الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤشرات التطبيع السياسي بين الجزائر والكيان الصهيوني

ابراهيم قلواز

2020 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


تشهد الجزائر منذ اندلاع موجات الحراك الشعبي تحولات جذرية وثورية حادت الكثير منها عن أسس الدولة الجزائرية، ورسالة الشهداء وبيان أول نوفمبر 1954 الذي صاغه مفجري ثورة التحرير، ومست هذه التحولات بنية المجتمع وعقيدته وتقاليده واستهدفت هويته، وبذلك تشكلت معالم مكتملة الأركان لجزائر جديدة، مختلفة تماما عن تلك التي نادى بها الحراك المبارك الأصيل في بدايته، وتبدوا هذه المعالم أقرب ما يكون إلى مخرجات ما نادى به أنصار الثورة المضادة الرافضين لقيام جمهورية نوفمبر المجيد.
ومع عرض مسودة الدستور المعروضة على الاستفتاء في أول نوفمبر القادم، تأكد تماما الانحراف الذي تعيشه الدولة الجزائرية، والأبعاد الجديدة التي يراد لها أن تسلكها ثقافة وعقيدة وسياسة وأيديولوجية، والنصوص الدستورية الجديدة توضح بما لا يدع مجالا للشك أو التأويل ما تقدم ذكره.
أربع علامات فارقة ومفاجئة جاءت في وقت متزامن، وفي يوم واحد، وكلها مؤشرات تؤكد على دخول الجزائر المرحلة الّأولية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهي مرحلة التحضير النفسي للشعب الجزائري للقبول بذلك، ومرافقة ذلك التحضير والتهيئة النفسية بنصوص قانونية ودستورية وكذا حشد نخبوي ثقافي لإقناع الشعب بالأمر الواقع، وتكفل نخبه الثقافية والاعلامية وحتى البرلمانية للدفاع عن هذه الخطوة، وإيجاد مصوغات التبرير اللازمة لذلك لترسيخ قناعة لدى الشعب الجزائري بضرورات وحتميات التطبيع كمسار طبيعي مكمل للتحولات الداخلية والاقليمية، والهندسة الدستورية الجارية لبناء دولة المواطنة ودولة الحق والقانون.
فمن إعلان مسودة الدستور التي تقر حرية المعتقد ومساواة الأديان دون تمييز وهي تعني اليهودية بالأساس، مرورا بالنقاش البرلماني حول كيفية التعامل مع اليهود كمواطنين وإشكالية حرية ممارسة طقوسهم في وقت كان نتانياهو وترامب يعلنان التطبيع بين الكيان الصهويني ومملكة البحرين، لتفاجئنا مجموعة من المثقفين محسوبين على التيار الفرانكو بربري ببيان يعترف بالمواطنة اليهودية، والثقافة اليهودية كجزء من الأمة الجزائرية وثقافتها ويبتر الأصل العربي للجزائر ويرجعها إلى أصل أمازيغي.
مهد دستور أحمد لعرابة خبير الأمم المتحدة للإعتراف بالديانة اليهودية كجزء من معتقدات الجزائريين حينما ساوى بين العبادات دون تمييز، وهي تشير بالذات الى اليهودية ووجود اليهود المسكوت عنهم في الجزائر الى اليوم، والاعتراف لهم بالمساواة والمواطنة، ويبدوا أن صانع القرار الجزائري تعرض لضغوط أمريكية كبيرة لوضع هذا البند خاصة وأن تقارير وزارة الخارجية الامريكية رسمت صورة سوداوية تدين الجزائر فيما يتعلق بحرية ممارسة الأديان والهدف واحد وهو الاعتراف باليهود ووضع النص الدستوري لوجودهم وعباداتهم، ونتذكر الجولات الكبيرة التي عقدها السفير الأمريكي مع مختلف الأحزاب بخصوص مقترحات التعديل الدستوري منذ ماي الفارط.
ويبدوا أن المشرع الجزائري حاول تقييد وعزل الوجود اليهودي عن الوظائف السامية والحساسة دون تحديدها، خاصة وأنه يقر بالمساواة الكاملة بين جميع المواطنين بما فيهم اليهود الذي سيصبحون بموجب الدستور كاملي الحقوق، لذلك استدرك الوضع بوضع نص يستثني الوظائف الحساسة أماهم دون تحديد طبيعتها.
لكن الإشكال الأكبر ليس هنا فقط، وإنما في النقطة التالية التي تعتبر المدخل الحقيقي المستقبلي للتطبيع، وهو ما أثاره أعضاء مجلس الأمة ويتعلق بكيفية التعامل مع اليهود في موسم الحج إلى حائط المبكى بالأراضي المحتلة ما يعني حتمية تغيير موقف الجزائر الذي كان يتحفظ سابقا على زيارة أي مواطن جزائري للكيان الصهيوني.
وفي الوقت الذي كان يناقش فيه مجلس الأمة مسودة تعترف بمواطنة اليهود ومناقشة أحد مداخل التطبيع؛ أعلن كل من رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتن ياهو والرئيس الأمريكي ترامب عن التوصل الى تطبيع كامل بين البحرين والكيان الصهيوني قبل أقل من شهر عن اتفاق آخر للتطبيع مع الأمارات، وأكد كل من ترامب ونتن ياهو أن عملية التطبيع لن تتوقف والحبل جرار، وسنشهد اتفاقيات تطبيع مع دول عربية أخرى، يبدوا من المشهد السياسي أنها ستكون المملكة السعودية وسلطنة عمان وقطر، لذلك لا يستبعد أن تتوالى عملية التطبيع مع جميع الدول العربية دون استثناء، تحت طائلة الضغوط التي تقودها الإدارة الأمريكية، ومنه يمكن اعتبار تزامن هذه العمليات الدستورية والإفصاح علانية بمواطنة اليهود الجزائريين في وقت إعلان التطبيع الصهيوني البحريني يعتبر ذلك مؤشرا على عملية التحضير الذهني لقبول فكرة التطبيع بين الجزائر والكيان الصهيوني.
وما كادت تنتهي هذه الفعاليات المتزامنة حتى خرجت علينا مجموعة من المثقفين ببيان يبدوا وأنه حلقة مضبوطة ضمن السلسلة السابقة لما تم ذكره بإشارة احتفالية تعطي إشارة انطلاق الحملة الثقافية والنخبوية التي تستهدف التحضير الذهني لقبول التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني.
حمل البيان السالف ذكره تحت مرأى وزارة الثقافة ومستشارها العياشي حميدة الاعتراف بالتنوع الثقافي الجزائري بما فيه الثقافة اليهودية والاعتراف بالمساواة مع المواطنين اليهود الجزائريين، ووقع على البيان شخصيات ثقافية بارزة كربيعة جلطي وعبد الرزاق بوكبة ومعظمها محسوب على التيار الفرانكو بربري، وفي قراءة متأنية لأولى عبارات البيان الثقافي التمهيدي للتطبيع نستشف تحالفا باطنيا بين أتباع هذا التيار والكيان الصهيوني، حيث يدعم فيه هذا الأخير أمازيغية أصل الجزائر حسبهم في مقابل دعم هذا التيار وتأييدهم للتطبيع مع الكيان الصهيوني؛ بدءا من العمل على تحضير الخريطة الذهنية للجزائريين لقبول الثقافة اليهودية والديانة اليهودية والمساواة في المواطنة مع اليهود كجزء أصيل من مكونات الجزائر، وعلى هذا الأساس صاغ البيان التأكيد على أمازيغية الجزائر حصرا وأبعادها الجغرافية المتوسطية والإفريقية، وتاليا الإشارة على مضض الى انتسابها وفقط الى منطقة عربية أي تجريدها من أي أصل عربي لها.
بغض النظر عن احتمالية تمرير هذا التعديل الدستوري فإن ما يمكن التأكيد عليه أن الجمهورية الجزائرية تغيرت جذريا وانحرفت عن مبادئها وأسسها، في ظل تقديم السلطة للكثير من التنازلات والرضوخ للابتزاز والضغوط، في مقابل استمرار تلك السلطة في الحكم بأي طرق كانت، وتغاضي الأطراف الدولية والداخلية المعارضة عن ذلك في ظل حصولها على ماتريد، واليوم يواجه نظام مشكوك فيه ومهزوز الشرعية نفس الضغوط وهو يحاول تثبيت شرعيته ونيلها من القوى الكبرى والمعارضة الجهوية الداخلية في مقابل تقديم تنازلات جوهرية كبيرة باعتماد قومية جديدة والتمهيد للفدرلة والاعتراف باليهود والتمهيد للتطبيع.
لذلك فإن استفتاء نوفمبر ليس مناسبة أبدا لرؤية ترسيخ نوفمبرية الدولة الجزائرية ويبدوا أن هذا المشروع لا زال بعيد المنال في ظل هذه الوضعية الداخلية منذ اندلاع الحراك الشعبي الذي زاد من حدة الانقسامات الداخلية، وأبان عن ألوان الانقسام العرقي الذي تلعب على وتره القوى الدولية للتفكيك، وكذا مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني.
منذ مصافحة الرئيس السابق بوتفليقة عبد العزيز لرئيس وزراء الكيان الصهيوني ايهود باراك في جنازة الراحل الملك الحسن الثاني ملك المغرب، ثم استقبال ممثل اليهود في الجزائر وعودة بعض عائلاتهم؛ بدا واضحا أن الجزائر مقبلة على هذا المسار الذي نشهده اليوم، على الرغم من الرفض الشعبي المطلق لأي محاولة تطبيع لذلك يبقى نجاح واستمرار هذا المشروع نحو التطبيع الفعلي مرتبط ليس بقدرة الفواعل الدولية على النيل من السلطة بضغوطهم وإنما بمدى النجاح في استراتيجية تحضير الخريطة الذهنية للأغلبية، لذلك سنشهد في الفترة القادمة رسائل ومؤشرات جديدة ستتكثف ويتكثف معها عمل النخب الثقافية والاعلامية من التيار الذي وقع البيان لتأييد فكرة التطبيع تدريجيا، خاصة وأنه يمتلك ترسانة قوية من المنصات الإعلامية الخاصة التي تتيح له تمرير الرسائل المرغوبة لأجل ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر