الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى مصور!

ندى مصطفى رستم

2020 / 9 / 21
الادب والفن


كفاكم نشراً لصورنا! لم نعد نرغب بالشهرة.
لم أشارك في مسابقة أجمل طفل، فأنا الطفل الباكي و المجروح الذي أضاع أهله. لا أعلم من منا يرقد تحت الانقاض، أنا، أم هم؟ امش بهدوء، أنصت، هناك أنين خفيف يتصاعد ولا أحد يسمعه إلا أنا. ألم تخجل من تصويري وأنت تبتسم لدموعي وللدم الذي يلطخ وجهي وثيابي؟! لم أعد أعرف ألوانها، أذكر لما اشترتها لي أمي كانت بلون ضحكتها. لم أعد أرى ورود فصل الربيع عليها، أين هي؟! أتساءل خلسة لماذا تضاريس وجهك مبتسمة أيها المصور؟ كأنك تقف على خشبة مسرح تنتظر من ينادي اسمك لتأخذ الأوسكار أو جائزة باسم السلام. لا تضغط على الزر! يكفي متاجرة بي وبأمثالي! انظر إليّ، ألا تخجل؟ فلتذهب من أمامي. فأنا لا أطيق رؤيتك! سأدلك عن أشخاص ينفعوك أكثر مني، تلتقط لهم الصور وهم بكامل أناقتهم، يملكون السيارات الفارهة والمكاتب المكسوة بالذهب والمكلفة. اذهب وصوّرهمْ لتكسب المال. لعلك تكسب ما يكفي لبناء مدرسة لي ولأصدقائي الذين أفتقدهم، منهم من نام باكراً لكي لا يكبر ومنهم من ضاع جزء من جسمه ومنهم من يعمل كثيراً علّه يكبر بسرعة ومنهم من ركب البحر ولم يستطع الوصول. لا تنسى أيضاً أن تهتم بأولادهم، أقصد كبار التجار، السارقين صرختي. اذهبْ والتقط لهم الصور وهم بكامل أناقتهم حاملين حقائبهم المدرسية ذات الماركات الفخمة، وأحذيتهم التي يفوق ثمنها قيمة حياتي. لا تقتربْ أحذرك! لا تصورني فأنا لا ارغب بتلويث عدستك، بينما هم لا غبار عليهم. هل ذكرهم أخافك؟ كأنك على معرفة قوية معهم! انتظر، سأعقد اتفاق معك، أسمح لك بتصويري بشرطين، الأول أن تعدني أن تضع صورتي وتضع لها عنوان بالقلم العريض وتكتب عن لساني التالي: "هذا ما جنت لعبتكم القذرة أيها الكبار فأنا ضحية أفكاركم العفنة وأطماعكم التي لا حدود لها" والشرط الثاني أن تلتقط لي صورة خاصة وبالحجم الكبير، أريدها وتلصقها على جدار بيتنا المهدم لعلّ أمي وأبي وأخوتي ينهضون من تحت الأنقاض ليروا صورتي التي ستكتب عليها: "مازال قلبي ينبض يا أهلي وياجيراني" ربما يفرحون لأني مازلت حيّا وثيابي مازالت نظيفة، فأمي ستحزن إن رأت ثيابي ملوثة بالدم والتراب والدموع العالقة على صدري وأكمامي. ما بك؟ لماذا ترتجف يدك؟ لا ترتبك ثبت كاميرتك، دقق في وجهي جيداً، حاول أن ترسم ابتسامة على ثغري، إياك أن تظهر أوجاعي ووجهي العبوس بعدستك، كانت أمي تحب ابتسامتي دوماً وتقول ابتسامتك ياصغيري تمنح الأمل! احذر أيضا أن تظهر الجروح والكدمات على وجهي وجسدي ولا تظهر ثيابي المقطعة أو أقدامي الحافية، حاول بعدستك أن تلبسني حذاء يليق بهما هل ممكن أن تحقق لي كل هذه الطلبات؟ كنت مبتهجاً، تتباهى بصورك التي سرقتها عمداً، كما سرق وطني. لا أيها المصور الفاشل! كنت أراك، أشعر بزر كاميرتك لحظة التقاط الصورة لي، حتى أستطيع أن أقول لك عدد الصور التي سرقتها دون أن تستأذن مني، ومع كل صورة أخذتها لي كانت حالك يتقلب ، الصورة الاولى التي اختلستها بعدستك رسمت على وجهك الدهشة كأنك وجدتني كنزاً والصورة الثانية كنت تنظر إلي كمخلوق من كوكب آخر، نظراتك كانت تفضح داخلك أو ربما ترى فيلم خيالي أو كأنك تتصفح كتاب فيه صور لا يمكن تصديقها أو تقف أمام مشهد من ألف ليلة وليلة، ولم يخطر ببالك قبل أن تلتقط لي الصورة. هل أنا ذاك الهدف الذي سيوصلك للعالمية؟ أحقاً أنت من تبحث عني؟ هل يروق لك شكلي؟ وأنيني؟ ياللغرابة، أنت تشعر بالفرح وأنا أشعر بالحزن والقهر والألم والبرد الذي بات يجمد أطرافي! عجبي من تلهفك هل صورتي مهمة لهذا الحد ياهذا؟!. فنحن على طرفي نقيض! لم يسأل أحداً نفسه لو كنت بهذه الأهمية ترى لماذا أعاقب إذاً، سؤال ينتظر جواباً شافياً عله ينتهي هذا التناقض يوماً ما،،،








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب