الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى ضحكت آخر مرة أيها السوري؟؟؟

سلطان الرفاعي

2006 / 7 / 6
حقوق الانسان


تسير في طرقات دمشق القديمة والحديثة، فتسمع شجارا هنا، وشتيمة هناك. الوجوه مقطبة، جامدة، متجهمة. جارك، صديقك، حتى شقيقك، تراه وهو يُلقي السلام عليك، وكأنه هم ثقيل يريد الخلاص منه. لا تلم أحد، فدمشق فقدت ضحكتها وفرحها منذ زمن طويل.



غابت عنا السعادة، وأهازيج الفرح، وصرخات الانتصار. نتوق إلى نصر، ولا نصل إليه.

أصبحنا ننشد فوزا في لعبة الطرنيب أو الكونكان، ولا يهم، ولو استعملنا كل أساليب الغش، فالمهم، أن نفوز، ونصرخ: لقد انتصرنا، فزنا.

انحسرت، حتى كادت تتلاشى، انتصاراتنا، وتوالت حتى كادت تغمرنا هزائمنا؟



لقد سئمنا حزب البعث وأيديولوجياته البائدة.

-تخلى الحزب الاشتركي الديمقراطي الألماني عن الماركسية في مؤتمر بادجود سبورغ عام 1959 ، وانحاز هذا الحزب الى ما يسمى(دولة الرفاه) بدلا من الصراع الطبقي . وقامت بهذا الانقلاب الاشتراكية الديمقراطية في السويد قبل ما يقارب الاربعين عاما(عمر حزبنا العتيد).

لقد سئمنا الارهاب الأصولي.

الارهاب الأصولي ، والذي أصبح يملك تجربة كبيرة، في التخريب، والتدمير. وكل حساباته الحياتية، أصبحت تتم تتم بدافع الانحياز للشر .

الانحياز للشر، والذي هو لدى معظمهم، نهائي وغير قابل للاصلاح . قد تجد ندما لدى القتلة، ولكن أبدا لا تجده لدى هؤلاء.

لقد زرعوا الفكر الأصولي ، وغذوه في قلب الشعب، ماذا يعني التلذذ بمناظر القتل، وقطع الرؤوس، والذي أدمن عليه الشعب، وأصبح يستقبله، بلا مبالاة، ولا أهتمام. فهو أمر عادي، وليس استثنائي. ناهيك، عن موقف الكثيرين، من شيوخ الارهاب، وحسرتهم، وحزنهم على (فطسهم).



لقد سئمنا أفرع الأمن واستدعاءاته، والتي هم أنفسهم غير مقتنعين فيها.

(عندما عندما يصل الشخص الى القوة التي هي أكبر منه ، فانه يصل الى حد معين ، يرى فيه،( ما يكرهه، وما يرفضه لنفسه، ولذويه) .يرى فيه ما يكرهه يتحول الى موضوع اعجاب . وهو لا يريد أن يعترف بذلك لذاته . وهذا غير مريح، ولكن عندها لا حل آخر سوى أن يكون في قلب هذه القوة (تشاسلاف ميلوش-الاستيلاء على السلطة))

وفي نفس الرواية(الاستيلاء على السلطة) نقرأ على لسان تريزا، ما يريد ميلوش ايصاله لنا: ((لقد قتلوا أبوك ، ولذلك يبدو أنهم أقوى منك)).

الطاعة والاعجاب والعشق ، أمام السلطة الطاغية، ليس احتراما وبرغبة صادقة ، وانما من الشعور بعدم القدرة الكاملة أمام ادهاشاتها.

ويتابع ميلوش في وصف أكثر من رائع:

((لا خيار لهم --يحول الانسان كراهيته الى اعجاب . وأكبر سعادة أن تكون في (دائرة الرحمة) لتلك القوى التي ينتظر منها الانسان المصائب وحسب .

سئمنا رجال الشرطة، والخوة التي يفرضونها. سئمنا عنتريات وشعارات القومية، سئمنا حقد المعارضة وقلة يدها، ومشاجراتها مع بعضها البعض، سئمنا منظمات حقوق الإنسان، والتي لا تعرف حتى ساعته، ما معنى الإنسان؟ سئمنا النصب والاحتيال الذي نمارسه على بعضنا البعض. سئمنا أمريكا وغطرستها، سئمنا إسرائيل وعدوانها، سئمنا المتاجرة باسم فلسطين، وبرأينا أن اسم سوريا أسمى.

ما هي طموحاتنا ؟ طموحات أولادنا؟ أحفادنا؟ .

عبث، حياتنا اليوم عبث، مستقبلنا عبث، ما نريده عبث، وما نطمح إليه عبث.



السلطة تريد أن تنفذ برأسها، والمعارضة تريد رأس السلطة لا رأس الفساد والقمع والاستبداد القومي والأصولي. رأس السلطة، وليأت بعدها الطوفان!

التجربة العراقية مريرة، نعيش بينهم، وهاجس تجربتهم يكاد يسحقنا. من يستطيع منا أن يعيش خارج بلده، أكثر من أسبوع وحتى شهر، تجربة العراق، درس قاسي، عنيف، شرير.

من يستطيع، بهذا الفقر، الذي أوصلونا إليه، بخططهم، الخمسية، وبنهبهم المنظم، لثروات الوطن، من يستطيع أن يتحمل غربة مماثلة.



خط الفقر امتد، ليحيط بالمساحة كلها=185 ألف كم- فقر جوع مقت كره قمع تخلف نهب سرقة نصب احتيال خوف رعب.هذه حياتنا اليوم في سوريا.

لو اعتبرنا السلطة نفسها، شخص صاحب كيان، ولو سألناه، هل هو سعيد؟ الجواب بالنفي حتما، فالسلطة اليوم، هي أيضا تعيسة، فالضغوط تلاحقها، بحق وباطل، ومثلنا هي، تنتقم منا لتعاستها، وننتقم منها لتعاستنا.نتبادل التعاسة والكره والحقد معا. وبالتالي لا يسأل أحد بعد اليوم، عن الفرح في بلدي.



انتماؤنا اليوم لمن؟ للإسلام، للوطن، للبعث، للقرود. فقدنا بوصلة الاتجاهات، وبدأنا متاهتنا الكبرى، لا انتماء، لا أمل، لا مستقبل، لا ضحكة، لا فرح.

عزلتنا أدت بنا إلى أن نفتقر، مصيرنا، أصبح غربة انعزال الم حزن كآبة.

القاعدة البشرية تقول: لا يمكن أن نكون أقل من أفراد، ولكننا لا نكون يوما فقط مجرد أفراد، فما من شخص يستطيع أن يكون جزيرة.

الفراشات حرة، أما نحن فالقيود تكبلنا، نحتاج إلى فرح، كيف يمكن أن نفرح على أكمل وجه ؟؟ صباحاكنا نرجوا سماع ضحكة في قهوة أو حديقة؟

صباحا، عند خروجنا من أجل يوم جديد، نُحي الشمس، فتضحك لنا، ونضحك لها. ومساء، عند العودة، نحي القمر، فيضحك لنا، ونبادله الضحكات. ولكنهم، وبما حملونا، من مصائب، وكوارث، وضغوط، جعلوا ظهرنا ونظرنا وسمعنا إلى الأسفل. وبالتالي، لم نعد نرى لا الشمس الضاحكة ولا القمر الجميل. لو تساءلنا جميعا، كم مضى على كل واحد منا، ولم ينظر إلى الشمس أو القمر؟؟



ألام الشعب السوري مبرحة، أوجاعه كثيرة، همومه عظيمة. تشغل انتباهه وتستأثر بكل اهتمامه. هم يعيشون ((واليأس يملأ حياتهم)). لقد بدد القمع والخوف والرعب والبغض، والخيبة، القسم الأكبر من قدراتهم. لم يبق لدى الشعب السوري الحضاري، سوى النذر اليسير من القوة كي يشاركوا في ضحكة الحياة وينشدوا أناشيدها.

الشعب السوري يسير، وأقدامه موثقة، وبالتالي، فلم تعد تهمه الضحكة، بقدر اهتمامه بالمحافظة على اتزانه، وهو المقيد القدمين. دائما في خوف ورعب، من مستقبل غير آمن، هجمات الغلاء، وقلة ذات اليد، والخوف من الجوع، تزعزع اتزانهم. فأمام تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية تحولوا إلى يأس صامت، خيالات من المآتا، تسير، كما نرى في الأفلام، ببطء واستلاب.وتفشت الأمراض المرتبطة، بالحالة الاجتماعية والنفسية. زادت التقرحات المعدية، زاد الاكتئاب النفسي. والشيزوفرنيا.

الارتباك الذي أصاب الشخصية السورية، نتيجة ما عانته من آلام وضغوط، وقمع، وفقر، أدى إلى الاكتئاب أو (الهبوط النفسي) وما هو إلا ذهان هوسي -اكتئابي.

من عوارضه ، ما نراه اليوم ، في حالة غالبية الشعب السوري: الشعور بالوحشة ، عدم القدرة على القيام بأي عمل، يجدون أن لا نفع في حياتهم ، يشعرون بالذنب وقلة الثقة بالنفس. وعندما(وصلنا إليها) تثقل تلك الضغوط كاهل المواطن، فيفقد الاهتمام بالحياة وبالآخرين، ويصاب بما يسمى ((الانهيار العصبي)) ومن منا لم ينهار حتى الآن؟

وأخطر ما تعرض له الشعب السوري، بسبب الحياة التي يعيشها، الشيزوفرينيا، انشطا ر الشخصية عوارضه، وهي وصف حقيقي للحياة السورية اليوم:

الانسحاب من الحياة الاجتماعية =من أين ستأتي الضحكة؟

الانزواء في عالم داخلي من الأوهام!!

بانشطار الشخصية يفتقدون إلى الواقعية في نظرتهم، فواقعهم المزري، لا يأبهون له ولا يفتكرون به!!

الأشخاص والأشياء تتخذ مظاهر غير مألوفة.

للمأكل والمشرب مذاق غريب.

تغيب الضحكة والفرح والسعادة.

وتتفاقم هذه الاضطرابات عادة، نتيجة استمرار الضغوط، وقسوتها المتزايدة. ).، فالعديد ممن يتهددهم هذا الخطر، يتجهون بطريقة لا واعية، نحو أماكن قلت مشاكلها وتدنى ضغط الأمن فيها، وهذه الشرائح الجديدة، لم تعد تأبه بالوقت ولا تتطلب اتخاذ قرارات هامة، فحياتها أصبحت هامشية، هكذا أرادوا لها، وهكذا أصبحت.

هذا الشعب يُصبح راغبا في الهروب من المدينة والتوجه إلى تجمعات ريفية (ويتركون مدينتهم؟) . وإذا ما تعذر عليهم الهرب، فإنهم يطلبون الغيبوبة بواسطة المخدر والمسكر. .

وأغلبهم كما الشعب اليوم يعيش حال هروب دائمة.

ومنهم أمثالنا ممن يتقنعون بقناع العبث، وقلوبهم تحترق.

كيف تكون المعالجة؟ كيف نعود وتعود إلينا الضحكة؟

قبل هذا العهد كان العلاج المقبول ، بل المفضل، استعمال القسوة الجسدية .

وفي هذا العهد، تعددت الطروحات، فالعديد من أطباء الفروع، كان لديهم قناعة راسخة بأن أساس تلك الاضطرابات خلل في التوازن، في تعداد الشعب السوري، بين من لم يزر الفرع، وبين الزوار الفعليين. والحل في العمليات الجراحية داخل الزنازين، ولكن بسبب الضغوطات الخارجية والداخلية، فقد تم صرف النظر عن تلك الطريقة.

وهناك طريقة أخرى ترتكز في المعالجة على ما يسمى بالعلاج الصدمة. فبعد إحداث صدمات تحدث تغييرا عميقا في الموجات الدماغية، يستعيد العديد من أفراد الشعب السوري ضحكتهم، فيتخلصون من كآبتهم، ولو إلى حين.

والصدمات المطلوبة اليوم:

1- تبييض السجون عوضا عن تبييض الأموال

2- حل مجلس الشعب السوري عوضا عن حل وسط الشعب السوري

3- دستور جديد للبلاد علماني التوجه.

وكما قيل سابقا: ضربة على الرأس توجع، فما بالكم بثلاث ضربات.

أعيدوا الضحكة إلى الشعب السوري.



هناك عمل مميز ( أ.كلاركسون) . عنوانه: الموت والمرض والمجاعة ، يتحدث فيه كاتبه عن انجلترا ما قبل الصناعة . ولعل اسقاط هذا الكتاب، على مرحلتنا اليوم، يؤدي الى تحطيم، الصورة المثالية، والتي أبدعتها السلطة للمواطن السوري الحر. مع العلم أنه ليس لدينا ، صناعة حقيقية، ولن يكون على المستوى المنظور أقله.

---------------------------------------------------------------------------------------------

الديمقراطية والاستقرار يشترطان بعضهما تبادليا ، الديمقراطية ضرورية لنا في سوريا اليوم من أجل الاستقرار، والاستقرار نحتاجه وبشدة من أجل الديمقراطية.

إن ضغط القمع الطويل يجهد النفس وينكدها. وشبح العنف يخيم على العديد من مناطقنا وحوارينا، وقد أوقع الرعب في أذهان الكثيرين وقلوبهم.

إن ما نسميه حياة تعلوها ضحكة تعني القليل القليل لأكثرية الناس.لقد سئم الشعب السوري الحياة نفسها، فآمالهم اندثرت وما تحقق من أحلامهم شيء.

وهكذا تجدنا اليوم وقد فقدنا الديمقراطية والاستقرار والضحكة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة ترصد معاناة النازحين من حي الشجاعة جراء العملية العس


.. طبيبة سودانية في مصر تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين م




.. معاناة النازحين الفلسطينيين في غزة تزداد جحيماً بسبب ارتفاع


.. السيسي: لم تتردد مصر في إغاثة الأشقاء الفلسطينيين وصمدت أمام




.. أخبار الصباح | -العمال البريطاني- يفقد تأييد الأقليات العرقي