الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطائر / قصة قصيرة

ابراهيم سبتي

2006 / 7 / 5
الادب والفن


كل صباح .. مزهوا يطير فوق البنايات العالية والبيوت القديمة وفي ذلك الزقاق الذي يتوسط الحي المزدحم .. الطائر يحط على بناية ما يلبث ان ينتقل إلى اخرى .. يسمع ضحكات واحاديث واحزانا .. أدمن لعبته هذه .. يطير كل صباح منطلقا من شجرة التوت الكبيرة المنتصبة امام الزقاق ، فيحط بعيدا عن انظار الناس ، يسمع كل شيء ثم يطير مزهوا نافشا ريشه بسعادة غامرة إلى مكان يلتقطه وهكذا يجول وكأنه وضع مخططا لتحركاته .. يعرف كل اسرار البيوت .. كل شيء يدور فيها .. يعرف كل ما يدور في خريطته التي رسمها للمكان ، لم يره احد منذ ان بدأ لعبته .. هو يرى جميع اهل الزقاق .. يعرفهم واحدا واحدا .. حتى انه يعرف متى يعود كل شخص إلى بيته .. صار لا يطيق فراق الزقاق ابدا .. في الظهيرة وتحت سياط الشمس الحارقة يرجع إلى عشه في شجرة التوت الكبيرة سعيدا وكأنه ظفر بشيء ثمين يدفعه إلى الذهاب ثانية في اليوم التالي ..
في احد الصباحات طار من شجرته متجها صوب مكانه المعتاد .. ليبدأ تجواله اليومي .. فوجيء بان الزقاق كان خاليا من الناس خاليا تماما .. دار فوق البنايات والبيوت كعادته .. لا احد .. لا احد .. دار ثانية ينظر نحو الاسفل .. لم ير أي شخص يتحرك في دائرة المكان .. ظل جاثما فوق بناية مهجورة .. ينظر من حوله بأسى .. في الصباح التالي .. توجه مسرعا ، حطّ على البيت الاول .. منتصبا على شرفته .. البيت مهجور تماما .. لا احد في الزقاق ..بينما تصاعدت زوبعة غبار من البيوت الاخرى وملأت الجو .. لم يصدق ما رآه ، فقد تصاعد زعيق الجرافات والمعدات الصفر .. ضجيجها يصم الاذان .. ظل الغبار يتعالى .. عاد إلى شجرته ساهيا حزينا لا يعلم ما يدور .. لم يعد يسمع شيئا .. لم يعد يتلقف سرا أو ضحكة طائشة .. فقد خلت احشاء البيوت وبدت مهجورة مخيفة .. في اليوم الثالث .. كان رجل يضع خوذة واقية يؤشر باصبعه نحو المعدات المتحركة .. يدير العمل من موقعه .. الطائر يحلق في الفضاء المغبر .. الرجل ذو الخوذة مازال يدير العمل باصبعه .
في الصباح الرابع .. تصاعدت رائحة غريبة .. حرارة المكان مرتفعة جدا .. لم تعد البيوت قائمة .. رائحة الإسفلت الساخن في الشارع الجديد فيما اختفى الرجل صاحب الخوذة .. عاد الطائر إلى شجرته ، شعر بان الوهن قد تسرب إلى جسده وخارت قواه .. وقف لاهثا مصدوما امام عشه الصغير .. فجأة انتفض من مكانه وطار مخترقا زعيق المحركات الصفر .. شعر بان الوهن قد دهمه تماما .. حاول ان يرتفع قليلا متحاشيا ضجيج ورائحة المكان .. لكنه ارتعش متألما وسقط على الإسفلت الساخن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو