الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الخامس/ 5

دلور ميقري

2020 / 9 / 12
الادب والفن


بقيت بيروزا في دار السيد صالح سبعة أعوام، أي لحين أن طُلبت لابن موسي البكر من امرأته الأولى. في خلال تلك الأعوام، عاشت طفولة سعيدة تحت رعاية الوالدة وزوجها. أيضاً بقية أهل الدار، وبالأخص السيدة شملكان، أظهروا لها الود والمحبة. لكن على أثر امتلاء الدار بالأولاد، المنجبين من ثلاث نساء، لم يعُد لبيروزا الحظوة السابقة وبالكاد انتبه لها أحد غير والدتها. من ناحية أخرى، توجّبَ عليها إعانة النساء في الاهتمام بأولادهن في أثناء انشغالهن بشئون المطبخ والغسيل والنظافة. المشاحنات بين هذه المرأة وتلك، عليها كان أن تؤثر على ابنة ريما، وفي التالي، على علاقتها بالأطفال. بعد أعوام، عندما أضحت بنفسها أماً، انعكس كل ذلك على طريقة تعاملها مع أولادها: لقد نشأ هؤلاء في بيت الوالدين كما لو كانوا أغراباً، فلم يجدوا الحنانَ والأمان سوى بوجود الجدّة ريما.
كونها انتقلت من دولة إلى دولة أخرى وكانت في السابعة من عُمرها، صُرفَ كثيرٌ من الوقت على بيروزا في تدبير أوراق رسمية لها. في ذلك العام، لما فتحت المدرسة أبوابها، لم يفكّر أحدٌ من ذويها بارسال الطفلة لنيل حظها من التعليم؛ أو القراءة والكتابة، على الأقل. مع مرور الزمن، لاحَ أنها لن تنبغ كوالدتها في الخياطة أو حتى في المطبخ. غير أنها كانت خدومة، لا تتذمّر حينما يُطلب منها المساعدة في أشغال الدار. كذلك كانت تُلبي بسرور طلباتِ الجارات من صديقات والدتها، لشراء حاجةٍ من الدكان أو نحوها، ما فتحَ لها بابُ الصداقة مع بناتهن اللواتي من جيلها. حين يحل المساءُ، يقدم إلى الدار بعضُ آباء أولئك الصديقات لقضاء السهرة عند السيد صالح. عند ذلك يصدح المذياعُ، أو الحاكي، بالألحان والأغاني، وتتمايل الرؤوس طرباً. أحياناً، كان ندماءُ الكأس يتواجدون في السهرة ويبقون حتى مطلع الفجر: ديبو، الابنُ البكر لموسي، أضحى أحدَ هؤلاء الندماء في ضيافة السيد صالح، الكريمة، وذلك بعد خطبته لربيبة الرجل.

***
نظيرة، كانت تماثل في الجمال شقيقتها الصغيرة، ريما، بل وتتفوق عليها بالطول الفارع والرشاقة. كانتا متحابتين، ملتصقتين إحداهما بالأخرى كما لو انهما توأم. لكن القدَرَ رسمَ مساراً آخر لهذه الأخوة الحميمة، بقرار الأب الرحيل مع أسرته إلى موطن الأسلاف. فيما بقيت نظيرة في الشام، وكانت آنذاك متزوجة وحامل بأشهرها الأخيرة. إنها هيَ مَن كانت سببَ رحيل أسرتها، كونها رفضت قبل ذلك الاقترانَ من موسي؛ قريبها، وابن زعيم الحي. هذا الأخير، فُتنَ بقريبته دونَ أن يعلم بتعلّق قلبها بشخص آخر. بدَورها، كانت نظيرة ( أو نازو بحَسَب ما تُنادى اختصاراً ) قد وقعت في هوى شاب من الأقارب البعيدين دونما معرفة بمسلكه المنحرف وضعّة شخصيته. إلى ذلك، كان الشاب يعمل أجيراً في زريبة يملكها والدها في بساتين الحارة. لما أخذ زعيم الحي علماً بمن يكون المنافس على قلب نازو، عبّرَ عن سخطه من تقليل قيمة ابنه، الذي فضلاً عن رفعة أخلاقه يعمل كوكيل أعمال أحد وجهاء آل شمدين. في النتيجة، فرضَ الزعيمُ عزلةً على والد الفتاة، أدت بهذا الأخير إلى قراره في هجر الشام بشكل نهائيّ.
ريما، برغم أن سنها لم يتجاوز السبع سنين في أثناء احتدام الخصام بين العائلتين على خلفية مسألة الزواج، فإنها دأبت أن تكون بمثابة نجيّة لشفيقتها الكبيرة. بقيت راسخة في ذاكرتها، أحاديثهما حول المسألة، وكانت مع مرور الزمن تستعيد ذلك في كل مرةٍ بمزيد من الألم والحسرة. إنها تذكرُ خصوصاً إحدى الليالي الربيعية، عندما انفردت مع نازو في حجرة نومهما. قبل قليل، أطلت الأم عليهما، فتظاهرتا برغبتهما في النوم مبكراً. بعدئذٍ، استعدت ريما لفتح قلبها لشقيقتها، كمألوف العادة في تلك الأيام العصيبة. أطلقت نازو تنهدة، مستهلةً القول: " المحزن في هذه المسألة، وضعُ أبينا. أشعر بنظراته دوماً، المفعمة بالتأنيب والملامة. لكنّ القلبَ مُتطلّبٌ، ووالدنا خير من يعلم ذلك كونه تزوج عن حب "
" هل كانوا يتحابون أيضاً في زمن آبائنا وأمهاتنا؟ "، تساءلت ريما. فأطلقت شقيقتها ضحكة مقتضبة، ثم أجابت: " يا لك من ساذجة، يا صغيرتي! بالطبع كان الحب موجوداً في زمنهم، بل ومنذ أن خلق الله هذا العالم ".
نازو، توفيت قبل ولادتها، بضعة أشهر عقبَ رحيل الأسرة إلى موطن الأسلاف. لكن والديها لم يعلما بذلك، أبداً. جائحة الريح الأصفر، اختطفت روحيهما مع أرواح أكثر أفراد الأسرة. أما ريما وشقيقها الكبير، فإنهما كانا يعتقدان بأن نازو ستكون في استقبالهما لدى عودتهما إلى دمشق.
***
مع تقدّم موسي لخطبة بيروزا لابنه البكر، تذكّرت والدتها ولا غرو مأساةَ أسرتها، المعلومة. لقد أبدت موافقتها على طالب القرب، مع يقينها بأنه لا يصلح زوجاً بالنظر لخلقه الصعب. مع ذلك، امتنعت عن الجواب إلى أن فاتحت ابنتها بالأمر. بيروزا، لم تخف عندئذٍ اعجابها بديبو، إن كان لوسامته أو هيبة وظيفته كأحد عناصر الدرك. كونها ابنة رجلٍ قتلَ في حادثة ثأر، ضافرَ ذلك من ميلها لطالب القرب. لأن هذا الأخير، أخذ بثأر ابن أخيه، وكان قد قتل عن طريق الخطأ من قبل أحد نواطير بساتين الحارة.
" وإذاً، لن تلومي إلا نفسك لو أن صاحبَ الوسامة والهيبة سامكِ العذاب بشراسته، المأثورة عنه "، قالت لها والدنها. لاحقاً، عندما لامها السيد صالح على قبول طالب القرب، ردت ريما بالقول: " لا أرغب بتكرار مأساة أسرتي، كما أنني أعوّل على موسي في شكم ابنه وإعادته إلى جادة الصواب. كذلك أعتمد عليك، كون ديبو يحترمك ويقدرك ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع