الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ربيع العراق ... ونيران إيران .. تداعيات الهيمنة ؟

داود البصري

2003 / 4 / 26
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

تسارع الأحداث الداخلية في العراق وتطورها صوب الإتجاه لمحاولة بعض الأطراف السياسية العراقية لصياغة برنامج حكم عراقي مستقبلي يتسم بشكل ديني وأصولي محض قد أصبح اليوم هاجسا حقيقيا لايؤرق أصحاب الفكر التحديثي والليبرالي والدستوري في المعارضة والمجتمع العراقي فقط ، بل أضحى هاجسا عاما إقليميا وعربيا ودوليا ؟ إذ من المعلوم والواضح والمسجل تاريخيا أن أهم أسباب فشل إنتفاضة عام 1991 العراقية الشعبية هي المخاوف من تحول تلك الإنتفاضة وبالشعارات التي ظهرت بها ومحاولة بعض الأطراف الإيرانية تجييرها لصالحها إلى مشروع هيمنة سياسية أصولية على الوضع العراقي الهش وقتذاك وسط ركام هزيمة النظام العراقي البائد الكارثية في حرب تحرير الكويت ! وهو ماكان ولم يزل خطا أحمر للإستراتيجية الأميركية المعلنة بوضوح والقاضية بعدم التعامل مع الحكم الأصولي سنيا كان أم شيعيا؟ ، واليوم وفي إطار الإنهيار المفاجيء والسريع لنظام صدام البائد تحركت كل الأطراف المهتمة بالوضع العراقي بسرعة قياسية لتحاول ملأ الفراغ الكبير الناجم عن هروب وتلاشي السلطة العراقية وإنفتاح الأوضاع على أكثر من إحتمال ! خصوصا وأن الأجهزة الإستخبارية الإيرانية والجماعات السياسية المرتبطة بها كانت على أتم الإستعداد للتدخل السريع وبطريقة وثوب إستراتيجية من شأنها أن تشكل مفاجأة حقيقية لكل الإحتياطيات الأمنية لقوات التحالف الدولي ؟ فالإيرانيون قبل غيرهم يعتبرون العمق العراقي بمثابة قدس الأقداس في الحفاظ على تجربة الحكم الإيراني ؟ وحتى في تعاملاتهم مع خصمهم اللدود السابق صدام فإنهم كانوا في منتهى البراغماتية والإنتهازية السياسية ، وكانت مصلحتهم الإستراتيجية العليا تكمن في المحافظة قدر الإمكان على نظام ضعيف ومحاصر ولايتعيش إلا على الشعارات ولايصدر سوى الأحلام رغم أن هذا النظام قد أضر كثيرا بشيعة العراق إلا أن ذلك الضرر لم يحفل به الإيرانيون كثيرا فمهام الحفاظ على دولة الثورة الإيرانية ونموذج دولة ( الولي الفقيه ) أهم كثيرا من كل إعتبارات التضامن اللفظية مع المستضعفين العراقيين ؟ لذلك لم تكن غريبة المواقف الدبلوماسية الإيرانية بالوقوف لجانب النظام العراقي لأن الإيرانيين كانوا يتخوفون من وجود المارينز على حدودهم ولكنهم يتخوفون ويتعوذون ويبسملون ويرتعبون من وجود نموذج ديمقراطي حقيقي في العراق ؟ لأن ذلك بمثابة إعلان حرب على دولة الولي الفقيه التي لاتحظى بقيول شعبي عراقي لإعتبارات عديدة لعل أهمها طبيعة الوضع الطائفي العراقي وطبيعة المؤسسة الدينية الشيعية العراقية ذاتها ؟ وطبيعة وضع أحزاب المعارضة العراقية ذاتها ، بالإضافة لطبيعة الديموغرافيا العراقية ذاتها ؟ وجميعها تصب في خانة الرفض المطلق لأي مشروع سياسي إيراني مشابه لن يجلب سوى الدمار للعراق والعراقيين .. وهذه حقيقة إستراتيجية لاتقبل التأويل ولا الجدل ؟ فالإستقطابات الطائفية وهي حساسة وخطيرة ستصيب العراق في مقتل ! وهي حالة لايريدها العراقيون مهما تصاعدت درجة خلافاتهم السياسية ؟ ومن الملاحظ من خلال متابعة المسيرات الهستيرية في أربعينية الإمام الحسين (رض) في كربلاء يتضح أن الأصابع الإيرانية كانت واضحة عبر الشعارات وعبر إستغلال طاقات الجماهير المكبوتة التي أتيح لها أن تنطلق بعد ربع قرن من الكبت البعثي والذي كان سياسة غبية وحمقاء ، فظهور شعارات مثل ( الموت لأميركا ) !! لم يكن تعبيرا عن رغبات الشارع العراقي العام بقدر ماكان شعارا إيرانيا إنتقل بقدرة جهازي ( الإطلاعات ) و( السافاما ) إلى الشارع الكربلائي وسط فورة الجماهير ؟ لأنه وببساطة لولا التدخل الأميركي الذي أسقط نظام البعث وكنسه من خارطة السياسة العراقية ماتسنى لكل هذا الحشد أن يلتئم ؟ ولما شعر العراقيون بفضاءات غير محدودة من الحرية التي عبرت عن ذاتها بممارسات متشنجة ومظاهر غير مرغوبة ولكنها الحرية المفقودة ولاتسألن الجائع والمحروم عما يفعل في لحظات الصدمة الأولى .. ولكنكم حاسبوه بعد أن يشبع ؟ وكما قال الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري ( رض ) : عجبت لمن لايجد قوت يومه لماذا لايخرج على الناس شاهرا سيفه ؟ وقد أخرج شيعة العراق سيوفهم لاليمارسوا ممارسات خاطئة وغريبة عن الدين فقط بل تعبيرا عن حنقهم من كل مصائب العقود الماضيات ؟

ولكن مع إستعراض القوة الشيعي في يوم الحزن الكربلائي ألا يتساءل المرء عن جدوى تلكم الحشود وهي تلطم الخدود وتشق الجيوب والظهور وتفلق الرؤوس بالسيوف لتطلخ ببقايا الدماء على أجساد الأطفال في مناظر أقل مايقال أنها مقرفة ولاعلاقة لها من قريب أو بعيد بالولاء لآل بيت النبوة الكريم المطهر ولا بأي طقس من طقوس الإسلام والتشيع الحقيقي وليس التشيع الصفوي المتخلف ؟ ولماذا لم تستثمر تلكم الحشود والدماء طاقاتها ودمائها في صراعها ضد نظام صدام الذي داس على كل قيم الشرف والمروءة والكرامة لغالبية العراقيين ؟ ولوفروا بذلك على العراقيين جميعا مذلة الإحتلال الأجنبي وهوانه ؟ وبعد كل ذلك الكرنفال الحاشد يخرج من بين الصفوف من يشتم الأميركان ويستل الشعارات السياسية المطبوعة في الدوائر الإيرانية ليحاول تمرير المشروع السياسي الإيراني المرفوض شعبيا وشيعيا وإسلاميا ووطنيا ؟.

الإستقطاب الطائفي الذي مثلته الشعارات غير المسؤولة والتحركات المدروسة لبعض الشيوخ الذين هادنوا صدام ثم عادوا ليشعلوها فتنة لاتبقي ولاتذر ليس له مستقبل في الأفق السياسي العراقي والمشروع المستقبلي الذي ينبغي أن يكون مشروعا وطنيا حداثيا وعلمانيا لايخضع لمرجعيات خارجية ولايقامر على وحدة العراق في لعبة المصالح الإقليمية الخطرة ، فالعراق للكردي مثلما هو للعربي وللتركماني مثلما هو للآثوري وللمسيحي مثلما هو للمسلم وللشيعي مثلما هو للسني وليس لعراقي على عراقي من فضل إلا بمدى ولائه للعراق ولشعبه ولقيم الحرية والخير والتسامح الطائفي والقومي والديني والحزبي ، واي حديث عن دولة إسلامية يعني بصريح العبارة حديث وتكريس للتقسيم وتسويق لمنطلقاته ، وليس سرا أن إيران تلعب لعبتها من خلال رجالها في المعارضة الإسلامية المرتبطة بها وخصوصا جماعة المجلس الأعلى الذين تسيرهم إيران بشكل واضح ولايستطيعون فكاكا من الإلتزام بالولاء لإيران حتى وإن كانت رغباتهم الذاتية عكس ذلك تماما لذلك نرى الإستقطاب السياسي قد إشتدت وتائره وبما ينذر بإصطدامات قد تحدث داخل الجسم الشيعي ذاته وبما يعرقل حالة الإنتقال السياسي في العراق لمرحلة جديدة هي مرحلة ( العراق النموذج ) الذي تراهن الإدارة الأميركية وقوى التحالف عليه وبما يتناسب وضرورات المرحلة القادمة في العراق ، حيث البناء ، والتفاعل السلمي ومحاولة اللحاق بركب التطور الحضاري بعد سنوات العزلة البعثية القاتلة ! ، فالصراع على العراق وفيه وحوله سيشتد لامحالة ، وكل المشاريع تتقاطع اليوم في الدروب العراقية المنهكة وتراجع المشروع القومي في العراق بفعل حماقات البعث لايعني غلبة المشروع الطائفي ولاسيادته ، بل يعني حالة إمتزاج وتفاعل جديدة ستقرر صورتها التطورات القادمة ، ولكن العراق لن يسقط في حبائل الصراعات والتناقضات ، بل سينبثق العراق الحر الليبرالي الجديد وبما يعوض كل سنوات العذاب والدكتاتورية ، أما الإستقطابات الطائفية فلاتعني في البداية والنهاية سوى تهاوي كل رموز الماضي أمام قوى الحداثة والتغيير .

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد