الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النص الأدبي بين الإستقلال والتأثر وفق نظرية هارولد بلوم

أحمد عمر النائلي

2020 / 9 / 18
الادب والفن


هل يشعر الشعراء المعاصرون بنضوب المعنى لديهم ، وأن الشعراء الأسلاف لم يتركوا شيئا ليكتبه الشعراء المعاصرون ؟ ، فكل المعاني تم توظيفها واستهلاكها ، وهم مضطرون للاعتماد عليهم في بناء صياغتهم الشعرية الجديدة ، من خلال إعادة بنائها بشكل مشابه تماما أو بشكل جزئي ليمنح إيحاء للمتلقي أنها ابداع جديد ، ألسنا مضطرون للتأثر بمن سلف في مجال الكتابة الشعرية ؟ فنحن حصيلة قراءتنا السابقة والحالية ، وهل هذا التأثير تجاه الشعراء الاقدمين يخلق قلقا للمعاصرين ؟ ، وأنهم ضحايا نفاذ ونضوب كل جديد شعري ، هل نحن في صراع وقلق تجاه تأثير الأقدمين علينا ؟ ، هل يصعب علينا الخروج عن تأثير هم ؟ ، ألسنا نحن مؤثرين في من سيأتي من أدباء ، هل نصوصنا تعيش حالة تأثير وتأثر متداخلة لا يمكن فك الارتباط بينها وهي ملك لسياقها التاريخي ولا يمكنها أن تحيد عنه ، وأن المؤلف المستقل بإبداعه ميت بجدارة فهو أسير النتاج الادبي السابق .
هذا القلق طرحه الناقد والصحفي والبرفسور الامريكي الشهير هارولد بلوم ،في كتابه الشهير
“قلق التأثير: نظرية الشعر”  The Anxiety of Influence ،
والذي نشره عام 1973 ، وهو المتوفي العام الماضي (2019) مخلفا اربعين كتابا ، تُرجم القليل منها إلى العربية ومن أبرز ماترجم : "قلق التأثر" و "خريطة للقراءة الضالة" ، و "فن قراءة الشعر" ، و"كيف نقرأ ولماذا؟" ، ويعد كتابه قلق التأثر من أهم الكتب النقدية المعاصرة في الغرب , والتي أشارت الى عدم استقرار النصوص الادبية ، وانها حالة متوالدة من سابقيها .
فمن خلال دراسة قام بها بلوم تجاه الشعراء الرومانسيين الغرب ، وخاصة الشاعر شيللي ونشرها عام 1959، تبين له حجم التأثر بالقديم في الادب الغربي بصفة عامة، مثل تأثير شكسبير على من جاء بعده ، وهو ينطلق في دراسته هذه للبحث عن آصالة النص الادبي وكيفية ولادته معتمدا على مدرسة التحليل النفسي الفرويدية وخاصة طرحه لعقدة أوديب لتفسير علاقة المبدع المعاصر مع أبائه من المبدعين السابقين ؛ فهي حالة حب ورغبة في التخلص من سيطرتهم الابداعية في آن واحد ، فتأثير شكسبير وميلتون على الادباء الانكليز اللاحقين كان قويا ، لا يمكن الخروج عن عباءته ، فينشأ لدى الشعراء الجدد قلق من تأثرهم من قيد القديم ، وكيف يتميزون عنه ابداعيا ، لأن ماكتبوه غائر في اللاوعي لديهم ، فمن خلال قراءتهم للادب المنتج سيقومون باجترار ما قرؤه كتابة ، لأن علاقة الفصل مع القديم صعبة وتكاد تكون مستحيلة ، ففي لحظة فعل الكتابة نستحضر كل قراءتنا السابقة لأنها تضغط علينا ، وهي تشبه عملية إنتاج اللغة لدينا ، فنحن نتحدث وفق قواعد نحوية وصروف منتجة في السابق ولا يمكن تجاوزها ، وأن البصمة الفردية ضئيلة في إطار منتج اللغة الاجتماعي .
ولقد قدم هارولد بلوم عددا من الاليات التي يتبعها الشعراء المعاصرون لخلق تمايز عن القديم مثل : الانحراف الشعري والتكامل والتضاد والتكرار والقطيعة والسمو المضاد والتطهر والنرجسية وعودة الموتى .
وماذكره هارولد بلوم في نظريته قلق الشعر ، يستجيب لمفهوم التناص المقدم من الناقدة البلغارية الفرنسية جوليا كرستيفا ، والتي تري هي نفسها أن جذوره تعود الى السويسري فرديناند دو سوسير وهو التأثر غير المتعمد للكاتب من كل النصوص السابقة التي اطلع عليها الشاعر ، سواء القديمة أو المعاصرة ، فهناك من النقاد من يرون أن التناص هو قانون النصوص جميعا ولا يمكن الخروج عليه ، فكل نص أدبي هو تلاقح لنصوص سابقة .
وقلق التأثر من هيمنة الماضي هو مايدفع الاديب المعاصر الى حيل دفاعية يحاول من خلالها أن يكون ذا هوية إبداعية مستقلة .
ولقد تفطن البلاغيون العرب الى نظرية قلق التأثر التي ذكرها هارولد بلوم فيما بعد ، نذكر منهم ابن طباطبا والذي قال في كتابه عيار الشعر : إن الشعراء المعاصرين يشعرون بنضوب المعنى لديهم ، لذلك عليهم القيام ببعض الأليات مثل الاستفادة من صور شعرية كتبت في غرض شعري ما مثل الغزل في صناعة صورة شعرية جديدة في غرض المدح مثلا ، ولكن يجب أن يجيد حسن الأخذ من السابقين وفق قول ابي هلال العسكر في كتاب الصناعتين ، فهناك أخذ يسئ لصاحبه ، فالتراث يمكن صياغته بشكل جديد جميل رائع ، فالشاعر في أحايين كثيرة يبحث عن قصيدته التي تئن داخله في قصائد الاخرين ، فسبق الفكرة قد لا يجدي أمام إعادة صياغتها من جديد بشكل أفضل من السابق ، وهو ما يطرحه عبدالقاهر الجرجاني في نظريته " النظم" ، بإن إعادة صياغة الألفاظ أو تغيير محور التوزيع كما طرحه فرديناند دي سوسير هو إبداع جديد حتى ولو كان لذات الفكرة ، فالمعاني مطروحة في الشارع ، ولكن تطريز ها الثوب الجديد المبدع الذي تلبسه هو المهم .
وكذلك تحدث ابن الاثير عن علاقة الاديب بالسابقين بأنها علاقة قد تكون مسخا أو سلخا أو نسخا أو زيادة للمعنى أو قلبا له ، وهذه الامثلة تبين علاقة التأثر والتلاحق بين النصوص الابداعية ..
وفي تاريخ الادب استحوذت بعض الرموز الابداعية على من جاء بعدها من حيث التأثير ، حيث يفرِدُ بلوم في خاتمة كتابه ( المُعتمد الأدبي ) ، ملحقاً يضمُّ أعمال 850 كاتباً رأى فيهم بلوم القدرة على الإستمرارية والتأثير في الأجيال القادمة . جاء شكسبير في رأس القائمة ، ثمّ أعقبه أفلاطون وبروست ، ومن أكثر الشخصيات العربية التي رأها أنها ذات تأثير على من جاء بعدها د. طه حسين ، كما أنه تحدث عن نجيب محفوظ ومحمود درويش .
هارولد بلوم يدعوا الى القراءة الجيدة التي تمكن الاديب من التأثر الجيد ، وهو يرى أن انتشار الاعمال الادبية بشكل كبير ليس دليل على نجاحها ، فقصص هاري بوتر ذائعة الصيت هي نفايات لاتستحق الاهتمام ، وأن الانترنت هو هلام يختلط فيه الغث والسمين ، ولا يمنح تدريب متلقيه القراءة الجيدة من حيث النوع ، وهو يدعوا الى عدم بلقنة الادب بوجود مدارس نقدية منهجية لا تراعي الطبيعة الجمالية للابداع ، وتتعامل معه وكأنه مسألة مادية فيزيائية .
في الختام نرى أن زمن التفرد الكامل بالصناعة الابداعية دون ان تكون هناك علاقة تناص وتأثر هو مغالاة غير منطقية ، فنحن نتاج البيئة ، ولكن تظل هناك رتوشنا البسيطة التي تصنعها تجربتنا نحن والتي تشبه بصمة الإبهام ، فهناك هامش اختلاف بسيط تصنعه التجربة والذي هو نحن ، فرغم محدودية الافكار إلا أن النظم ممتد الى مساحات أكبر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..


.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما




.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى