الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-اتفاق أوسلو- والمأزق الفلسطيني

سعيد جميل تمراز

2020 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


يصادف اليوم الأحد الموافق الثالث عشر من أيلول (سبتمبر) 2020م، مرور سبعة وعشرين عاماً على توقيع "اتفاق أوسلو"، ففي الثالث عشر من أيلول (سبتمبر) 1993م، وقّع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وإسحق رابين رئيس الوزراء "الإسرائيلي" في ذلك الوقت، في حديقة البيت الأبيض بواشنطن على اتفاق سلام بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل" باسم (إعلان المبادئ- حول ترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية) الذي اشتهر باسم "اتفاق أوسلو" نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية بين الطرفين التي أفرزت هذا الاتفاق، وتألف الاتفاق من سبع عشرة مادة وأربعة ملاحق، إضافة إلى محضر تفسيري لبعض مواد الإعلان، وحدد في مادته الأولى، هدف المفاوضات في إقامة سلطة حكومية ذاتية انتقالية فلسطينية، المجلس المنتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، وتؤدي إلى تسوية دائمة تقوم على أساس قراري مجلس الأمن 242 و 338، كما اتفق خلاله على تأجيل بحث قضايا الصراع المعقدة مثل: مدينة القدس والمستوطنات واللاجئين إلى المرحلة النهائية.
أثر "اتفاق أوسلو" على الوحدة الوطنية الفلسطينية:
مثل التوقيع على "اتفاق أوسلو"، نقطة انعطاف نوعية في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية، وأدخلها في مرحلة جديدة أدت إلى انهيار الوحدة الوطنية الفلسطينية، فقد أثار "اتفاق أوسلو" بنصوصه الملتبسة ردود أفعال مختلفة ومتناقضة على الساحة الفلسطينية، وأدى إلى انقسامها بين تيارين، أحدهما يمثل قيادة منظمة التحرير (تقوده حركة فتح)، والثاني يمثل فصائل المعارضة الفلسطينية (تقوده حركة حماس)، وأصبح من الصعب العمل ضمن برنامج سياسي مشترك ومتفق عليه، الأمر الذي أدى إلى غياب الإجماع الوطني، وبذلك تعرضت الوحدة الوطنية للتصدع.
وكانت الفصائل الفلسطينية المعارضة هي الأسرع في التعبير عن موقفها الرافض لاتفاق "إعلان المبادئ"، فما أن كشف النقاب عن مشروع الاتفاق حتى أصدرت "الفصائل الفلسطينية العشرة"، إثر اجتماع عقده أمناؤها العاملون في دمشق في الأول من أيلول 1993م، بيانا اعتبر أن مشروع الاتفاق وملحقاته" ما هو إلا انصياع كامل للمقترحات الأمريكية _ "الإسرائيلية" المعبر عنها، ومنذ سنوات بالحل عبر الحكم الإداري الذاتي المتجاوز كليا للحد الأدنى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني"، كون مضمونه" يعنى تكريس الاحتلال، والسعي لإضفاء الشرعية عليه، من خلال بقاء الأمن والخارجية والمستوطنات والقدس والسيادة بيد العدو وخارج البحث"، وكون عناصره "تتجاهل وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة قضيته وأرضه ومصيره داخل فلسطين وفى الشتات من خلال القفز عن حقه في التحرير والعودة إلى وطنه فلسطين".
كما اعتبرت الفصائل الفلسطينية المعارضة أن "اتفاق أوسلو" فشل في إرساء أرضية لتسوية سياسية للصراع الفلسطيني – "الإسرائيلي"، تتيح إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وتتمتع بقدر ملموس من السيادة، ولا تتخلى عن حقَّي العودة وتقرير المصير وفق البرنامج الوطني الفلسطيني الذي اعتمدته قرارات منظمة التحرير الفلسطينية في الثمانينيات، كما أن الاتفاق لا يضمن زوالاً نهائياً، أو تدريجياً للاحتلال عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م.
يمكن القول، أن "اتفاق أوسلو" شكل نقطة مفصلية في طبيعة العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية، حيث أحدث الاتفاق شرخاً حقيقياً في وسط الشعب الفلسطيني، نتج عنه حالة انفصام في العلاقات الفلسطينية، وبروز تناقضات سياسية بين أطراف العمل الفلسطيني المختلفة، كما كرست الانقسام الفلسطيني؛ وتعرضت الوحدة الوطنية للتصدع بعد غياب القواسم المشتركة للعمل الفلسطيني المشترك، وشكل غياب القواسم المشتركة عنصراً في تعزيز الصراعات داخل الحركة الوطنية الفلسطينية، وتحدياً خطيراً وتهديداً مباشراً للحركة الوطنية بفصائلها ومؤسساتها ونضالاتها وبعدها التحرري، وحصل اصطفاف جديد في الساحة الفلسطينية بعد التقارب بين الفصائل الإسلامية ، والفصائل اليسارية والوطنية التي انضمت إلى الفصائل العشرة المعارضة للعملية السلمية، وأصبح الشرخ الذي أحدثته "مسيرة التسوية" في بنيان القوى الوطنية عائقاً أمام إيجاد مقاربة سياسية لإعادة صوغ الوحدة الوطنية الفلسطينية في ظل الاتفاقات المعقودة بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل".
أثر "اتفاق أوسلو" على مستقبل منظمة التحرير الفلسطينية:
هيأ "اتفاق أوسلو" لتحولات واسعة في النظام السياسي الفلسطيني، ولعل أبرزها، انتهاء دور منظمة التحرير، فقد كان لعودة قيادة م. ت. ف للداخل، وإنشاء السلطة الفلسطينية، وتركيز الجهود على بنائها ووظائفها، والمراهنة غير المحسوبة على تحولها إلى دولة سيادية خلال أعوام معدودة، ساهما في تهميش مقصود لمؤسسات منظمة التحرير، ولعملية الحط من مكانتها باعتبارها الوعاء الحاضن والموحد للشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات، وقد ولّد تهميش دور مؤسسات المنظمة، والانقسام العمودي الجاري في الحركة السياسية الفلسطينية، وشلل مؤسساتها التشريعية المنتخبة، أزمة تمثيل للشعب الفلسطيني على الرغم من بقاء الاعتراف الدولي والعربي بالمنظمة كممثل للشعب الفلسطيني، لكن هذا التمثيل يتحول مع بقائها مغيّبة، إلى تمثيل شكلي تماماً.
وبفقدان منظمة التحرير صفة وحدانية التمثيل للشعب الفلسطيني، انتهت المؤشرات الخارجية على وحدة الشعب الفلسطيني، وبات وجود المنظمة وجوداً رمزياً ليس أكثر، فقد تحولت المنظمة وهيئتها القيادية الأولى المسماة باللجنة التنفيذية إلى مجرد أداة ووسيلة فقط يتم استحضارها عند الضرورة لتمرير قرارات وتوجهات سياسية محددة، فيما افتقدت دورها الوطني العام الجامع في إطار قيادة مجموع الحركة الوطنية للشعب الفلسطيني، ومن هنا، فإن الإشكالية تكمن في غياب التعبير المؤسساتي عن وحدة الشعب الفلسطيني، وهويته الوطنية، ومصالحه الوطنية من جانب، وفي غياب دولة فلسطينية ذات سيادة لجميع الفلسطينيين أينما كانوا تملك القدرة على تمثيلهم، والدفاع عن مصالحهم من جانب ثان، وإن شطب الشتات الفلسطيني بالكامل، يعني في أقل تعديل، أنه لا يمكن لأجزاء من الشعب الفلسطيني كافة ممارسة حق تقرير المصير بآلية واحدة، وفقدان الوحدة سيؤدي إلى تعدد مصائر مختلف مجموعات الشعب الفلسطيني، وذلك يعني أن الاتفاق نجح في تقسيم الشعب الفلسطيني الذي نجحت المنظمة في توحيده، فالاتفاق يستهدف سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، وتجاهل مصير البقية الباقية من مكونات الشعب الفلسطيني، وبخاصة 55% ممن يقيمون في الشتات، وتراجع اهتمام المنظمة بقضايا الشعب الفلسطيني في الشتات، وتدريجياً بدأ الانفصال عنه، الأمر الذي قاد إلى انفراط العقد الوطني والوحدة الوطنية.
أثر "اتفاق أوسلو" على المشروع الوطني الفلسطيني:
شكل "اتفاق أوسلو" تحدياً خطيراً وتهديداً مباشراً للمشروع الوطني الفلسطيني كمشروع تحرري، واختزاله في مشروع التسوية الهادف إلى إقامة حكم ذاتي ناقص في الضفة والقطاع، ويخضع للهيمنة "الإسرائيلية"، فالمشروع الكياني يتعارض بأسسه ومهماته مع المشروع التحرري، فالمشروع الكياني الحالي، يشكل تراجعاً عن المشروع التحرري، ويستمد قوته وشرعيته من صفقة بائسة، لكن ملزمة، تمت بين طرفين غير متكافئين على الإطلاق، وإن الدعوة إلى التكامل بين المشروعين (الكياني والتحرري) تصبح ضرباً من الأوهام، ليس ذلك فحسب، بل إن محاولة الجسر بين المشروعين، فضلاً عن التكامل بينهما، تبدو أبعد عن المنطق، وأقرب إلى المستحيل، الأمر الذي أدى إلى حدوث تصدع في الإجماع الوطني حول هذا المشروع، وأصبح التناقض بين المشروعين عائقاً أمام تحقيق الوحدة الوطنية لدى الشعب الفلسطيني.
كذلك جعل "اتفاق أوسلو"، ممارسة الوسائل التي تخدم هدف التحرر الوطني، مع أن الهدف لم يتحقق ولا يزال قائماً، غير فاعلة، وتكمن تلك الأزمة في أن الدخول في العملية التفاوضية يسقط الأولوية عن المهمة التحررية، وهو ما يعني الانتقال إلى مرحلة بناء الحياة الفلسطينية، من دون انجاز عملية هدم الاحتلال "الإسرائيلي" وتصفيته، وبذلك أصبح الجهد الوطني الفلسطيني مركز على مهمة ترسيخ أسس قيام كيان فلسطيني، مما صعب مهمة النضال من أجل التخلص النهائي من الاحتلال "الإسرائيلي"، الأمر الذي يعني عدم وجود تفاهم وطني فلسطيني على أشكال وأساليب النضال المناسبة، مما شكل عائقاً دون قيام وحدة نضالية وطنية فلسطينية.
ويعاني المشروع الوطني الفلسطيني حالة من الانسداد وفقدان الاتجاه، وهي ليست أزمة جديدة، بل هي تحصيل حاصل لحال التشتت المجتمعي، ولغياب هدف وطني جامع للفلسطينيين، وإخفاق الحركة الوطنية الفلسطينية في مهماتها، وهو أيضاً نتاج التأزم في عملية مواجهة المشروع الصهيوني، بما هو عليه كمشروع استعماري استيطاني وإحلالي وعنصري، وبحكم تمتّع "إسرائيل" بعناصر الغلبة في موازين القوى، والمعطيات العربية والدولية.
كما أن أزمة المشروع الوطني الفلسطيني لم تتمثل فقط في عجزه عن تحقيق أهدافه، بل في عدم اعتراف القوى الفاعلة والمقررة والمعنية بمسؤوليتها عن الفشل أيضاً، ومشكلة تلك القوى أنها مازالت غير مدركة تماماً للتراجع الخطير الذي وصلت إليه، ببناها ومكانتها وقدراتها، أو إنها تتجاهل ذلك عن عمد، كما أن تلك الأزمة لم تدفع القوى السياسية الفلسطينية الفاعلة إلى مراجعة نقدية للمرحلة السابقة، واستخلاص استراتيجيات نضالية فاعلة في المرحلة الراهنة، وإنما تبدو هذه القوى فاقدة القدرة على المبادرة وتجيد الاختباء وراء شعارات عامة مكررة لا فائدة لها في توجيه حركة الشعب الفلسطيني في تجمعاته الرئيسة، على الرغم ممّا تبديه هذه من استعداد للحراك، ولا تفيد أيضاً في استنهاض التأييد والدعم العربيين والعالميين.
أثر "اتفاق أوسلو" على مستقبل الدولة الفلسطينية:
لعل أخطر نتائج "اتفاق أوسلو"، تكمن في منح الشرعية لوجود دولة الاحتلال من دون اشتراط شرعية مقابلة لدولة فلسطينية، وانتهاجا سياسة تقوم على وضع العراقيل أمام إقامة دولة فلسطينية مستقلة، من خلال الاستمرار بتنفيذ سياستها الاستيطانية، ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية بذريعة أن "اتفاق أوسلو" لم يضع قيوداً على الاستيطان، بل أجله إلى مفاوضات الوضع النهائي، وانتهجت سياسة استيطانية لتقطيع أوصال الضفة الغربية، فقد قطع الاستيطان بكافة أشكاله الضفة الغربية إلى كنتونات صغيرة يستحيل معها التواصل الجغرافي، وبالتالي يستحيل معه أية فرصة للتطوير، أو إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة، بالإضافة إلى فصل الأسر الفلسطينية في التجمع الواحد إلى قسمين، كما تم إعادة رسم خريطة جديدة للضفة الغربية، وأن تلك الخريطة تتلاءم مع المبادئ الرئيسة لخطط الفصل "الإسرائيلية" الهادفة لرسم حدود إدارية ووظيفية بين "إسرائيل" ومعازل الكيان الفلسطيني في الضفة الغربية شرفي (الخط الأخضر)، وحول "القدس الكبرى" من خلال المستوطنات، ونشر جيش الاحتلال "الإسرائيلي" على خط على طول حدود نهر الأردن، وكذلك ضم الجزء الغربي من الضفة الغربية المحاذي (للخط الأخضر)، ابتداء من وادي عارة وحتى اللطرون، وكذلك الطرف الشمالي لغور الأردن.
وتشكل المستوطنات أحد العقبات أمام قيام دولة فلسطينية مستقلة، فوجود المستوطنات "الإسرائيلية" فوق الأرض الفلسطينية سوف يفقد الدولة الفلسطينية أهم مقوماتها، وهو وحدة الإقليم، وتجعل منه مجرد مدن وقرى مبعثرة على الأرض، محاطة بالمستوطنات التي تعمل على قطع التواصل الجغرافي بين المناطق الفلسطينية.
وفي الوقت نفسه، سعت "إسرائيل" إلى إيجاد كيان فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يتمتع بحكم ذاتي، مع وجود علاقات طبيعية، وتعاون اقتصادي، وترتيبات أمنية بين الكيان الفلسطيني و"إسرائيل"، ووجود ضمانات بعدم تحويل ذلك الكيان إلى دولة فلسطينية مستقلة، وقامت بحرف الصراع من صراع ضد استعمار استيطاني عنصري إلى صراع على حدود ادارية للمناطق التي تديرها سلطة فلسطينية محدودة الصلاحيات، واستخدمته "إسرائيل" للتحرر من أعباء الاحتلال، ووضعها على كاهل سلطة الحكم الذاتي.
أثر "اتفاق أوسلو" على السيادة الفلسطينية:
حرصت "إسرائيل" من خلال "اتفاق أوسلو" الذي أعطى السلطة الفلسطينية ولاية وظيفية على السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة أن تبقى لها السيادة على الموارد المائية، وأن ترسخ سيطرتها على تلك الموارد المائية، فـ "اتفاق أوسلو" لم تمنح السلطة الفلسطينية السيادة والسيطرة على مواردها المائية، ولم تحصل السلطة الفلسطينية إلا على المسؤولية عن إدارة الكمية غير الكافية من المياه المخصصة لاستعمال الفلسطينيين، والمسؤولية عن صيانة البنية الأساسية المائية، وإن عدم وجود سيادة فلسطينية على الأرض والمصادر الطبيعية حرم الشعب الفلسطيني من حقوقهم في تنظيم أراضيهم، وإدارة مصادرهم الخاصة، وبسبب غياب السيادة الفلسطينية على المصادر الطبيعية لم يتمكن الفلسطينيين من تحقيق تنمية مستدامة وإدارة سليمة للبيئة في الراضي الفلسطينية المحتلة، لم تفض "اتفاق أوسلو" إلى منح السلطة الفلسطينية أية سلطة لاتخاذ قرارات تتعلق بحفر آبار جديدة، أو الارتقاء بالآبار الموجودة، أو تنفيذ أية مشروعات مائية، وتواصل "إسرائيل" تحكمها في اتخاذ القرارات الخاصة بكمية المياه المستخرجة.
كما سعت "إسرائيل" من خلال الاتفاق، إلى فرض المزيد من الهيمنة والسيطرة العسكرية والإدارية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومحو ومنع كل مظاهر السيادة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، مثل: القيود المفروضة على العبور والتنقل على الطرق والمعابر التي تربط بين الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، وبين الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية، وتتحكم "إسرائيل" بتنقل وإقامة الفلسطينيين التي تنفذها عبر خليط من السياسات والممارسات والمعيقات المادية ومجموعة من الأوامر الإدارية وسياسات التصاريح التي تحد من حركة الفلسطينيين في الوصول إلى منازلهم أو الحصول على عمل أو الاستثمار في مشاريع تجارية أو البناء أو الخروج من الحدود البلدية لمنطقة سكناهم.
أثر "اتفاق أوسلو" على مستقبل مدينة القدس:
استُبعد موضوع القدس من المباحثات الفلسطينية – "الإسرائيلية"، وتم الاتفاق على تأجيل النظر في مستقبل مدينة القدس إلى مفاوضات الوضع النهائي دون تحديد أية قدس سيتم التفاوض عليها، القسم الشرقي من القدس، أم القدس داخل الأسوار، أم قرى القدس، كما أن الاتفاق لا يلزم "إسرائيل" بالتفاوض على مستقبلها السياسي.
كما استثنيت مدينة القدس من المناطق الخاضعة للحكم الذاتي، حيث نصت المادة الرابعة من إعلان المبادئ، على أن تغطي ولاية المجلس منطقة الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، كذلك لم يتضمن الاتفاق، أي نص أو إشارة يلزم "إسرائيل" بالحفاظ على الوضع القائم في القدس، ووقف الاستيطان فيها، لحين إجراء المفاوضات، فقد استمرت "إسرائيل" في تبني السياسة نفسها القائلة بتثبيت السيادة "الإسرائيلية" في القدس، وتمشياً مع تلك السيادة، استمرت "إسرائيل" في مصادرة الأراضي العربية، وبناء المستوطنات اليهودية، وشق الطرق، والتضييق على أهالي القدس العرب، وعلى المؤسسات الفلسطينية العاملة فيها.
أثر "اتفاق أوسلو" على مستقبل اللاجئين الفلسطينيين:
لم يضع "اتفاق أوسلو" أية حلول شاملة ونهاية جذرية لقضية اللاجئين والنازحين الفلسطينيين، بل تم إرجاؤها إلى مفاوضات ما بعد المرحلة الانتقالية، وعن طريق انشاء لجنة من الجانبان الفلسطيني و"الإسرائيلي"، فضلا عن ممثلين من مصر والأردن من اجل الاتفاق على السماح للأشخاص المرحلين من الضفة الغربية وقطاع غزة عام ١٩٦٧م، للعودة بالتوافق مع الإجراءات الضرورية لمنع الفوضى والإخلال بالنظام حسب ما نصت علبه المادة الثانية عشر من اتفاق إعلان المبادئ، إضافة إلى ذلك، لم يرد في اتفاقية أوسلو أي نص مباشر أو غير مباشر يتضمن حق العودة، وهو ما كان متوقعاً بالاستناد إلى مفهوم المناخ السياسي الدولي والإقليمي والعربي الذي ولد الاتفاق.
وأشارت وثائق مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو، أن مرجعية عملية السلام هي قرارا مجلس الأمن رقم (242) و (338)، ومعلوم أن (الثاني) منهما يتحدث عن التفاوض، وفي (الأول) اشارة وحيدة وردت فيه بخصوص اللاجئين، وتنص على: "تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين"، وهو نص يتصف بالضبابية، حين تحدث عن اللاجئين بدون تحديد أنهم الفلسطينيون، الأمر الذي أفسح المجال أمام "إسرائيل" لأن تدرج من تسميهم اللاجئين اليهود من البلدان العربية في هذه الخانة، واضعة حقوقهم في مواجهة حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وبذلك فقد كان أساس التفاوض ضبابي غامض حمّال أوجه، خاصة أن رسائل "التطمينات" الأمريكية بمجموعها أوضحت أن قرار مجلس الأمن (242) هو للتفاوض وليس للتنفيذ.
من جانب آخر، لا تتناول تلك القرارات أي اشارة إلى حق العودة، ويخلو من تعريف واضح لمضمون الحل العادل لقضية اللاجئين، وإذا كانت تسوية قضية اللاجئين بالمفاوضات الثنائية المباشرة، وإذا كانت المفاوضات تخضع في محصلة نتائجها لموازين القوى المادية على الأرض، فإن منهج صياغة قضية اللاجئين كما وردت في نصوص اتفاقية أوسلو تخدم الموقف "الإسرائيلي" الاستراتيجي في نظرته التقليدية لقضية اللاجئين الفلسطينيين، والتي تقوم على رفض حق العودة، والدعوة إلى التوطين.
وهكذا نجحت "إسرائيل" من خلال اتفاق "أوسلو" بتجريد قضية اللاجئين الفلسطينيين من شرعيتها الدولية عن طريق تجاهلها للقرار (١٩٤)، وبذلك فقدت قضية اللاجئين موقعها كحجر زاوية للمفاوض الفلسطيني، وكذلك الحال بالنسبة لقضية النازحين، فقد أسقطت اتفاق أوسلو قرارات الأمم المتحدة التي تتجسد في قرار رقم (٢٣٧) الذي ينص على عودة النازحين دون قيد أو شرط، عن طريق إناطتها للجنة الرباعية، فضلاً عن امتلاك "إسرائيل" حق النقض لقراراتها.
بعد سبعة وعشرين عاماً من توقيع "اتفاق أوسل":
يمكن القول، أن "اتفاق أوسلو" لم يحقق التسوية السلمية المنشودة فحسب، بل أدى إلى تدهور أوضاع الفلسطينيين المعيشية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ووفر لسلطات الاحتلال فرصة فرض حقائق جديدة على الأرض جعلت هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة، تتمتع بتواصل جغرافي وقابلة للحياة، أبعد منالاً مما كان، كما طرأ تعديل على أولويات النضال العربي الفلسطيني، وتغيراً في أسلوب تعامل العقلية الفلسطينية الرسمية مع الصراع العربي – "الإسرائيلي"، وفي النظرة إلى مستقبل الصراع، فبعد سنوات من الصراع، تراجع الفلسطينيون عن مقولة "الحقوق العربية التاريخية في فلسطين"، وأعلنت قيادة منظمة التحرير عن عدم معارضتها لوجود دولة "إسرائيل" في قلب العالم العربي، وحقها في العيش بأمن وسلام، وعلى ذلك الأساس بنيت فلسفة التفاوض مع "إسرائيل" من أجل حل الصراع سلمياً، وقبلت مبدأ إنهاء العداء مع "إسرائيل"، ومبدأ اندماج "إسرائيل" في المنطقة بعقد المؤتمرات الاقتصادية والتعاون الإقليمي في المجالات كافة، لكن هذا التراجع لم يصل حتى الآن إلى الموقف الشعبي بسبب رفض عمليات التطبيع، والنظرة لاستمر حالة العداء على الصعيد الشعبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا يوجه اتهم الخيانة للدول المطبعة؟؟
سمير آل طوق البحراني ( 2020 / 9 / 14 - 05:56 )
فاذا كانت اتفاقية اوسلو تحوي كل هذه الثغرات التي كانت في صالح اسرآئيل وليست في صالح الشعب الفلسطيني المظلوم فلماذا القاء اللوم على الدول العربية المطبعة والى متى يستفيق الشعب الفلسطيني من كبوته ويعلنها صراحة ان اتفاق اوسولو والذي مضى عليه 27 عاما قد انتهت صلاحيته ويختار من يمثله من الاحرار الوطنيين؟؟.هذا يذكرني باحد الاخوة التي ينتقذ دولة الامارات على عدم استفتاء الشعب في اتفاقية التطبيع فهل من وقعوا على اتفاقية اوسلو شاوروا شعب فلسطين ام انهم اتخذوا قرارا احادي الجانب والتي اصبحت مضرته اكثر من نفعه؟؟.هل عدم التطبيع مع اسرآيل سيعود للفلسطينيين حقوقهم طبقا لاتفاقية اوسلو والتي تستغل اسرآئيل ثغراتها وعدم الوضوح فيها اداة لتنفيذ مشاريعها الاستيطانية؟؟.فسوى طبعت الدول العربية ام لم تطبع لا يغير في الامر شيء ولربما يكون التطبيع يكون بارقة امل لحل المشكلة.نعود ونكرر من هو الجاني الاول على القضية الفلسطينية؟؟. اليس هم ممثلوها الذين اتخذوا قرارا بدون مشورة الشعب الفلسطيني؟؟.

اخر الافلام

.. Brigands : حين تتزعم فاتنة ايطالية عصابات قطاع الطرق


.. الطلاب المعتصمون في جامعة كولومبيا أيام ينتمون لخلفيات عرقية




.. خلاف بين نتنياهو وحلفائه.. مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث ملف ال


.. تواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 25 دولة| #مراس




.. السيول تجتاح عدة مناطق في اليمن بسبب الأمطار الغزيرة| #مراسل