الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل السادس/ 1

دلور ميقري

2020 / 9 / 13
الادب والفن


فورَ علم ديبو بحضور ابن عم امرأته من عمّان، دبّرَ إجازة لمدة ثلاثة أيام. علاقته لم تكن طيّبة على وجه العموم برئيس المخفر، الشركسيّ الأصل، وكان هوَ نائبه. لكنه كان يتودد إلى هذا الضابط، مستغلاً معرفته بلغته. وإذاً، حصلَ على الإجازة ببعض الصعوبة ولا شك. آبَ بعدئذٍ إلى المنزل، ليجد زوجته قد أكملت استعدادات السفر إلى دمشق، التي تبعُد عن بلدة العسال ساعةً بالسيارة. هذه البلدة، وكان ديبو قد نقل إليها من حوران تقريباً في نفس فترة ولادة ابنته ذات الأشهر الخمسة، تترامى على هضبة في جبال القلمون مع عدد من القرى ـ كما حبّات عقدٍ منفرط.
" ما هذه السلّة؟ "، تساءل الرجلُ فيما كان يهمّ بوضع المفتاح في قفل باب المنزل. بيروزا، المحتضنة طفلتها فيما ابنها الصغير يمسك بذيل ثوبها، ردت بابتسامة ذاوية: " إنها تحتوي على الجوز، جني الصيف الفائت، وقد شئتُ حملها هدية لأسرة ابن عمي ". بادلها رجلها بابتسامة ساخرة، ولم يُعلّق بشيء. دقائق قليلة على الأثر، ثم حضرت سيارة الخدمة وكان ديبو سبقَ وطلبها من رئيس المخفر. جلسَ هوَ بجانب السائق، بينما أخذت بيروزا مكانها في المقعد الخلفيّ مع طفليها والسلّة المغطاة بمحرمة ناصعة البياض. تحركت السيارة على أرضٍ منبسطة هنيهةً، وما لبثت أن بدأت في الانحدار على الطريق الرئيس، الوعر والمتعدد المنحنيات. في الأثناء، راحَ ديبو يتسلى بالحديث مع السائق؛ وهذا كان من أبناء جلدته، من القسم الغربيّ من الحي.

***
في الليلة السابقة لحضور ربيبته مع أسرتها، كان صالح قد حصل من ابن عمها على معلوماتٍ تتعلق بالملا عشير. علي، أكّد كلام شقيقه عن الملا وأنه يعيش في بلدة الدرباسية، القريبة من عامودا. في ظهيرة اليوم التالي، وكان جمعة اعتاد فيه سيد المنزل أن يستيقظ متأخراً بسبب سهرة الليلة الفائتة، جلست امرأته إلى جانبه في منظرة الحديقة. مدت إليه فنجان القهوة، متسائلة: " ألا تزال مصراً على أخذنا إلى الجزيرة، أنتَ مَن لا خبرة لك بالأرض؟ "
" إذا كان الملا عشير، وهوَ رجل دين، يفلحُ الأرضَ ويزرعها؛ فلِمَ أعجز أنا؟ "
" ومن قال لك، أنه يفعل ذلك؟ رجال الدين مهمتهم إرشاد القرويين إلى الصراط المستقيم، وفي مقابل ذلك يحصلون منهم على جزء من الموسم "
" بحَسَب ما سمعته عن الملا عشير، أنه ماهرٌ بشتى الأعمال. وإنني سأعوّل عليه، لتبصيري بما غمض عليّ من مسائل الزراعة فضلاً عن التعامل مع الفلاحين الأجراء "
" أعلمُ أنه داهيةٌ لا يُشق له غبار، لكنه بالأساس من الريف ولم يصعب عليه الانتقال إلى ريف آخر "
" ألم ينتقل بكم المرحوم والدكم من المدينة إلى الريف، لما هاجرَ إلى موطن الأسلاف؟ "
" نعم، وعمل هناك في متجر للأقمشة في ديريك جبل مازي، فلم يشمّر عن قدميه كي ينزل إلى الأرض لفلاحتها وزراعتها "
" ثمة في الجزيرة، سأكون سيداً لمزرعة كبيرة يعمل فيها مزارعون موسميون. وهذا هوَ سببُ سؤالي عن الملا عشير، لأنني قررت جعله وكيلاً لأعمالي "، قالها صالح ثم استدرك مبتسماً: " أنتِ أيضاً ستحظين هناك بالاعتبار، كسيّدة على نساء القرويين، فلن تتلوث يداك الجميلتان في تراب الأرض أو وحولها! ". جواباً، اكتفت ريما هذه المرة بهزّ رأسها تعبيراً عن القنوط. إذ ما لبثَ أن انضم إلى المجلس السيّدُ حسني، وكان قد بات ليلة الأمس مع أسرته في ضيافة الأقارب، كون السهرة امتدت إلى مشارف الفجر. تركتهما ريما يتبادلان الحديث، ثم نهضت إلى المطبخ للمباشرة في إعداد الغداء.

***
تأكيدُ صالح على امرأته تأجيلَ تقديم الغداء ساعة على الأقل، ليسَ لأنه تأخرَ في تناول فطوره حَسْب، بل ولأنه توقّع أيضاً حضورَ ابنتها مع أسرتها. صدقَ حَدسُ الرجل، حينما طرقَ سمعه جلبةٌ عند باب الدار سبقها صوتُ هدير محرك عربة عسكرية؛ وذلك وفق خبرته الطويلة بالسيارات. بعد دقائق، اجتمع المضيفون مع أقاربهم حول سفرةٍ، غلبَ عليها شرائحٌ من لحم العجل، الذي تمت التضحية به في اليوم السابق على شرف السيّد حسني. عقبَ الغداء، عاد هذا الأخير إلى منظرة الحديقة كي يتابع حديثه مع السيد صالح، والمنذور حول موضوع الاستثمار في الجزيرة. أما ديبو، فإنه آثر نيل القيلولة في حجرة نوم بالبيت التحتاني، مخصصة للضيوف.
غبَّ افاقته من القيلولة، انضم زوجُ بيروزا إلى الرجلين في المنظرة، فشاركهما في التدخين وشرب القهوة. كان مزاجه رائقاً، لحين سماعه صوت بكاء ابنه صلاحو. حينَ استفسرَ من حماته عن سبب بكاء طفله، فإنها أجابته: " يلحّ على البقاء لدينا، وكنا نتمنى ذلك لولا موضوع انتقالنا للعيش في الجزيرة ". كان الطفلُ يقف على مقربة من أبيه، فما عتمَ أن تلقى منه ركلة طرحته أرضاً: " ما هذا السلوك منك، وهم يقولون لك أنهم سيتركون البيت ويسافرون؟ "، قالها لابنه بنبرة غاضبة. سرعان ما أخذت ريما الحفيدَ الملول في حضنها، متمتمة في صوت واضح: " لتنكسر رجله ولا يجد لها مجبّراً! ". بدَوره، كان سريعاً ديبو في استعادة رواء مزاجه، وذلك حال رجوعه إلى منظرة الحديقة. ثمة، شرعَ بالتباهي أمام ابن عم زوجته بسرد حكاياتٍ من خدمته في الدرك.

* الرواية الأخيرة من خماسية " أسكي شام "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع