الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع/ 5

دلور ميقري

2020 / 9 / 22
الادب والفن


بعد خمسة أعوام، عندما تقدّم الشابُ الخجول لخطبتها، تذكّرت بيانُ مواظبته على الحضور إلى المزرعة، آنَ كانت تدعوه: " العم جمّو! ". لكنها عُرفت أيضاً بالحياء والتحفّظ، حدّ أنها لم تفكّر مرةً بما وراء تلك الزيارات؛ كأن يكون القصد منها التقرّب لأبويها سعياً لقبوله مستقبلاً كطالب قُرب. وكان ممكناً آنذاك التفكيرُ برودا، التي تكبر بيان بثلاثة أعوام، كهدفٍ معقول للزيارات. غير أنها كانت بمثابة النجيّة للأخت الكبيرة، فلم تسرّ لها هذه قط بميل قلبها لقريبهما العسكريّ أو أنها تشك بعاطفةٍ من جانبه على خلفية نظراته، مثلاً. لكننا لم نستبق أحداث الحكاية، إلا لبث إشارة عابرة عن مقدّماتٍ محتملة لخطبةٍ جرت فعلاً. فلنعد إلى التسلسل الواقعيّ للأحداث، وكنا قد تركنا أبطال الحكاية فيما ظهرَ أنها السنة ما قبل الأخيرة للحرب العالمية الثانية وهم ما زالوا في منطقة الجزيرة.
في حقيقة الحال، كانت زيارات جمّو للمزرعة شيئاً طبيعياً طالما أن أصحابها هم أقاربه الوحيدون في المنطقة. بيد أنّ الشاب كان يملك أصدقاءً أيضاً، بالأخص في بلدة عامودا، التي عُدّت في ذلك الوقت بؤرة للنشاط القوميّ. لقد أُرسلَ إليها مرةً بمهمةٍ، صُحبة شابين من حي الأكراد، فقضوا فيها شهراً ونيّف. هذا جرى قبل تطوعه في الجيش، وكان الهدف من المهمة المساعدة على تشكيل نادٍ ثقافيّ سيُعرف باسم موطن الأسلاف، المحددة جغرافيته خارطةٌ جلبها معه وكانت مطبوعة في دمشق من لدُن القائمين على إدارة نادي الحي. مصيرُ نادي عامودا، الذي أغلق بعد تأسيسه بسنوات قليلة، سيصبحُ مدارَ حديث جمّو مع كل من الدكتور نافذ وسليل آل جميل باشا. إذاك، كان السيّد صالح موجوداً في ضيافة هذا الأخير في مزرعته؛ أي في تلك الزيارة الوحيدة، المشئومة، التي علم على أثرها أن طليقته تعمل كمربية هناك.

***
ما كان والدُ بيان رجلاً موسوساً، لكن صدمته بخبر وجود طليقته في المنطقة، جعلته كذلك لبضعة أيام. حدّ أنه شك باحتمال أن يكون قد تعرّضَ لمقلبٍ، بتدبير من الطبيب وصاحب المزرعة بهدف النيل من كرامته وجعله أضحوكة أمام الملّاكين الآخرين. مع مضي الأيام، تبددت تلك الغيمة من رأسه وعاد الصفاء إلى تفكيره. حقاً إنه لن يعود مرةً أخرى لزيارة مزرعة سليل آل جميل باشا، لكن بقيت علاقته وثيقة بالدكتور نافذ لحين مغادرته الجزيرة بعد بضعة أشهر. ثم فاجأ الرجلَ يوماً، لما جاءه إلى العيادة في وقت الدوام. ظنّ الطبيبُ، لأول وهلة، أن الأمر متواشجٌ مع سهرة مرتقبة في النادي بالقامشلي. إلا أن نظرة أخرى، متمعنة، جعلته يوقنُ أنه أمام زبون يحتاج للعلاج: نوبات الألم في جنب السيّد صالح، كانت قد بدأت بشكل متقطّع في الأشهر الأخيرة وكان يلجأ لوصفات امرأته الشعبية للتخفيف منها.
" الفحصُ لم يكشف لديك تشمّعاً في الكبد، لكنني مع ذلك أنصحك بمراجعة طبيب مختص في العاصمة "، خلصَ الدكتور نافذ إلى هذه النتيجة وهوَ يبتسم على عادة زملاء مهنته في هكذا أحوال. ثم أردفَ، يوصيه بالكف عن الشراب أو التخفيف منه على الأقل. آبَ الرجلُ إلى مزرعته، منزعجاً وجَزِعاً: " كنتُ في همّ طليقتي اللعينة، وإذا بهمّ آخر يخرج لي على غفلةٍ أيضاً ". آثرَ أن يخفي الخبرَ على أيّ كان، وما لبثَ أن فكّرَ بشكلٍ جديّ في العودة إلى الشام بشكل نهائيّ.

***
في اليوم التالي، بادرَ إلى استدعاء وكيلَ أعماله لمناقشة الأمر. دُهش هذا الأخير بالطبع، نظراً إلى أن المزرعة باتت مزدهرة وإيراداتها مع مدخول الحافلة الكبيرة كانت تتيح لمعلّمه حياةً رغيدة ومُرفّهة. فأوضحَ السيّد صالح، عابساً: " ستنتقل أسرتي إلى منزلنا في الشام، فيما أنا سأطل عليكم بين فترةٍ وأخرى ". ثم استدركَ بالقول: " وأنت ستنوبُ عني هنا، مثلما ذي قبل. أي أن شيئاً لن يتغيّر، تقريباً ". انبعثَ عندئذٍ بريقٌ من عينيّ الوكيل، المُعرّف بالمكر. لكنه راحَ يُردد عبارات الأسف لقرار معلّمه، مُعرباً عن أمله بألا يطيل الغياب ويدعه " بين براثن أولئك القرويين الكسالى والطماعين "؛ بحَسَب تعبيره.
خبرُ قرار العودة إلى دمشق، حظيَ بالترحاب ولا غرو من جانب أفراد أسرة الرجل الملول. برغم ذلك، عم نوعٌ من الحزن بينهم بالنظر إلى اعتيادهم على العيش في الريف وكذلك لأنهم سيفتقدون لصداقات عقدوها هنا. لكن الخبرَ استُقبل بارتياع في أوساط مزارعي الضيعة الصغيرة، بالأخص النساء. وقد هُرع بعضهن برفقة امرأة الوكيل، للتعبير أمام ريما بالقلق على مصيرهن. بدَورها، طمأنت السيّدة ريما النساءَ، بالقول أنّ الحال سيبقى عقبَ غيابها مع أسرتها مثلما هوَ بوجودهم.
آخر مَن تم استقباله في المزرعة، قبيل رحيل أصحابها بنحو أسبوعين، كان قريبهم العسكريّ. هوَ أيضاً، جمّو، أعربَ عن دهشته لسرعة البت بأمر الرحيل مع أن الحربَ لم تضع بعدُ أوزارها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا


.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف




.. الإسكندرانية ييجو هنا?? فرقة فلكلوريتا غنوا لعروسة البحر??