الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في أمواجِ فنجانِ قهوةٍ عربيٍّ

علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)

2020 / 9 / 19
الادب والفن


البَيانُ هُنالكاَ, أراه مُتّكِأ على ارِيكَة من خشب هُناكَا, في مَوضِعٍ حِذو البَيتِ العَتيقِ مُحاطٍ بالأخشَبين, فرُشُهُ الرَّملُ وسقفُه سَماء.
لكأنّي بصَخرِ الأخشَبين قد تَشَقَّقَ بلاغةً و فَصاحةً عَلَت فَطَغت ذانك الموضعَ فَبايعها قاطِنوه! فأمسى كلٌّ منهمُ (كأنَّ كلامَ النَّاس جُمِّع حولَه * فأطلق في إحسانه يتخيَّرُ)! فَوَقَّرَتْهُمُ عُيُونُ الأرضِ في بيانٍ وَحدهمُ مَلكوُهُ.
ولئن كانَ بَيانُ فتىً مِنهمُ قَد سَحَرَ الآخرينَ وَكلَّ بيانٍ جَمَعوُهُ,
فكيفَ الأمرُ هوَ إذاً مع سَادتهم في بيانٍ عَلِموُهُ !
فهاهو ذا الفتى (عَمرو بن كلثوم) يَسبِرُ أغوارَ الحَرفِ,
فيَنقشَ وَبثلاثةِ أبيات مَلحَمةً لحرب عُرْف,
تامةً غير منقوصةٍ, وكيفَ البدءُ كانَ فيها, وكيفَ كان النَزفُ, كيفَ الحَماسُ مِن قَبلُ, ومَن كَرَّ على الطَرف, كيفَ الختامُ والنصرُ وكيف المغنمُ والصَرف.

(وَكُنَّـا الأَيْمَنِيْـنَ إِذَا التَقَيْنَـا وَكَـانَ الأَيْسَـرِيْنَ بَنُو أَبَيْنَـا
فَصَالُـوا صَـوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْهِـمْ وَصُلْنَـا صَـوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْنَـا
فَـآبُوا بِالنِّـهَابِ وَبِالسَّبَايَـا وَأُبْـنَا بِالمُلُـوْكِ مُصَفَّدِيْنَــا). أبياتٌ مِن شِعرٍ ثلاثة؟!
مُذهلٌ انتَ يا عَمرو!
يا لعلوّ بيانٍ في مَعانٍ زَخَخْتَه !
ويا لسموّ كَلِمٍ في بلاغةٍ نَضَخْتَه !
ويا لغلوّ شجنٍ في قافيةٍ ضَخَخْته !
أنّى تَسنّى لكَ إلآنةَ ذاكَ البيان وكيفَ طَوَّعْتَ نمر الفصاحةِ و نَخَخْتَه!
لقد تَسَّمَرَ البيانُ مِن بَعدِك يا عَمرو مَهابةً من سحرٍ فَخَخْتَه!
مَنْ عَلَّمَكَ هذا وأيُّ فَجرٍ من زمانٍ وأيُّ مَسمَعٍ أنصَتَ لعطر نَداك ونِداك حين بَخَخْتَه !
وعَجبي لأمَّةٍ وَسْمُها " العربُ" !
إنِ البَيانُ الّا شهابٌ في سَماءٍ بَرِقَ - طَرفةً عَينٍ - فَما حَازَ رِئيَّهُ الّاكُمُ.
إيهٍ يا ٱبن المُغِيرةِ !
وعَجبي يا ابا الحَكَم!
وعَتَبي يا عُتبة..
أوَليسَ عَمرو هذا هو فتاكُمُ وربيبكُمُ, جاءُكم ببيانِهِ ليَحظى بثَنائِكُمُ, فكيفَ اذاً هوَ البيانُ في وِعائِكُمُ؟
مهلاً :
لِمَ نَبَذتمُ وراءَ ظهورِكمُ ذؤابةَ البيانِ والمُهيمنِ عليهِ لمّا اتاكُمُ؟
لمَ كنتم تَستَرِقونَ السمعَ من وَراءِ جُدُر شَغفاً بِه وعَجباً، وحَذَرا مِن أحَدٍ الّا يَراكُمُ؟ ثمّ تَنطَلِقونَ مُتواصِّينَ بصَبرٍ على آلهةٍ خَلَقَتْها أياديكُمُ!
إنّها {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْر} يا عتبةُ, وكانَ حقيقاً عليكَ أن تَتقَيَّأَ التَّكبُّرَ وتَتَفَيَّأَ ظِلالَها غَراماً ببيانِها وخشيةً يومِ التناد!
وقِمنٌ لكَ - أبا الحَكم- أن تَتَهَيَّأَ لِهِلالِها و تَتَبوَأَ مَوطِئاً خَلفَها فتلفظ وسم الجَهلِ وتنعُمَ بالرشاد.
ولقد فَكَّرتَ وقَدَّرتَ يابنَ المغيرة، وعَرَفتَ السِرَّ فَلَم تَلزمْ، فَنَظَرتَ فعَبَستَ واستَكبرتَ فَفاتَكَ الزادُ .
ولقد عَلِمتُمُ أيا مثلث البيانِ والحكمةِ..
أنَّ في آياتِ صاد ألَقَ الإعجازِ وذُروةَ بيانِ الضاد !
وأنَّ في راياتِ صاد حَلَقَ الفصاحةِ وعِلمَ جَوامِع والاضداد.
وأنَّ في غاياتِ صاد فَلَقَ البلاغةِ وسؤددَ القرى والأفراد.
ولكنَّ ..
مَن يُضللِ اللّهُ فما لهُ من بيانٍ يُغنيِهِ ولاحُلمٍ يُدنيهِ ولا حُكم يثنيهِ ولن يكونَ له مجدٌ يَبنيهِ ومالهُ من اللّهِ من هاد.

مُذهلٌ انتَ يا عَمرو ! ولاعجَب!
فإنَّ من تَغَمَّسَ بالضّادِ جَادَ, وإنَّهُ رمحَ للضادِ ضد كلّ ضادِ, وإنَّ مَن نَطَقَها عَشِقَها وقَادَ الأممَ وسادَ.
لا عجَب! فإن الذِكرَ عليكُمْ اُنزِلَ, وأَنَّكم اُمَّةُ سَيِّدِ البيانِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم .
سَيَّدُ امّةٍ وَسمُها "العَرَبُ"
اَسَفٌ مَكنُونٌ انْ يُجِلَّ جُلُّ أعدائِها شَدا بيانِها ويُقِلَّ ابناؤها صَدا كِيانِها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا