الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«فقه» الإرهاب والكراهية (بين الاستئصال والمهادنة

جمال هاشم

2006 / 7 / 5
الارهاب, الحرب والسلام


إذا كان الجميع يتفق على أن مواجهة الخطر الإرهابي ليست مجرد مواجهة أمنية، وإنما هي مواجهة متعددة الأدوات (تربوية، إعلامية، سياسية، دينية ...)، فإن الكثيرين لازالوا يؤمنون -وبسذاجة- بضرورة التمييز بين التيارات الإسلاموية المعتدلة والتيارات التكفيرية الإرهابية، ولم يدركوا لحد الآن لعبة اقتسام الأدوار بين الأجنحة «المعتدلة» والأجنحة المتطرفة، لأن هدفهم يبقى واحدا : إقامة دولة تيوقراطية يحكمها «الشيوخ» و«الأمراء» باسم الله وباسم الشريعة وتلغى فيها كل مظاهر الديمقراطية المستوردة، بالإضافة إلى «تحجيب» وسائل الإعلام وإلغاء كل مظاهر البهجة والمرح الفني والموسيقي الذي «يهدد الأخلاق»، هذا هو نموذجهم المجتمعي وإن اختلفت وسائلهم. فإذا كان المتطرفون يتسرعون في الوصول إلى هدفهم ويستعملون الأسلحة النارية والمتفجرات ويتبعون أسلوب قطاع الطرق وكبار اللصوص لتوفير الأموال والمعدات، فإن «المعتدلين» يعمدون إلى تهييء المناخ «الفكري» والنفسي بتهييج الشباب وشحنه ضد كل مظاهر الانفتاح والحداثة مع تقديم الوضع العام في أحلك الصور والدين في خطر ... فيصبح هذا الشاب مستعدا «للدفاع» عن دينه بكل الوسائل، وإن اقتضى الأمر أن يترك دراسته وأعماله كي يفجر نفسه وينتحر في منطقة ما من العالم. إن «متفجرات» فقه الحقد والكراهية التي يعتمدها «المعتدلون» في حروبهم اليومية (عبر إعلامهم وخطبهم ...) هي المدخل الطبيعي للتطرف، فالذي يعبئ الناس ضد اليهود كأتباع ديانة مخالفة، ويتشفى في شهداء الوطن وشهداء الظواهر الطبيعية، ويصور البلد للشباب وكأنها ماخور كبير، ويهاجم مصورة تلفزية داخل البرلمان لأنها لم تضع الحجاب على رأسها، ويهدد القناة الثانية بأوخم العواقب «إذا لم تتحجب» ويعتبر الحديث عن الجماعات الإرهابية في المغرب مجرد اختلاق من طرف الأجهزة الأمنية، ويشكك في نزاهة العدالة بعد صدور الأحكام في الإرهابيين وشيوخهم ... فهل الذي يعتقد في كل هذا مجرد «معتدل» أم مجرد «معد بدني» يقوم بتسخين اللاعبين للمعارك ؟ إن التسخين والشحن والتهييج وغسل الدماغ أخطر عملية يقوم بها «فقهاء» الحقد والكراهية كمقدمة لكل تطرف دموي. فليس المشكل في الشباب المنفذ للعمليات (لأن الشيوخ لا ينفذون) بل المشكل الحقيقي هو في الأفكار المسمومة التي يبثها فقهاء الحقد في صفوف الشباب باسم الدين لصرفه عن كل أنواع الجهاد العلمي والحضاري وتهييئه لنوع واحد من الجهاد وهو «الجهاد» الإرهابي الدموي التدميري، وكأن الوظيفة الجديدة للمسلم هي تدمير كل ما بناه الآخرون : سواء في نيويورك أو في مدريد أو في اسطمبول أو الدار البيضاء وبغداد والرياض والكويت وإسلام أباد ... وغيرها من العواصم العالمية الجميلة التي تستفز العقل الدموي التدميري، فلا يرتاح نفسيا إلا والدم يسيل في شوارعها، ولا يهدأ له بال إلا بعد تحطيم جزء مما بناه أسياده، لكن ما العمل مع فقه الحقد الممهد للإرهاب ؟ مهادنته واعتبار دعاته مجرد فقهاء معتدلين لم تتلطخ أياديهم بدماء الأبرياء ؟ أم فضحه ومواجهته باعتباره المقدمة الطبيعية لكل تطرف دموي ؟ إن الذين يؤمنون باعتدال فقهاء الحقد ويثقون في ابتساماتهم «الودودة» وإيمانهم المرحلي بالمؤسسات كمن يطلب منا معالجة الأورام الخبيثة بالمسكنات، بينما يؤكدون على أن الاستئصال هو الحل الطبيعي مع هذه الأورام، فالأهم هو استئصال الأعشاب الضارة وهي مجرد نبتة صغيرة لا بعد أن تأتي على الزرع الصالح وتفسده. هذا هو الاستئصال الذي نفتخر به، استئصال الإرهاب من مقدماته بالأدوات الفكرية والإعلامية والسياسية (لا بالمتفجرات) ودعوة الدولة وأجهزتها كي تتحمل مسؤولياتها ولا تبلع الطعم (كما بلعه العديد من السياسيين والمثقفين) وتعتقد في وجود «معتدلين» وقنافذ ملساء. ولعل تجربة الإخوان المسلمين في مصر وفي الأردن والسودان والجزائر كشفت اللعبة المزدوجة التي يتقنها هؤلاء وطبيعة الصلات الموجودة بين «المعتدلين» والمتطرفين، أما نحن في المغرب فلازلنا في بداية المعركة معهم بكل أجنحتهم، ولعل التقرير الذي قدمه الوفد الأمني المغربي في المؤتمر الدولي حول الإرهاب خير دليل على ما أقول. فالعديد من الإرهابيين لازالوا في حالة فرار ومخططاتهم جاهزة وارتباطاتهم بالتنظيم الإرهابي العالمي (القاعدة) قائمة، الشيء الذي يفرض على أجهزتنا الأمنية المزيد من اليقظة والتعبئة والتنسيق مع الأجهزة الدولية لقطع الطريق على تجار الدين والدم. كما لا يجب السقوط في فخ «المعتدلين» الرسميين، فرغم أن ولادتهم كانت بقرار رسمي، ورغم أن رقعة اللعب رسمت لهم بدقة لإضفاء نوع من الديكور المتحجب-الملتحي على مشهدنا السياسي، فإن خطاب الحقد والكراهية الذي يبثه إعلامهم (وآخره التشفي في ضحايا الكوارث الطبيعية) من شأنه أن يغذي نوازع التطرف لدى شبيبتنا، خاصة وأن هؤلاء الأوصياء على الدين يعملون نهار مساء لتوظيف ديننا في سوق السياسة لرفع أسهمهم (عدد جديد من الكراسي). لكل هذا أرادوا ترويض الإعلام (هجومهم المستمر على القناة الثانية وأطرها النزيهة كالسيدة سميرة سيطايل، وتهديد سياحتنا الوطنية -باعتبارها سياحة جنسية سيعاقبنا عليها الله بتسونامي أطلسية حسب جريدة التجديد (التي لا تنطق باسم حزب العدالة والتنمية وإنما فقط باسم حركة التوحيد والإصلاح القوة الرئيسية في حزب العدالة والتنمية، ورغم أن عبد الإله بنكيران القيادي في حزب العدالة والتنمية) هو مدير هذه الجريدة، فإنه يقسم بأغلظ الأيمان أنه ينزع عباءة الحزب في باب الجريدة ويلبس سلهام الفقيه للقيام بمهمة الداعية بعد إنهاء مهمة السياسي عبر جذبته البرلمانية. ورغم أن جريدة التجديد تنشر بيانات وقرارات حزب العدالة والتنمية والغالبية الساحقة من محرريها من هذا الحزب، فإن الحزب بريء منها ! ومن يشتغل فيها يشتغل لوجه الله ... والله العظيم هل فهمتم ؟ ومن استطاع حل هذا اللغز يساعدنا على حله !). إن القيام بالأدوار المزدوجة واللعب على كل الحبال، لعبتهم التي أتقنها أساتذتهم قبل عقود (خاصة في المشرق) أما في المغرب فهم مكشوفون وخططهم مفضوحة، وسوف لن يمروا لعدة أسباب لعل أبرزها أن بلدنا لا تعيش فراغا مؤسساتيا في المجال الديني، فإمارة المؤمنين قائمة ومن أراد المس بها أو تقليص صلاحياتها، فهو يلعب دور الإسلامويين ولو بأدوات «جذرية جدا»، فأمير المؤمنين هو المعبر عن وحدة المذهب ولا حاجة لنا لا لشيخ ولا لـ «مُلاَّ»، فالدين هو دين الأمة ومن استغله في الصراع السياسي فهو يلعب بالنار، ومعركتنا معه طويلة إلى جانب كل شرفاء هذا الوطن، الذين نزلوا إلى الساحة عكس الذين يراقبون ما يجري من وراء ستائر نوافذ «منازلهم».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من