مع حالات متعددة كالحق في الشغل ، او ضد الطرد من الشغل ، او مساندة مضربين عن الطعام في سجون النظام المختلفة ، او تنديدا بذكرى كيوم الأرض في فلسطين السليبة .... لخ .
لكن الاضراب عن الطعام الذي يعنينا ، هو ذاك الاضراب الذي يخوضه المسجونون داخل سجون النظام السيئة الذكر ، امّا للتنديد بالمعاملات القاسية اللاّانسانية التي يتعرضون لها على ايدي السجان الجلاد والبصْباص ، لأنه اخطر من البوليسي ، واخطر من لمخزني ، والجدارمي ، وقد عاينت هذه الحالة بأعيني لمّا كنت في السجن بمحضر بوليسي مزور ، او بسبب تدني وجبة الاكل المتدنية أصلا ، او استنكارا وتنديدا بالأحكام الصادرة في ملفات ، ومحاضر بوليسية مزورة ، وتزويرها واضح لا غبار عليه ، ولا يشك فيه عاقل وذو الباب ..
الاضراب عن الطعام بسجون النظام ، قد يكون محدودا في الزمان والمكان ، وقد يكون تصاعديا ، وقد يكون متواصلا من دون توقف ولا انقطاع .... والاضراب هنا قد يقتصر على الاكل فقط ، وقد يتعدى مجرد الاكل ، ليصبح اضرابا حتى عن الماء والسكر . وهذا الاضراب الأخير والخطير ، ينذر بعواقب ونتائج خطيرة عند استمراره لفترة معينة ، قد لا تتعدى أسبوعا كاملا ، خاصة بالنسبة للحالات التي تعاني مشاكل صحية ، وامراض مزمنة ، لان عند عدم معالجة أسباب الاضراب ، سيسقط ضحايا بسبب تعنت الدولة البوليسية المسؤولة عن سياستها السجنية ، والمسؤولة عن سجونها ، وليس فقط شطط ، واعتداءات ، سجّانو وجلاّدو السجون المختلفة الذين ينفدون وبالحرف الزائد عن حده ، التعليمات الواردة من خارج المندوبية العامة لإدارة السجون من دون ادماج ..
ما اثار غريزتي الرافضة للظلم ، لأعالج هذا النوع من الاضراب ، هو الإضرابات المختلفة التي شنها معتقلو الريف منذ دخولهم السجون ، لانهم لم يكونوا يصمدون لانتزاع المطالب التي دخلوا على أساسها الاضراب . ففي كثير من الحالات ، ربطوا توقيف الاضراب بإطلاق السراح ، حيث رفعوا الشعار الذي لم يعد خالدا " الموت ولا المذلة " ، بحيث اننا نرى التعايش مع المذلة ، دون ان يعقبها الموت ، ورغم ذلك فكّوا اضراباتهم ، والنظام لم يستجب لطلباتهم بفك السراح ..
بل سنجد انه بمجرد توقيف الاضراب الذي لم يرفق بإطلاق السراح ، يزداد تعسف السجان بأوامر النظام داخل السجن ، ويزداد تعقيد حياة السجناء بشكل يزيد عن حدّه ، سيما وان السياسة السجنية بالمملكة الشريفة ، لا علاقة لها بإعادة الادماج ، لأنها تبتغي الاذلال ، والاهانة ، وتكسير الإرادة ، والعزة ، والانفة ، والرجولة ... أي التحطيم المعنوي للسجين الى جانب التحطيم المادي ... قتل أمّو .. هذا دون ان ننسى التحطيم المعنوي والمادي لأسرته الصغيرة ..
وما يدلل على سياسية الدولة السجنية التي ترمي الى تكسير الرؤوس ، والحاق الأذى والاهانة بالمسجونين ، انّ تعاملها مع مسجوني حرية الرأي ، وحرية التعبير ، وما يسمى بالجرائم السياسية ، يكون تعاملا خاصا ، يبتدأ من تلفيق التهم المفبركة الكاذبة التي تعكسها محاضر البوليس المزورة، مرورا بالدعاية لتشويه السمعة ، حتى يُحرموا من تضامن الراي العام الذي اصبح يدرك هذا النوع من التعامل البوليسي الذي تبْرعُ فيه الدولة البوليسية البئيسة ، التي تعيش ليومها من دون ضمير ولا اخلاق ، لأنه عوض ان تصبح دولة حق وقانون ، تصبح دولة رعب وخوف ... الى التوقيع كرها على المحاضر البوليسية المطبوخة ، الى يوم المحاكمة الذي يأخذ اشكالا لا تفسير لها ، الاّ بحالة الاستثناء ، وبحالة الجذب بين المتهمين ومحاميهم ، وبين النيابة العامة وقضاة الاحكام ، الذي لكل منهم دوره الملعوب في مسرحية عنوانها ، رمي كل شريف حر في اقبية السجون الرهيبة ، لإخراس ، ولإسكات صوت الحق المزعج ، لتغطية الفضائح التي ازكمت النفوس ، و يشهد بها القاصي والداني ، هذا مع العلم ان هذا النوع من المناضلين ، ما مارس العنف ، ولا مارس السب ، والقذف ، والتشهير الذي تبرز فيه الشلة البوليسية المارقة والحقيرة ..
حين يلجأ السجين بالمحضر البوليسي المزور ، الى شن اضراب عن الطعام من داخل سجون المملكة الشريفة ، فهو بذلك يكون قد مارس حقا من الحقوق التي تمنحها له الطبيعة ، و تمنحها له غريزة رفض الظلم ، و ليس قوانين النظام السّجان ، الذي يتضايق من هذا النوع من الاحتجاج ، الذي يبقى السلاح الوحيد الذي يلجأ اليه المسجون ، للتعريف بقضيته ، او لرفضه الاذلال ، والاهانة ، والحط من الكرامة ، او للاحتجاج عن ممارسة السجان التي تكون تحت أوامر الدولة البوليسية ، او احياء ذكرى وطنية يؤمن بها المسجون ، والتي من اجلها دخل السجن ...
وحين يرفق المسجون دخوله في الاضراب عن الطعام ، خاصة اذا كان متواصلا وغير محدود ، بالامتناع عن شرب الماء ، وتناول السكر ، وهو ما يعني الاقتراب من النكسة التي هي الاستشهاد ، هنا يكون السجين قد حدد عن قناعة واختيار ، نوع المواجهة التي تنتظره ، وكأنها معركة في ساحة حرب مفتوحة ، لأنها ستنتهي باستشهاده ... مع معرفته بالنتائج التي قد تترتب عن سقوط شهداء ، سواء داخليا او خارجيا بالنسبة لمنظمات حقوق الانسان الدولية المختلفة ، والبرلمان الأوربي ، وبرلمانات الدول الديمقراطية ، ولجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة ، وهو ما سينعكس بأثار سلبية على علاقة النظام بالدول الديمقراطية ، وبمنظمات حقوق الانسان العالمية ، كما سيكون لهذا الحال انعكاس خطير على القضايا الاستراتيجية للدولة البوليسية ، كنزاع الصحراء الذي سيتأثر في المحافل الدولية ، ومن قبل المؤسسات الدولية ، هذا دون نسيان تشويه سمعة النظام الذي سيُصنّف دوليا كنظام قمعي ، بوليسي ، استبدادي ، طاغي ، نظام ضد الديمقراطية والحياة المدنية ، ومهووس فقط بحب الافتراس ..
لذا فقبل الدخول في اضراب عام غير محدود ، واقتران الاضراب بالإمساك عن شرب الماء وتناول السكر ، فعلى المناضل المسجون انْ يكون على علم مسبق ، بكونه وضع نفسه مشروع شهيد ، ومشروع فداء ، وانه عند ربطه توقيف الاضراب بإطلاق السراح ، عليه ان يكون في مستوى الفعل ، و في مستوى قرار الاضراب المتخذ ، وألاّ يوقف الاضراب ، إلاّ بإطلاق السراح او الاستشهاد ، اي الاستمرار في الاضراب حتى الاستشهاد او اطلاق السراح ، وهو الاضراب الذي يخوضه اليوم السجين محمد بودوح ، الملقب بمول الحانوت منذ سبعة وثلاثين يوما ، ومن دون انقطاع ، وللأسف في غياب منظمات ( حقوق الانسان ) المختلفة التي تتضامن فقط مع ما يسمى ب ( النخبة ) المنتمية اليها ، او تتعاطف معها ، او تشاركها نفس الرؤية والمصلحة ، كالتضامن مع عمر الراضي ، والريسوني .... لخ ، وتغافل التضامن مع مسجونين يخوضون اليوم اضرابا عاما عن الطعام ، بمختلف سجون المملكة الشريفة ..
وهنا وحين يقرر المناضل المسجون شن اضراب عام عن الطعام ، مع الإمساك عن شرب الماء وتناول السكر ، فعليه انْ يرتهن فقط لقراره ، الذي ستكون له تداعيات خارج اصوار السجن ، وان يستمر في عصاميته وتحديه ، دون السقوط في حوارات الطرشان مع النيابة العامة ، التي ستزوره في السجن بأمر من دائرة البوليس ، لإقناعه بحل اضرابه ، مقابل وعود ستتبخر بمجرد فك الاضراب ، او بعض الجماعات التي تشتغل بمادة ( حقوق الانسان ) ، كالمجلس الوطني لحقوق الانسان ، او مرصد السجون ، او غيرها من آليات النظام التي تهدف فقط الى كسر الاضراب ، لِما في ذلك من تشويه لسمعة النظام دوليا ، عند سقوط شهداء صرعا في ساحة الشرف ، فقط بالإضراب العام عن الطعام ..
فالإضراب العام عن الطعام ، وبدون ماء ولا سكر ، هو سلاح استراتيجي خطير ، بيد المناضلين المسجونين بالمحاضر البوليسية المطبوخة . لذا فقبل مباشرته يجب ان يكون المعنيون بالأمر في مستوى القرار التاريخي الذي سيسبب في الصدمة الكبرى عند بدء تساقط الشهداء تباعا ... فاستشهاد المناضل هنا هو فداء لشعب ، او لقضية ، سيكتب عليها التاريخ الذي سطر ملحمات كثيرة ، لأبطال لا تزال حديث الساعة ، من بين الموضوعات الهامة والاساسية ...
لقد عرف المغرب موجات من الإضرابات عن الطعام لأسباب مختلفة ، وكان اول من دخل في معركة الأمعاء الفارغة حتى الاستشهاد ، مناضلو اليسار الماركسي اللينيني ، خاصة مناضلو منظمة الى الامام ، ومنظمة 23 مارس ، حين دخلوا في اضراب مفتوح عن الطعام ، مطالبين بالمحاكمة او بإطلاق السراح ، وهو المطلب الذي استجابت له الدولة عندما نظمت محاكمة يناير / فبراير 1977 الشهيرة ، أي محاكمة الدارالبيضاء التي وصلت فيها الاحكام الى المؤبد ، وثلاثين سنة وما فوق ...
كما شنت نفس المجموعة إضرابات عن الطعام لتحسين ظروف السجن ، وتغيير ممارسات السجان الجلاد ، والاعتراف بالمسجونين كمسجونين سياسيين ، وهو ما استجابت له الدولة حين أجمعت كل المسجونين بالسجن المدني بالقنيطرة ، ومكنتهم من انشاء خزانة ضمت من الكتب والأبحاث ، ما تفتقر اليه الخزانة العامة في ذاك الوقت ..
كذلك لا ننسى الاضراب العام عن الطعام الذي شنته مجموعة مراكش ، وافضى الى سقوط شهداء كالدريدري ، ومولاي الطاهر ... وشباظة بالبيضاء ، وسعيدة المنبهي الذين استشهدوا وهم يخوضون الاضراب عن الطعام ...
لقد خلف تغييب هؤلاء المناضلين ذوي التوجهات السياسية اليسارية ، حزنا واثرا سلبيا بين رفاقهم ، وفي وسط عائلاتهم وجيرانهم ، لكن تأثيره وسط الشعب كان محدودا ، نظرا لأنه في تلك الفترة ، لم تكن هناك وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك ، وثويتر ، والواط ساب ، والانترنيت ، والهاتف النقال .... فكان الاتصال يثم مباشرة بين المناضلين ، وبين تنظيماتهم ، واسرهم وجيرانهم ... ومع ذلك كان التضامن مع ملف اليساريين دوليا قويا ، وكان يحظى باهتمام رئاسة الجمهورية الفرنسية ، والصحافة الفرنسية ، والهولندية ، والاسبانية ... ومن قبل الرئيس الأمريكي جورج بوش الاب شخصيا في ملف تزمامارت بسبب تدخل Nancy زوجة الملازم الطويل ..
لماذا ذكّرت بهذا التاريخ النضالي لهؤلاء المناضلين ، وبالمحن التي قاصوها ، وعاشوها مع دولة بوليسية قامعة ؟
عندما اعلن معتقلو الريف ، خاصة القيادة برئاسة ناصر الزفزافي ، الدخول في اضراب عام عن الطعام ، اضراب تصاعدي ومتواصل ، فهم ربطوا سبب الاضراب بإطلاق السراح ، الذي لا علاقة له ببعض المطالب البسيطة ، كالتجميع بسجن سلوان ، وتحسين شروط السجن ، وتغيير سلوك السجان الجلاد التي يأتيه القرار من خارج المندوبية العامة لإدارة السجون ، التي تخضع لتعليمات الجهاز البوليسي برئاسة صديق الملك فؤاد الهمة ، وطبعا اعوانه ، وعلى رأسهم المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والانسان المغربي ، والمديرية العامة للأمن الوطني ، والجهاز المخزنولوجي التقليدي بوزارة الداخلية ، الذي يتواصل مع مدراء السجون من خلال قيّاد اقسام الشؤون الداخلية بالعمالات والاقاليم التي توجد بها السجون ...
ان تعيين المندوب العام للمندوبية العامة لإدارة السجون ، هو قرار امني وسياسي ، لان المندوبية وهي تحتفظ بعلاقات تراتبية شكلية مع وزار العدل ، هي تخضع لتعليمات الجهاز الأمني الذي وحده يتولى تدبير الملفات الحساسة لبعض المسجونين كجماعة الريف ، وجماعة السلفية الجهادية ، وجماعة اليسار الماركسي اللينيني سابقا ... ففي كل سجن يكون هناك خيط يربط مباشرة بين إدارة السجن ، وبين عناصر امنية غالبا تنتمي الى المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ، او عناصر مديرية الاستعلامات التابعة لمديرية الاستعلامات العامة ، إضافة الى خيط رابط ومباشر بالقُيّاد رؤساء اقسام الشؤون الداخلية ، إضافة الى النيابة العامة لإضفاء طابع قضائي عن كل تحرك او تطور يحصل بغتة ...
فعلى ضوء هذه الحقيقة ، التي هي تبعية المندوبية العامة لإدارة السجون ، للجهاز الأمني ، سيتم تعيين حفيظ بنهاشم الذي كان عاملا مكلفا بالكتابة الخاصة بوزارة الداخلية ، ومهمتها امنية صرفة ، وعلاقاتها خاصة مع مديرية مراقبة التراب الوطني قبل ان تصبح مديرية عامة ، ومع مديرية الاستعلامات العامة بالإدارة العامة للأمن الوطني ، و قسم الشؤون الداخلية DAG التابع للمفتشية العامة للوات المساعدة ، وسيصبح مديرا عاما لهذه الإدارة DGSN ... ، مندوبا عاما للمندوبية العامة لإدارة السجون دون إعادة الادماج ، الذي يبقى مجرد تزيين لعنوان المندوبية امام الرأي العام ، ومنظمات حقوق الانسان بالدول الديمقراطية ... وطبعا فان الشخص الذي اشرف على تعيين حفيظ بنهاشم مندوبا عاما ، هو صديق الملك فؤاد الهمة ، بعد ان اقترحه عليه الشخص الذي لبسه كجلابة ، الوزير المنتدب في الداخلية المدعو الشرقي ضريس ..
كذلك فان تعيين التامك على رأس المندوبية العامة لإدارة السجون بدون ادماج ، خضع لنفس مسطرة تعيين حفيظ بنهاشم عليها .. فالتامك قبل تعيينه مندوبا عاما ، كان عاملا ، وترقى واليا رئيس ديوان وزير الداخلية محمد العنصر ، وصداقته مع المدعو الشرقي ضريس ، هي التي دفعت بهذا الأخير ان يقدمه الى فؤاد الهمة الذي وافق على تعيينه كمندوب عام للمندوبية العامة لإدارة السجون من دون ادماج ..
واضح اذن التراتبية الإدارية للمندوبية العام لإدارة السجون ، وواضح من هي الجهة التي تتحكم فيها وتخضع لها المندوبية ، وهذا يفسر ان أي معاملة منحطة ، او إهانة ، او تنزيل عقاب ... تأتي من فريق خارج المندوبية يستعملها من بعيد ، للانتقام ولتصفية الحسابات مع الاحرار ، والشرفاء المزعجين الموجودين بمختلف السجون ...
هنا فان تحميل المندوب العام التامك المسؤولية عمّا يجري بالسجون ، هو عنوان مغلوط ، واتهام في غير محله ، لان التامك لا يتعدى دوره دور المنفذ والمنزل للتعليمات ...
لذا فعند توجيه الاتهام ، او عند انتقاد والاحتجاج على ممارسة السجان الجلاد ، يجب توجيه الاتهام الى المسؤول عن المجال الأمني الذي تعتبر المندوبية العامة جزءا منه ، والمسؤول عن المجال السياسي التي على ضوؤها تتحدد السياسة السجنية للنظام .. أي توجيه الاشارة بالأصبع الى صديق الملك ومستشاره فؤاد الهمة ، ومعه المدير العام للبوليس خادمه قبل ان يكون خادم ( الاعتاب الشريفة ) عبداللطيف الحموشي ...
لذا فوضعية مسجوني بعض الملفات الحساسة ، هي دائما وضعية استثنائية ، وحين يقرون الاحتجاج بسبب مطالب يتقدمون بها ، ويدخلون من اجلها في اضراب عام عن الطعام ، عليهم ان يكونوا في مستوى تلك المطالب ، وعليهم الاستمرار في اضرابهم طالما ان الجزء الرئيسي من المطالب لم يتحقق ، وطالما ان إدارة المندوبية العامة ، وبتوجيهات فريق البوليس البسيكوباطي ، تتمادى في جهلها للمطالب ، وتتمادى في التنكيل بالمناضلين ، وفي الانتقام منهم ...
فعندما يفك المضربون اضرابهم عن الطعام ، ومن دون تحقيق الجزء الرئيسي من المطالب المقدمة ، او ربط فك الاضراب بإطلاق السراح ، ويتم حل الاضراب دون اطلاق السراح ... فان هذا الخلل في اتخاذ القرارات الغير متزنة ، التي يتم اجهاضها دون ان تصل الى حد التأثير في الرأي العام الدولي ، ودون ان يكون لها صدا بالداخل ، لأنها توقفت في منتصف الطريق دون ان تحقق نتائجها ... يسبب خيبة امل ، ويصدم المتضامنين الذين تضامنوا مع الإعلان عن الاضراب عن الطعام منذ اليوم الأول لشنه ، لانهم سيجدون انفسهم امام تصرفات غير مفهومة ، وغير مستوعبة ، ستؤثر مستقلا عن حملة التضامن التي من المفروض ان تنطلق بمجرد اعلان المناضلين المسجونين عن دخولهم في اضراب عن الطعام غير محدود ، خاصة اذا كان مصحوبا بالإمساك عن تناول السكر وعن شرب الماء ... أي ان التضامن الدولي سيصبح مختلا ومعطوبا ... بسبب ارتباك المضربين عند اتخاذ قراراهم بالإضراب ... وفكه دون تحقيق المطلب الأساسي الذي شُنّ الاضراب من اجله ... اي سيصبح المسجونون امام حالة خطيرة ، هي انعدام ثقة منظمات حقوق الانسان الأممية ، وعلى رأسها لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة ، في الخطوات التي قد يخطوها مضربون مستقبليون عن الطعام في سجون المملكة الشريفة ..
فحين تفقد منظمات حقوق الانسان الدولية المصداقية ، من القرارات الارتجالية والمتذبذبة ، سيؤثر ذلك على وضع المعتقلين في السجون ، وسيخدم سياسة الدولة السجنية التي تقوم على الحاق الإهانة ، والاذلال ، وقتل الرجولة ، والعزة ، والكرامة ، وقتل النفوس ، وهي نفس المخلفات المصائب ، ستصيب العائلات الصغيرة للمسجونين ..
لذا فحين اعلن ناصر الزفزافي ومن معه ، الدخول في اضراب عام عن الطعام ، وربطوا فك الاضراب بإطلاق السراح او الاستشهاد ، تكاثر عدد المتضامنين معهم في محنتهم ، حتى من أولئك الذي يختلفون معهم في القضايا الاستراتيجية للريف كجزء من المغرب لا خارجه . بل امتد التضامن مع المضربين لينتقل الى خارج حدود المغرب ، رغم ان نواب الحزب الاشتراكي الاسباني في البرلمان الأوربي ، رفضوا التوقيع على عريضة اوربية تطالب بإطلاق سراح المسجونين ، لأسباب ضيقة ساهمت فيها الوضعية الوبائية التي تمر منها اسبانيا ..
لكن عندما تم ترديد خبر فك الزفزافي ومن معه اضرابهم عن الطعام ، دون ان يتم اطلاق السراح ، وتم اختزال سبب فك الاضراب بالتجميع في سجن سلوان ، وبتحسين شروط السجن المهينة ، وهي مطالب ابطلها مطلب اطلاق السراح كقرار مصيري ... حتى خفت موجة التضامن معهم ، لان اغلبية المتضامنين خيب قرار فك الاضراب أملهم ، واصابهم بصدمة لم تكن متوقعة ... وكما لاحظ جل المتتبعين لتطور الاحداث منذ ثانية ودقيقة الإعلان عن الدخول في اضراب ، فان حملة التضامن التي كانت قوية ومتصاعدة ، اختفت بعد الإعلان عن فك الاضراب من دون اطلاق السراح ، بل اقتصرت على شخصين من خارج المغرب ، واقتصرت على بعض الأشخاص القليل العدد من داخل المغرب ، وربما ان المحنة التي يمر منها الأستاذ محمد جلول الذي يوجد في الزنزانة الانفرادية كانتقام بوليسي مريض ، هي اكبر مما رُوّج عند اعلان الزفزافي ومن معه الاضراب عن الطعام ...
ان النضال تضحية ، وهذه ليست عيّنات يؤخذ منها ما يعجب ، ويترك منها ما لا يعجب .. بل على أي مناضل مسجون ان يضع نصب اعينه الإسراع للشهادة ، عندما تكون هذه تخدم مصير قضية ، او مصير شعب ، او تتعلق بمبادئ لا يمكن الرجوع فيها ، او تعلق الامر برفض الإهانة ، والظلم ، والاذلال ، وكسر الرأس للإخضاع على شاكلة خضوع العبيد ...
فعندما يسقط شهيدا في ساحة المعركة ، ومن داخل سجون المملكة الشريفة ، سيكون لهذا السقوط ثمنه الغالي ، الذي هو تحريك المستنقع الراكد ، والتسبب في ململت الوضع بما يؤسس للدولة الديمقراطية حلم جميع المغاربة الشرفاء الاحرار ..
لكن حين يتنصل المسجون من قراراته ، ويتراجع في خطواته ، دون ان يتحقق شيء من مطلب الاضراب ، تكون النتيجة صادمة لجمهور المتضامنين ، والمتعاطفين ، وتبث الشك والحيرة لذا منظمات حقوق الانسان الأممية المختلفة ، ولذا الدول الديمقراطية ، وتنتصر مثل هكذا مواقف للدولة التي ربحت رهان فك الاضراب ، دون ان يتحقق مقابله الذي هو اطلاق السراح ... وخاصة عندما تكون الآليات التي فاوضت المضربين لفك اضرابهم ، مقابل وعود كاذبة غير معلن عنها ، او مقابل تحقيق مطالب لم تكن هي أساس وسبب اعلان الاضراب عن الطعام ... ، أليات للدولة القامعة التي تتصرف كيفما شاءت وارادت مع المسجونين ، بعقلية انتقامية ، مهينة ، وذليلة ، لقتل ما تبقى من عزة في نفوسهم ، هذا انْ بقيتْ ..
ان آليات الدولة التي فاوضت المضربين لفك اضرابهم ، كانت المجلس الوطني ( لحقوق الانسان ) ، ومرصد السجون . ونظرا لخطورة الوضعية ، ونتائجها المنتظرة والخطيرة فيما لو استمر المضربون في اضرابهم ، دفعت بالدولة الى تحريك آلياتها لفك الاضراب قبل حصول النكسة التي سيكون ثمنها باهظا ..
فلو استمر المضربون عن الطعام في اضرابهم و بعزيمة لا تقهر ، وبدأ الشهداء يسقطون ، سيتحول نصر الزفزافي الى رمز ، والى اسطورة ستتغنى بها كل الأجيال داخل المغرب وخارجه ، ولدخل التاريخ من بابه الواسع ، ولوصل الى مرتبة نيلسون ما نذيلا ، وغيره ممن بصموا ببصماتهم تاريخ حقوق الانسان ، ولتكلمت عنه جميع منظمات حقوق الانسان ، وفضائيات كل الدول الاوربية وبأمريكا ، ولأصبح موضوعا رئيسيا بالأمم المتحدة في ميدان حقوق الانسان ...
لقد ربحت الدولة البوليسية الرهان ، عندما حركت آلياتها ، ونجحت في اقناع المضربين بفك اضرابهم من دون ان يتحقق اطلاق السراح .. وتكون قد تجنبت ردود فعل دولية خطيرة ، كان سيكون لها تبعات على ملف الصحراء ، على مستوى علاقة النظام بالاتحاد الأوربي ، وبالولايات المتحدة الامريكية التي ستستغل وفاة الزفزافي فيما لو حصلت ، في ابتزاز النظام المغربي من باب حقوق الانسان والديمقراطية ، لفرض تطبيعه مع إسرائيل مثلما تبتز محمد بن سلمان والنظام السعودي بالصندوق الأسود الذي بين ايديها ، بدأ بتفجيرات 11 شتنبر ، وانتهاء بقتل جمال خجقاجي ....
لقد ربحت الدولة البوليسية الرهان ، وربحت معركة الامعاء الفارغة .... ففك الزفزافي ومن معه الاضراب عن الطعام ، و نجحت الدولة في تجنب ادانة دولية في مادة حقوق الانسان ... لكن المهم بالنسبة للدولة البوليسية ، ان الزفزافي وقيادة الحراك ... لا يزالون في السجن ...
ان تنتظر عشرين سنة بين جذران جد باردة شتاء ، واكثر حرارة مفرطة صيفا ، وشباب يتكهّل ، وصحة تتدهور ، وازهار تذبل ، وعمر يتقدم ، وصورة وجه يتجعد ، ومستقبل قتلوه ... فانت ميّت /حيّ قبل الإعلان عن موتك الطبيعي ... فان تموت في السجن وكما خطط لك النظام ... سيكون موتك كموت من مات موتتا عادية دون ان يترك اثرا يذكر ....
لكن ان تموت وانت مضرب عن الطعام ، وفي سجون النظام ، وشهرتك أصبحت شهرة ... فانت لن تموت ... لأنك ستصير من الخالدات ... من الاستثناءات .. ستتحول الى اسطورة ترددها كل الأجيال ... وترددها كل شعوب التحرر ، والانعتاق ، والديمقراطية في كل العالم ...
فاذا كان الموت حتمية ، وهو كذلك ، فليكن موت شجر ... لان الأشجار تموت واقفة ، شامخة ، رأسها الى الأعلى ، وليس الى المنحدر ..
الدولة البوليسية خطيرة تتقن فن المقالب ...
ندعو الى اطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ، ومعتقلي الرأي ، ومعتقلي فاضح الفساد ، والصحافيين ... وان يتم الإسراع بتصفية الجو السياسي ... لان القادم سيكون خطيرا ، وسيفجر الجميع ... فمن يقتات من الدولة ويتآمر عليها ؟ من يأكل من مائدتها ويقبلها عليها ؟ من أخذ المغرب الى الهاوية ؟ من يعجل بالانتفاضة القادمة ؟ من يحكم باسم الملك ، ويتآمر على الملك حين يسرع حفر قبر الملك ، باسم الملك الذي بسبب وضعه الصحي الحرج ، يجهل ما يجري من صراعات واحقاد باسم الملك .... والضحية سيكون نظام الملك .. ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية