الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية المدمنة على النقصان

راتب شعبو

2020 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


لا يبدو أن العالم في عجلة من أمره فيما يخص الوضع السياسي الذي يزداد تردياً في سورية. ففيما تبدو أميريكا أكثر انشغالاً بشمال شرق الفرات وكأنه قضية مستقلة عن سورية أو ضعيفة الصلة بها، وتنشغل تركيا بالمناطق التي استطاعت تحصيلها من الأرض السورية خلال السنوات المريرة الماضية، تنشغل روسيا بنظام الأسد المتهالك ودعم استمراره، ليس فقط بوصفه موطئ قدم روسية عسكرية في المنطقة، بل وأيضاً بوصفه نافذة استثمار اقتصادي، فقد دخلت روسيا منذ حوالي ثلالثة عقود، نادي اقتصاد السوق وخلعت المبدأ السوفييتي القديم الذي كان يخسر اقتصادياً كي يدعم حلفاءه لمجرد قبولهم بالتحالف في سياق حربه الباردة التي خسرها مع المعسكر الرأسمالي.
الزيارة الأخيرة التي قام بها الوفد الروسي الرفيع الذي ضم نائب رئيس مجلس الوزراء يوري بوريسوف ووزير الخارجية سيرغي لافروف، تشير إلى أن الروس والنظام يوطدون أنفسهم على ديمومة الوضع الحالي في سورية لفترة طويلة، بعد أن وصلت مساعي "توحيد" سورية تحت سيطرة النظام إلى طريق مسدود. لا يبدو الكلام الروسي عن ضرورة إجراء إصلاحات سياسية ذا قيمة، ذلك أن الروس، في الحقيقة، لا يصرون على فرض رؤية سياسية يرفضها نظام الأسد، لأن الروس لا يجرؤون على فرض تغيير جدي في تركيبة الحكم السوري مخافة أن يتفكك النظام الذي يقوم على الموقع المحوري للرئيس فيه. على هذا يمكن أن يقدم الروس مقترحات بخصوص اللجنة الدستورية، ويمكن أن يتكلموا عن ضرورة الإصلاح وحتى عن الحل وفق القرار 2254، ولكن كل هذا لا يعدو كونه استهلال لفظي أو "فض عتب" للمضي في مناقشة المشاريع الاقتصادية.
الجانب الاقتصادي في زيارة الوفد الروسي هو مركز اهتمام النظام الذي لم يجد رئيسه أن يقول شيئاً في الجانب السياسي، أثناء استقباله الوفد، وكأن بلاده على ما يرام في السياسة وليست بلاداً مقسمة ومستعمرة ومستباحة، مكتفياً بالإشارة إلى "الأهمية الكبيرة لنجاح الاستثمارات الروسية في سورية". كان عليه أن يقول في "سورية الأسد" التي باتت تعرف بأنها الجزء من سورية الذي يحكمه الأسد والذي لا يتجاوز ثلثي مساحة سورية المدمنة على النقصان منذ قرن من الزمان.
يقول الروس: "في حال لم يتجه نظام الأسد نحو الإصلاحات، فإنه سيبقى من دون أموال ومن دون جزء من سورية، وهذا سيكون قراره". كما نقلت صحيفة روسية عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف. خسارة جزء من سورية (دون تحديد) بات أمراً يجري الحديث عنه صراحة بطريقة توحي بإمكانية قبول الأمر والتعايش معه.
وبحسب بوغدانوف، فإن روسيا حددت بالفعل خياراتها، ما يعني أنها تمضي اقتصادياً مع النظام بما هو متوفر سياسياً، حتى لو كان هذا المتوفر يعني سورية منقوصة. إعادة تأهيل أربعين منشأة أساسية خصوصاً البنى التحتية لقطاع الطاقة والمحطات الكهربائية واتفاق لاستخراج النفط من البحر على الساحل السوري وحيازة مناطق كاملة من سورية مقابل المجهود الحربي الروسي فيها، هذه هي الترجمة الاقتصادية للخيارات السياسية الروسية. بكلام آخر، يبدو أن النظام، أمام صعوبة المهمة وثقل الوجود الأميريكي والتركي، تخلى عن "إعادة تجميع" سورية حالياً، مكتفياً بما لديه، وأن الروس، بعد أن فشلوا في فبركة حل سياسي يقدمونه للعالم، باتوا جاهزين لتجميد السياسي الآن لصالح الاقتصادي.
لا ينم كلام لافروف عن أي جدية روسية في فرض حل سياسي على النظام: في موضوع اللجنة الدستورية يقول لافروف إنه لا سقف زمنياً لها، وأن الانتخابات الرئاسية لا تتوقف على انتهاء مهام اللجنة الدستورية، وفيما يخص الاتفاق الذي وقعه قدري جميل (منصة موسكو) مع الهام أحمد (الرئيسة التنفيذية لمجلس سورية الديموقراطية "مسد") في موسكو، يقول إن روسيا ليست طرفاً فيه وإن جرى توقيعه في موسكو. وفيما يخص موضوع الوجود الإيراني يقول إن هذا قرار سيادي سوري. على ضوء هذه الرخاوة الروسية، لا يفهم من "الحل المقبول للطرفين" الذي تكلم عنه رأس النظام السوري سوى أنه ترميم الوضع الاقتصادي بالقدر الممكن كمقدمة لانتخابات 2021، بعد أن تبين أن تحقيق تقدم سياسي أو عسكري بات مستبعداً.
تركيا بدورها توطد نفسها في "جزئها السوري" وتوزع على الأهالي في إدلب، بعد يوم من زيارة لافروف إلى دمشق، منشورات تقول فيها إن "هدفنا منع أي اجتياح أو عمل عسكري على إدلب وإعادة المدنيين الذين اضطروا للنزوح إلى منازلهم، وإحياء الحياة الاقتصادية في المنطقة من خلال فتح طريقي م4 وم5". ننتظر إذن في الزمن القادم، تدفق الحياة الاقتصادية مع احتباس أو تقطع في الحياة السياسية.
في منطقة الجزيرة تتبلور حياة سياسية محلية تضبط إيقاعها أميريكا بين العشائر العربية التي تقوم بدور ملء الفراغ السياسي العربي هناك (ذلك أنه، على خلاف الأحزاب الكردية، لا توجد أحزاب عربية على مقاس الجزيرة) مقابل المجتمع السياسي الذي يسيطر عليه الكرد مدعومين بالقوة العسكرية لقوات سورية الديموقراطية "قسد". تعمل أميريكا على تطبيع الحياة الاقتصادية والسياسية في هذا الجزء المقتطع من سورية، فتستعين بالسعودية لتهدئة الصراع بين قسد والعشائر العربية، وتعد اقتصادياً بإنعاش مناطق العشائر اقتصادياً بتجديد محطات المياه وتوزيع معدات الري والبذار والأسمدة وترميم المخابز وتحسين الخدمات. كما تعد سياسياً بزيادة مشاركة العشائر في إدارة مناطقهم بالتشارك مع قسد.
هذه الصورة التي يبدو عليها الواقع السياسي في سورية اليوم ناجم عن تعثر توافق الأطراف الدولية على حل سياسي، ما يعني إن الحل السياسي غير وشيك، ولكن هذا الانسداد في أفق الحل السياسي لا يبدو أنه يدفع باتجاه تصعيد عسكري، كما هي العادة، بل باتجاه تكريس سيطرة القوى الدولية على مناطق النفوذ التي فازت بها حتى الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم