الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجمهورية الريفية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2020 / 9 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


بحلول 18 شتنبر 2020 ، تكون قد مرت تسعة وتسعين سنة على ميلاد اول جمهورية اثنية عرقية بشمال افريقيا ، وبالضبط بالمغرب الاقصى الذي كان يسمى مراكش .
فجمهورية الريف التي تأسست كدولة اتحادية لقبائل الريف في 18 شتنبر 1921 ، جاءت ضمن الثورات التي قامت بها القبائل البربرية بالريف ، وبالأطلس المتوسط ، والاطلس الكبير قبل بداية القرن ، وقبل دخول فرنسا الى المغرب ، ضد النظام السلطاني بفاس ، كنظام تقليداني ، وكنظام عندما أسس لدولته وسماها بالدولة المخزنية ، بعد القضاء على الدولة العصبية ، القبائلية ، والمشاعة ، وبنى كل قوتها على الانتساب الى النبي ، وعلى فرض الضرائب العديدة ، واستعمال الغارات والاغارات على القبائل التي رفضت دفع الضريبة للسلطان ، واستعمال مختلف أنواع البطش والتقتيل في تحصيل الضرائب ، لمليء صندوق مال السلطان ... دفع بثورات القبائل البربرية الى تبني نظام الجمهورية الأثنية والعرقية ، التي تبنت قاعدتها على رفض الغزو العربي لشمال افريقيا ، وما نتج عنه من مآسي كالسلب ، والاستفراد بنساء البربر، وتصديرهم الى الحاكم العربي في دمشق ..
لكن ما يلاحظ على هذه التجارب الثورية الجمهورية ، انها وباستثناء الجمهورية الريفية التي كانت انفصالية ، فهي كانت وحدوية ، هادفة جمع شمل الشعب المغربي ، في نظام جمهوري بعض الإطاحة بالنظام السلطاني الذي كان يحكم من فاس ..
عندما أسس الريفيون جمهورية الريف الانفصالية ، حيث كانت لها حكومة ، وكان رئيس الجمهورية محمد بن عبدالكريم الخطابي ، ورغم الرسائل العديدة التي وجهها الى أمريكا ، والى اوربة شارحا وموضحا ، طبيعة جمهوريته الانفصالية ، فلا دولة اعترفت بها ، باستثناء دولتين فرنسا وانجلترا ، التي كان بهما سفيرين للجمهورية الريفية هما ، حدو بن حمو بباريس ، وعبدالكريم بلحاج بلندن .
والسؤال هنا : كيف ان يكون هناك سفيرين للجمهورية الريفية بباريس وبلندن ، وهاتين الدولتين لا تعترفان طبقا للمعاهدات الدبلوماسية ، بالجمهورية الريفية ؟
اعتقد ان الفعل غير الواضح هذا ، مرده الى انتهازية دولتي " سايكس وبيكو " اللتين كانتا تنتظران ما سيسفر عنه ميلاد جمهورية بشمال المغرب ، من خلال توجهها السياسي والايديولوجي ....
لكن ما ان بدا ان التوجه إسلامي ، وان مستقبل الجمهورية سيكون ضد التحالف المسيحي ، الكاثوليكي ، البروتستاني ، واليهودي ، حتى ناصبت الدولتين الاستعماريتين العداء للجمهورية الريفية التي دخلت في حرب تحرير مع اسبانيا الاوربية الكاثوليكية ...
لقد عاشت الجمهورية الريفية الانفصالية ستة سنوات ، من 1921 الى 1926 ، وتعرضت لحرب قاسية من قبل ثلاثة دول هي ، اسبانيا التي ضربت الريف بالغازات السامة ، وفرنسا ، والنظام السلطاني الذي حج الى قصر فرساي يقدم الشكر لفرنسا على انتصارها في حرب الريف ، التي انهت عمر الجمهورية الريفية ..
لقد كانت الثورات القبائلية البربرية الرافضة للنظام السلطاني بفاس ، والهادفة لا قامت جمهوريات بربرية ، والكل يتذكر ما تعرض له الثائر الجيلالي الروگي المكنى ب ( بوحمارة ) من قبل المخزن بفاس ، وكيف تم التنكيل بقبيلته ، وبكل القبائل التي انخرطت في مشروع ثورته على السلطان عبد الحفيظ ، وهو تنكيل يشبه ما تعرض له البرامكة عندما اسودت غيومهم ، واكفهر جوهم ، ويشبه التنكيل الذي مارسته الخلافة التي لم تكن راشدة ، على القبائل التي ثارت بعد وفاة النبي بدعوى الردة ..
فما قمام به خالد بن الوليد ، وعمر بن الخطاب .. على القبائل التي ادخلوها بالجبر وبحد السف الى الإسلام ، كان إبادة جماعية ، وتفنن في ابتكار ابشع ، واقبح وسائل القتل والتقتيل ، والعذاب والتعذيب ، بدعوى حرب الردة ..
باقتراب نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات من القرن الماضي ، وبسبب التدخل العسكري الفرنسي ، باسم الحماية الموقعة مع السلطان عبدالحفيظ ، وبسبب التدخل الاسباني ، تكون الثورات القبائلية قد انهزمت ، وتكون الجمهورية الريفية قم تم القضاء عليها ، ويكون بذلك عهد جديد قد بدأ ، سيعرف ب ( الحركة الوطنية ) ، التي ناصبت العداء لجيش التحرير الذي تكوّن من القبائل البربرية ، الساخطة والرافضة للنظام السلطاني ..
واذا كانت القبائل البربرية غير الريفية ، قد قطعت مع المشاريع الجمهورية ، وتقوقعت كل اثنية في قبيلتها وفي محيطها ، فان القبائل الريفية ظلت تحمل في طياتها حلم الجمهورية الريفية ذات الاتجاه الإسلامي ، وهذا سيبدو على الأرض مباشرة بعد الاستقلال الشكلي ، حيث سينتفض كل الريف ضد النظام العروبي العلوي في سنة 1957 و 1958 ، وتعرض الى إبادة جماعية عبّر عنها الملك الراحل الحسن الثاني في يناير 1984 ، عندما وصف الريفيين بالأوباش ، وعندما قال " ان من مصلحة الريفيين ان يعرفوني كلمك وليس كولي للعهد " ، كما تعرض الشمال الى مجزرة رهيبة في انتفاضة يناير 1984 ، التي كانت ثور شعبية شيعية ، رفع فيها المتظاهرون صور آيات الله الخميني ..
ومنذ ها ظل الريفيون يحنون الى جمهورية الريف ، كدولة انفصالية عن المغرب ، وهذا ما سيبدو اثناء حراك الريف بزعامة ناصر الزفزافي ، ودخول حركة 18 شتنبر على الخط ،وتبني الحراك لشعاراتها الانفصالية ، وسيكون اكبر مشهد عكس نزعة الانفصال ، ترديد شعارات الانفصال ( عاش الريف ) ، حمل راية وعلم الجمهورية الريفية بالملايين ، والدوس بالأقدام ، وحرق العلم المغربي بأوربة ...
ان المتتبع لكل التطورات التي مر بها الصراع السياسي والقبائلي بالمغرب ( عدي اوبيهي ) ، ( الريف ) ، ( الصحراء ) ، سيلاحظ ان الصراع لم يكن محتدا فقط ، وسط الشعب ، والقبائل ، والاقاليم ، والجهات .... بل انّ الصراع كان محتدما بين أبناء القبائل العاملين بمؤسسات الدولة ...
فاذا كانت كل انتفاضات الريف الشعبية ، تهدف الوصول الى الجمهورية الريفية الانفصالية ، فان أبناء الريف ، وأبناء الاطلس المتوسط ، العاملين بالدولة خاصة بالجيش ، رغم انهم كانوا يكرهون ويرفضون النظام الملكي ، الاّ ان معارضتهم للدولة ، لم تكن ذات طابع انفصالي ، يهدف الى انشاء دولة خارج ارض المغرب ، لكنهم كانوا جمهوريين وحدويين ضمن كل المغرب .
ان تحرك ضباط الجيش في انقلاب 1971 ، وفي انقلاب 1972 ، كان يهدف الى إقامة جمهورية بربرية في كل المغرب ، بعد النجاح في اسقاط الدولة العلوية ... وكانت تلك الوحدة يمثلها الانتساب القبائلي الذي ينتسب اليه الضباط الانقلابيين ، فكانوا يمثلون كل الاثنيات والاعراق ، من الريف ( الجنرال المدبوح والكلونيل عبابو ... ) ، الاطلس المتوسط ( الجنرال بوگرين ، الكلونيل العربي الشلواطي ... ) ، سوس ( احمد رامي ) ، والعرب ( الجنرال حبيبي ، الكلونيل الفنيري .. ) ..
وبينما خبت كل اشكال الانقلابات العسكرية ، بتغيير النظام لكل السياسات الأمنية السابقة عن الانقلابين العسكريين ، ودمج كل الضباط الكبار في النسيج الاقتصادي المنفعي للدولة ، استمر الريف يحلم بتجربة الجمهورية الريفية ، معتقدا ان حل المعضلات السوسيو/اجتماعية المستفحلة ، تكمن في نظام الجمهورية الريفية التي تحتضن فقط الريف ، ولا تحتضن كل المغرب ...
فبعد مرور تسعة وستين سنة على إقامة جمهورية الريف ، التي لم تعترف بها اية دولة في العالم ، ولم يكن لها ممثلون بالمنظمات الدولية ، ولا بالأمم المتحدة ... لا يزال هذا الحلم يراود الريف ، مع العلم انه خارج اجماع الشعب المغربي ، ووحدة ارضه ، يبقى حلما انتحاريا ، وحلما مغلوطا ... سيجعل أي دولة انفصالية مرتقبة ، مسخرة بيد القوى الامبريالية والصهيونية ..
فعوض رفع شعار ( عاش الريف ) ، يجب رفع شعار ( عااااااااااش المغرب ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو