الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقبة الاسرائيلية في التاريخ العربي الحديث

عبدالله نقرش

2020 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


المقصود من هذا العنوان تتبع التاثير الصهيوني على السلوك العربي والتاريخ العربي الحديث متمثلا في التوجهات العربية التي تتفق مع الطروحات الاسرائيلية او تخالفها، وقد جاء هذا الحديث متاثرا بالاندفاع التطبيعي المجاني مع اسرائيل الامر الذي يدفع بمحاولة فهم مايجري انطلاقا من السياق الشامل عبر قرن من الزمان وابراز اهم المحطات فيه .
اما الفرضيات التي تنطلق منها هذه المقالة فهي كالتالي :
اولا- ان السلوك الصهيوني كان فعلا استراتيجيا له مقدماته وتطوراته وغاياته مما جعله مشروعا متسقا متطورا . ومع انه ابتدا كاسطورة الا انه تجسد كحقيقة واقعية، بينما بالمقابل، كان السلوك العربي جملة من ردود الفعل الجزئية والظرفية، لم يشكل حالة متسقة من المقاومة ولا مشروعا استراتيجيا للمواجهة، وبالتالي لم يرتب نتائج حاسمة على صعيد اعاقة المشروع الصهيوني او افشاله .
ثانيا- ان تحليل السياق التاريخي للتناقض العربي الصهيوني، يشير الى ان استعداد العرب لقبول اليهود كاصحاب ديانة ورفضهم كصهاينة او كمشروع سياسي، كان اكثر وضوحا من الموقف العدائي منهم، وكان قبول توطينهم في المنطقة بسبب ما تعرضو له من اضطهاد في اوروبا، وحتى الاستعداد للتعايش معهم على اسس اخلااقية سمة عامة لدى معظم فئات الشعب العربي.
ثالثا- يعتقد الكاتب ان سبب الفشل الاساسي في المواجهة بين العرب والصهاينة هو ان الكيان الرسمي العربي تاثر بالعقدة التاريخية للحكم فهما وممارسة، التي تلخص في (اولوية السلطة مقابل اولوية الدولة والمجتمع) الامر الذي ادى الى فقدان البعد الاستراتيجي في ادارة الصراع مع الحركة الصهيونية سابقا والكيان الصهيوني لاحقا واصبحت مسالة المواجهة مع العدو الصهيوني كانها قضية ترتبط بالحاكم واولوياته دون الدولة وامكاناتها واستراتيجياتها.
من المعلوم للجميع ان الدين الاسلامي يعتبر بني اسرائيل واليهود عامة اصحاب كتاب وهذا يعني ان لا وجود لموقف ايديولوجي معاد بالمطلق لليهود كيهود ،وبهذا يتفق مع موقف بعض اليهود في العالم الذين يروا ان المشروع الصهيوني لايتفق وقناعاتهم كمؤمنين يهود . في سياق هذا الفهم المبدئي قبل العرب بعض الاجتهادات الدولية والقرارات الدولية او تعاملوا معها دون ان يعلنوا قبولهم الصريح لها او اجتهدوا في تفسيرها وقبولها على طريقتهم الوسطية مثل وعد بلفور 1917 وما تبعه من انتداب على فلسطين، الكتاب الابيض 1939 واللجان التي سبقتته او لحقته، قرار تقسيم فلسطين رقم 181 سنة 1947، حتى حرب 1948 كانت تشي بقبول العرب بقرار التقسيم والحرب للمحافظة على الجزء العربي من فلسطين الوارد في قرار التقسيم. ومع انه في هذه المرحلة اخذت القضية الفلسطينية بعدها العربي واصبحت تحت عنوان الصراع العربي الاسرائيلي الا ان اتفاقات الهدنة التي تلت الحرب تشي بالانابة العربية عن الكيانية الفلسطينية وامكانية القبول بما الت اليه الامور .
ولهذا فان المشروعات السلمية التي طرحت او الطروحات المقترحة للتسويات المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي بعد انشاء الكيان الصهيوني تعبر عن احتمالات قبول اسرائيل كدولة مقابل استعادة بعض من حقوق الفلسطينيين وانهاء حالة الحرب للوصول الى تسويات مع اطراف الصراع العربي الاسرائيلي. وبهذا المعنى لايمكننا ان نؤكد بان الجهد العربي في ذاك الوقت كان يستهدف القضاء على دولة اليهود في فلسطين خاصة اذا عرفنا ان محاولات التسوية تزايدت كثيرا والتي من اهمها مراسلات كندي مع عبدالناصر في بدايت الستينات.
ومع ذلك كان تكوين منظمة التحرير، يمثل مشروع اعادة الكيانية الفلسطينية، التي تعرضت هي واطراف الصراع العربي الاسرائيلي في حرب 1967 الى اختراق واضعاف حاسم. ومع ان العرب حاولوا بعد حرب1967اتخاذ موقف استراتيجي رافض لمخرجات الحرب، الا انه كان يتضمن فعليا القبول بالوجود الاسرائيلي لما قبل 1967. والذي تم التعبير عنه بقبول قرار مجلس الامن 242. ولهذا اصبحت الكيانية الفلسطينية محددة في اطار الرؤية العربية للصراع، الامر الذي لم يحصل عليه تطور ملموس الابعد حرب 1973 والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في عام 1974. وعلى الرغم من هذه النتيجة الاان مثل هذا القرار يشير الى حد ما باعفاء العرب من مسؤولياتهم المباشرة اتجاه القضية الفلسطينية، واقتصار دورهم على ادارة ماتعلق بمخرجات حرب 1967 وحرب 1973 التي جاءت باتفاقيات جنيف 1974 و1975، لتعبر عنها حتى حينه. نستطيع ان نقول بان الفعل الاستراتيجي الصهيوني ارغم العرب على ردود فعل غير استراتيجية وهذا لم يغير في طبيعة رؤيتهم للعقدة التاريخية في الحكم المتمثلة بالسلطة مقابل الدولة، والتي تاكدت عبر ردود افعالهم وفهمهم لحرب 1967 وحرب 1973 التي لم ينشا عنها تغير في الانظمة السياسية كما هو في التاريخ حيث يشير التاريخ الى احتمالات كثيرة جدا في تغير الانظمة السياسية المهزومة .
بل ان اتفاقية كامب ديفيد 1979 بين مصر والكيان الصهيوني ، ومع انها بررت كاحد نتائج النصر المصري المحدود في 1973 الا انها كرست النقاط التالية :
اولا- اخراج مصر من دائرة القوة المواجهة لاسرائيل ممارتب عليه اضعاف الدور السياسي المصري اقليميا ودوليا .
ثانيا- اعتراف صريح، بغض النظر عن ملحق الاتفاقية الخاص بفلسطين، بفصل القضية الفلسطينية عن الصراع العربي الاسرائيلي بالمفهوم المصري على الاقل .
ثالثا- قبول الكيان الصهيوني كعضو في الاقليم من قبل اقوى قوة مقررة فيه (مصر) بعد ان كان نال اعترافا فيه في ذلك الوقت من ايران وتركيا .
رابعا- كسر قاعدة التفاوض الجماعي بين (اسرائيل والعرب) وهو الامر الذي اقرته تاريخيا الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية قبل اقامة الكيان الصهيوني والتركيز على التفاوض الثنائي، وهو امر يعبر عن الاستراتيجية الصهيونية تاريخيا.
وهناك نتائج اخرى للاتفاقية لكن يبدو ان اهمها كان كسر هيبة وبنية النظام العربي الرسمي، ومن ثم سعي الكيان الصهيوني للاستفراد باستراتيجيات فرعية خاصة تجاه كل دولة عربية على حده، وبما يستدعيه الامر من اساليب عمل، سواء كانت تستهدف تدمير القوة، او نسج علاقات سرية. وبدات عملية كشف الحجاب عن الاتصالات السابقة بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية. المهم في المسالة ان هذه المرحلة اسست لما يمكن ان يقال عنه (ارهاصات المرحلة الاسرائيلية في التاريخ العربي) الامر الذي يعني استكمال عضوية الكيان الصهيوني في المنطقة والتسرب في بعض مناطق النفوذ بما فيه اقامة اتصالات مع بعض الاطراف الفلسطينية فضلا عن العربية .
كانت المرحلة الاكثر حسما من تبعات اتفاقية كامب ديفيد، ربما هي التعامل مع العراق الذي سطع نجمه اكثر حين استاثر بقيادة العالم العربي بعد مصر، وبدت قوته واضحة في حربه مع ايران، هذه الحرب التي انهكته على الرغم من انتصاره بعد ثماني سنوات، الا انها وضعته في موقف حرج في علاقاته مع دول الخليج، ما ادى الى استثمار هذه القوة باحتلال الكويت وتسبب بنوع من الحرب الدولية ضد العراق. كما لو كانت المانيا في الحرب العالمية الثانية لكن بدون حلفاء. خدمت هذه الحرب الكيان الصهيوني ليس فقط بتدمير قوة العراق واحتلاله عمليا من قبل قوى خارجية الا انها ايضا ساهمت بالاجهاز على الفكرة القومية العربية كمركب في الفكر والهوية والتعريف والدور .
في كل هذه المراحل كان النفط يلعب دورا سلبيا في المحصلة،ومعنى النفط هنا: بنى حكم ؛ سياسيا سلطوية ، اجتماعيا قبلية تقليدية ، حليفة للغرب ، تحتكر الثروة. وبهذه المواصفات ليس من السهل ان تغامر هذه الدول بالمساهمة باي مشروع استراتيجي لمواجهة الكيان الصهيوني اللهم الا من خلال تقديم دعم مالي.
كان تدمير العراق بعد مصر فرصة ذهبية لفرض مقدمات( مشروع الهيمنة الصهيونية على المنطقة )عبر نظام جرى الحديث عنه كثيرا (كنظام شرق اوسطي جديد) وهو في الواقع نظام بديل للنظام العربي .ولربما كانت ترجمته على الارض تتم مبدايا بالوصول الى تسويات مع بعض الاطراف سيما تلك التي فسر موقفها الى جانب العراق وذلك باستثمار اوضاعها السياسية والاقتصادية.
جرى توقيع اتفاق اوسلو 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني ، وبه تم الاقرار الفلسطيني بحق الكيان الصهيوني بالوجود وما هو اكثر من ذلك. وبعدها وقعت الاردن اتفاقية وادي عربة 1994 وفيها اعتراف بحق الكيان الصهيوني بالوجود وهو موقف مبني اساسا على قرار التقسيم 1947 . الفرق هنا بين الاردن وفلسطين من جهة ،والدول العربية الاخرى من جهة ثانية، من حيث العلاقة مع الكيان الصهيوني، هو ان فلسطين والشعب الفلسطيني يعتبرا نقيضا موضوعيا وشرعيا ووجوديا للكيان الصهيوني، كما يعتبر الاردن بالاستناد الى الشرعية الواقعية للدولة الاردنية، نقيضا موضوعيا من حيث الكيانية المتنامية وخصوصية الدولة للطموح السياسي للمشروع الصهيوني رغب ذلك ام لم يرغب . بينما الدول العربية الاخرى، صنفت اما دول مواجهة او دول مساندة او دول طرفية، وليست مرغمة على الدخول باتفاقيات ثنائية مع الكيان الصهيوني تحت اي عنوان. كما لم تكن اطرافا مباشرة في حروب الصراع العربي الاسرائيلي باستثناء العراق وبعض الاستثناءات الاخرى . اذا بعد تدمير العراق، واتفاقية اوسلو، واتفاقية وادي عربة، وقبلها كلها اتفاقية كامب ديفيد، وبعد منح العضوية الاقليمية للكيان الصهيوني، اصبح المشروع الصهيوني مشروع هيمنة اقليمي، ولم يعد يقتصر الامر على مفهوم الصراع الفلسطيني الاسرائيلي( القضية الفلسطينية) او الصراع العربي الاسرائيلي، وانما تحول استراتيجيا الى مشروع هيمنة شرق اوسطي لاعتبارات عديدة منها :
اولا- تفوق في القوة
ثانيا- تفوق في العلم
ثالثا- تفوق في الصناعة والتقدم التكنولوجي
رابعا- التفوق في التحالفات الدولية بمواجهة الاخطار القائمة او المحتملة.

وبذلك ضمن حقا مطلقا بالوجود وحقا محتملا جدا بالشراكة الاقليمية وعلى هذا من المحتمل ان تترتب النتائج التالية:
اولا- تحقيق مكاسب اقتصادية ومالية طائلة تساعد الكيان الصهيوني على التفاوض مع العالم الغربي، وقلب معادلة المنة والامتنان حول الدور السياسي وحول المساعدات الاقتصادية.
ثانيا- اكتساب حق شبه حصري بتقرير مصير القضية الفلسطينية، هذا اذا تجاوزنا حركة النضال الفلسطيني. ولذلك كان الكيان الصهيوني وراء خطة ترامب ( صفقة القرن 2020) .
ثالثا- تسويق الكيان الصهيوني لنفسه كحامي لانظمة الاستبداد العربية من احتمالات التغيير، لاسيما من خلال التاثير المباشر والمتعاظم لليمين الاسرائيلي على اليمين الامريكي، لهذا لا نستغرب اتفاقات التطبيع المجاني التي وقعت اخيرا باندفاع ملحوظ بين بعض الدول العربية المعلنة او المستترة والكيان الصهيوني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة