الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤس السياسة السورية الراهنة

بدر الدين شنن

2006 / 7 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يحاول النظام السوري أن يقدم بما يجريه من اعتقالات ومحاكمات لعشرات من الناشطين والأكراد والإسلاميين والكتاب والصحافيين ، على أنه مازال قوياً ، ومازال قادراً على الضبط والربط لتأمين استقراره ومصالحه كما يشاء . كما يحاول أن يدفع إلى الخلف التقديرات والتقييمات التي كانت رائجة في الوسط السياسي السوري والإقليمي في الفترة الأخيرة .. وكما يريد النظام عن عمد وكما إنساق بعض المراهنين على دور الخارج في التفاعلات التغييرية في الداخل عفوياً ، فقد وضعت في كفة النظام في ميزان القوى جملة متغيرات حدثت مؤخراً في المستوى الإقليمي ، فوز حماس في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، فوز كبير للأخوان المسلمين في مصر ، هدوء التحقيق الدولي في إغتيال الحريري ، بروز التحدي الإيراني النووي ، ا ستعادة حزب الله وأنصار النظام المبادرة في لبنان .. ألخ .. وا ستخدمت في محاولة فهم إنتكاسة حالة " غض الطرف " الأمنية عن الحراك السياسي المعارض التي ترجمت بجملة الإعتقالات والمحاكمات المذكورة ، والتي تجلت في طرح رموز من النظام بأن " لامعارضة سياسية " في البلاد "

والحقيقة أن إنتكاسة حالة " غض الطرف " إذا جاز أن نضع هذا الوصف مؤشرأ فاصلاً لما قبل ولما بعد ، لم تأت من إنعكاس المتغيرات الإقليمية المذكورة تحديداً ، بقدر ما جاءت من أوهام ذاتية في طرفي جدلية نظام / معارضة ، يمكن لها أن تتقاطع بهذا القدر أو ذاك مع معطيات إقليمية ودولية ، لكنها تبقى رغم الرغبات محصورة في النطاق المحلي بالدرجة الأولى . فعلى مستوى المعارضة يؤشر المشهد فيها على معاناة مخاض عسير عند محور تقاطعي لدروب الخيارات المتعلقة ببنيتها ومضامينها وآلياتها . وفي فترة المخاض هذه هي محكومة بحراك يتسم بالسقف العالي من المسؤولية والتكلفة ، أي أنها تتحرك لأداء مهام يتطلبها الواقع الموضوعي الوطني والإقليمي هي أكبر بكثير من طاقتها ، فتبدو بسبب ذلك اقل حجماً وأثرأ مما هو مستحق عليها ، وتبدو لعدم جماهيريتها ضعيفة ولقمة سائغة بنظر الأجهزة الأمنية العالية التدريب على الشراسة والبطش . وعلى مستوى النظام ، فإن المشهد يدل على نمو تضخم بالذات وتوهم غير مبرر موضوعياً . فعندما ينظر " منظرو " الحزب الحاكم إلى حجم قوة النظام العددية والنوعية .. حزب .. قوات مسلحة .. أجهزة أمنية متعددة .. وسجون .. ومنظمات " شعبية " .. نقابات .. تحكم اقتصادي .. قطاع دولة ,, .. شراكات سوقية .. ويتجاوز الرقم الاسمي الملايين ، وينظرون إلى حجم القوى المعارضة ، يستكبرون قواهم ويستصغرون الآخر .. بل و" لعلو قاماتهم " وقدراتهم يكادون لايرون الآخر . فقط علاقة الآخر بالخارج هي ما يقلل من عملقتهم وما ترفع من شأن هذا الآخر ومن حجمه

هنا يبرز دور الخارج المصدر للبؤس في جدلية نظام / معارضة . ومن هنا يأتي الوهم أيضاً ، من أن الخارج مصدر قوة المعارضة ومصدر ضعف النظام .. النظام بعد أن قطع بالقمع المديد الظالم كل أواصر العلاقة بين المعارضة والشعب يجد أن الخارج مصدر متاعبه ، فهو يحاول أن يعقد معه الصفقات ليتجنبه من جهة .. ومن جهة ثانية .. يعرقل حتى بالقمع إتصال الآخر بالخارج ليأمن جانبه . والمعارضة إذ فقدت ، أولاً بالقمع ، أية إمكانية واقعية تفاعلية مع الداخل .. مع الشعب . وإذ هي بتركيبها النوعي كنخب ثقافية وسياسية ، ليس بوارد لديها ، أو لم يتح لها حتى الآن التوجه إلى الشعب وتنظيمه والاندماج بصفوفه ومطاليبه ، تبقى أسيرة الخارج لتقتبس منه الدعم وزيادة الحجم والوزن إزاء توحش النظام

وهذا ما يشي بتقاطع نظام / معارضة حول الخارج ، ويخشى أن يتحول الصراع السياسي السوري إلى صراع حول كسب الخارج .. وإلى مناقصة في العرض ومزاودة في الطلب . وإلى رهن تطلع الشعب للخلاص من الاستبداد إلى مدارات سياسات ومصالح الخارج . وفي هذه الزاوية بالذات تكمن جذور إنتكاسة " غض الطرف " الأمنية العتيدة . في علاقة النظام بالمعارضة ، إذ كلما ا سترضى النظام الخارج ا ستقوى على خصومه في الداخل .. وكلما إرتاح الخارج لكفالة النظام لمصالحه ا سترخى في تعاطيه مع حراك الداخل . وفي هذه الزاوية بالذات أيضاً يكمن بؤس السياسة السورية الراهنة .. حيث نرى التحليقات الفكرية والسياسية تدور حول عملية مشاركة .. أو .. ا ستبدال سلطة حسب متطلبات الخارج السياسية والاقتصادية .. وفي مقدمتها .. الموقف من المشروع الأمريكي في العراق .. إعادة ترتيب البيت اللبناني .. المفاوضات مع إسرائيل .. الإنخراط في منظمة التجارة العالمية الحرة واقتصاد السوق .. خصخصة الشركات والمؤسسات التابعة للدولة .. المطاوعة في عملية أمركة العالم .. العولمة

وكلما إرتفعت هذه التحليقات وابتعدت عن الشعب .. عن القاع الاجتماعي إّزدادت الأزمة السورية الشاملة تفاقماً وبؤساً

والسؤال الآن بعد الهجمة القمعية الجديدة .. وبعد برود المفاعيل الخارجية تجاه الحراك السوري الديمقراطي هو ، هل بات مطروحاً الآن الهبوط أرضاً .. وبناء عملية التغيير الديمقراطي الاجتماعي من تحت إلى فوق بدلاً فوق إلى تحت .. ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد انتخابات -تاريخية-.. لا أغلبية مطلقة في البرلمان الفرنسي


.. احتفالات بالانتصار.. -الجبهة الشعبية الجديدة- تتصدر التشريعي




.. -سأقدم استقالتي-.. كلمة رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال ب


.. سمكة قرش ضخمة تسبح قرب مرتادي شاطىء في تكساس




.. بايدن.. مصيبة أميركا العظمى! والدولة العميقة تتحرك! | #التا