الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 1

دلور ميقري

2020 / 9 / 18
الادب والفن


مشهدُ الشمال، لم يطرأ عليه تغيّرٌ مهم منذ أن تجلّى لعينيّ السيّد صالح قبل نحو عقدٍ من الأعوام؛ أي حينَ مضى في السيارة مع عروسه ريما من أجل محاولة استخلاص ابنتها من أيدي أبناء الزوج الراحل. ثم آبَ من نفس الطريق، يحمل في معيته الابنة بعدما تمكن من اقناع أخوتها لأبيها بالتنازل عنها. وهوَ ذا الآنَ في السيارة نفسها مع امرأته، فيما ابنتها صارت بدَورها أمّاً وقد حط بها الرحال مؤخراً في إحدى قرى القلمون مع رجلها الدركيّ وأولادها الثلاثة. بيان، وشقيقتها تحيّة وأخاهما أوسمانو، أخذوا أماكنهم في المقعد الخلفيّ مع الأم، فيما رودا جلست بجانب الأب. كان الأولادُ في خلال الرحلة واجمين، أو متذمرين يعبّرون عن دواخلهم بغمغمات وتمتمات، تصبّ في سمع قائد السيارة. لكنه كان يسعى لتهدئتهم بإطلاق الطرف، التي لم يضحك لها سواه.
" بدلاً عن النق، تأملوا هذه الحقول الخضراء، المزروعة بالبطيخ الأحمر والأصفر "، قالها خينما لم يبقَ لنهاية الرحلة سوى ساعة بالكثير مثلما أمِلَ. مع ذلك، فإنه سرعان ما أوقفَ السيارة على جانب الطريق؛ ثمة، أينَ انتصبَ شادرٌ على شكل خيمة. خاطبَ أحدَ المزارعين عبرَ نافذة السيارة، طالباً منه تزويده بعدد من الثمار. ما لبثَ الرجلُ أن لبى نداءَ الأفندي، الجالس وراء مقود السيارة وعلى رأسه طربوشٌ بلون جوف البطيخ. بيد أنه رفضَ أخذ ثمن الثمار، قائلاً أنها هدية. ثم أضاف مبتسماً: " لِمَ لا تشرفوننا في هذه الخيمة، حيث في وسعكم تناول البطيخ وأنتم مرتاحون ". استحسنَ السيّد صالح الفكرة، فبادر للنزول دونَ أن يشاور امرأته؛ كما هوَ مألوف العادة. في الخيمة، كان هنالك قطع من الآجر، تستعمل بدلاً عن الكراسي. توزع ركابُ الرحلة في تلك المجالس الاعتباطية، وما عتم المضيفُ أن بدأ يكسر الثمارَ بسكين كبيرة. فاح عندئذٍ عبقُ البطيخ، فتناول الضيوف شرائحَه الباردة، فانتعشت أجسادهم في هذا الوقت الحار من الربيع المبكر. في الأثناء، كانت ريما تُخرج بعضَ الزاد من صندوق السيارة الخلفيّ. قدّم من ثمّ رجلها الخبزَ والجبن الأبيض لصاحب الخيمة، قائلاً: " تفضل وشاركنا غداءنا البسيط ". قبيل شروعه باكمال رحلة الطريق، ودّع الرجلُ شاكراً إياه مجدداً: " لو حصل ومررت ببلدة رأس العين، اسأل هناك عن بافي أوسمان! ".
غير أنه لم يستقر في رأس العين، الوجيهُ القادم من دمشق. لقد مرّ من البلدة كي يتمتع بمناظرها الجميلة، وما لبثَ أن أكمل الطريقَ لنحو عشر دقائق. هنالك على طرف رأس العين، كانت المزرعة المأمول استثمارها، والتي سيقضي فيها مع أسرته نحو ثلاث سنين.

***
مَن غدا للسيّد صالح بمثابة وكيل أعمال، ملّا عشير، كان آنذاك يعيّش عائلته على حساء العدس في غالب فصول السنة. هذا، برغم أنه كان يحظى من القرويين المؤمنين بحصته من مواسم الحبوب والخضار. كان يجمع المال بحرص، لكي يصرفه في رحلة الحج، التي تمضي به إلى بيروت ومن هناك بالباخرة إلى أرض الحجاز. مع كونه في منتصف العُمر، فقد حجّ سبع مرات إلى ذلك الحين؛ أي إلى زمن حلول أسرة قريبته الدمشقية في الجزيرة. حرصه الموصوف، سيفيدُ منه لاحقاً زوجُ قريبته، المعروف باستهتاره في صرف المال بغير حساب. وبأي حال، فالرجل حضرَ إلى المزرعة عندما كان سيّدها الجديدُ يرمي إلى ما حوله نظراتِ القنوط والخيبة والندم.
وصلت إذاً أسرة السيّد صالح إلى مقر ملكيته، ليُصدم أفرادها بحالته الرثة والفوضى المطنبة في كل مكان. بيان، كانت أسرع الجميع في التعبير عن السخط، باندفاعها نحو أبيها موجّهةً إليه إصبعَ الاتهام: " هل جئت بنا من الشام كي نعيش في هذه الخرابة! ". اغتصبَ الأبُ ضحكةً مرحة، لكنه لم يجد لديه جواباً مقنعاً. في التالي، شاء الهروب بخطواته المتعجلة نحوَ المبنى المهجور وكان يلوحُ أشبه بأطلالٍ نسيها الزمنُ. لكن البيوت المجاورة، التي يلفها الصمتُ، لم تكن أحسن حالاً كما بدت لعينيه عن بُعد. سار باتجاه مسكنه المأمول، تدوس قدمه على نباتات الربيع، الزاهية وسط هذه القباحة. استقبله أولاً بابُ المسكن الموارب، المتشقق خشبه من المنتصف، فاجتازه إلى الداخل المضاء بنور النهار الساطع. شأن الدور الريفية، كان ثمة فسحةٌ كبيرة متربة تنبثق منها الحشائشُ والأشواك مع عدد من الأشجار الهزيلة، تحيطها الحجرات والمرافق. تفقد على الأثر عمقَ المبنى، ليخلص من ثم إلى إمكانية النوم مؤقتاً في حجرتين على الأقل.
أسبوعٌ على الأثر، وإذا به يتحولُ إلى مسكنٍ جدير بإقامة الأفندي القادم من دمشق، المكانُ المهجورُ، المتلاعب به الغبارُ والمعششة في أركانه شبكاتُ العنكبوت. الأثاث، المنقول سابقاً من الشام بوساطة الحافلة الكبيرة، أخرجَ من مكان تخزينه لتفرش به الحجراتُ. هذه الحافلة، المملوكة للسيّد صالح وكانت تعمل على خط حي الأكراد مع مركز المدينة، عهد بها فيما بعد إلى سائق من عفرين، تعرّفَ عليه عن طريق صهر موسي، المنتمي بدَوره إلى إحدى قرى كرداغ. كان من المؤمل تشغيل الحافلة بين الجزيرة وحلب، وأن تكون أكثر فائدة للمسافر من ركوب القطار.

* الرواية الأخيرة من خماسية " أسكي شام "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع