الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جماليات إيقاع التقابل في -تحوّلات- / الشاعر عبد المنعم القريشي *

مؤيد عليوي

2020 / 9 / 25
الادب والفن


أن قصيدة النثر عند الشاعر عبد المنعم القريشي، تنز من يوميات الواقع العراقي ببعد وثقافة الشاعر الانسانية، فأغلب قصائده هي مصائر الفرح والمرارة والألم والخسارات اليومية للناس، في وطن مهمل فيه الانسان منذ عقود بل منذ قرون الطويلة...، لتمرّ الصور الفنية فيها بما خلف اللفظ من معانٍ أمامك وكأنك تعرف المعنى المراد فربما احسسته ذات مرة في زقاق ما أو شارع ما، أو ربما في مدينة من العراق، أو في دولة ما في هذا الوجود .
أما إيقاع التقابل هاهنا من الايقاع الداخلي لقصيدة النثر على حد تعريف د. رمضان حينوني، الذي يقصد به نوع من إيقاع الجملة، تتقابل فيه الجمل أشكال مختلفة، بعضها للتضاد، وبعضها الآخر للتكرار أو للتعداد أو للمقارنة، ومنه تقابل التضاد في "تحوّلات" حيث الجمل تختص بالإنسان فردا يراد منه التعبير عن الحياة الانسانية في وقت كورونا ، معبرا عنه الشاعر في جو اسطوري :
(تسقط من الأعلی الی الأسفل
ومن الأسفل الی الأسفل
وتنسی أنك سقطت
وتنسی مسقط رأسك
يا للهول !!! )
وهذا المعنى " السقوط الى السفلية " ليس منعزلا عمّا قبله من المعاني، فهو نتيجة لما آلت له حياة الفرد الفقير في الكون
(هكذا قالت الأرض :
أنا الحانة الكونية
السكری بالارجوان والنار
أطل بفايروسات وملذات / ....) في العالم إذ للفقير فيروسات الموت، وللسلطة وأغنيائها ومترفيها، وما يحلق حولها من عرافيين ورجال دين، و..، الملذات ليكون تقابل التضاد لمعنى "السقوط الى السفلية" في المعنى الاتي من نهاية القصيدة :
( في الشر المحض تكمن التفاصيل
وحينئذ يعقد العارف صداقة رمادية، يصعد
يصعد . . .
يصعد . . .
وكل هذا الصعود هبوط إلی غابة الإيروس،
منتصرا بصقل سيفه الخائن
وطاردا أوهام النار
وصور الغثيان والحمی
من جسد يتكور في لذته .)
وفي تقابل التضاد جديد لـ" السقوط الى السفلية"، إلا انه ساخر هذه المرة من السلطة المتجسدة بأسطورة أدبية "الملك " الذي هو يتصل بالعراف أو رجل الدين من وعاظ السلاطين، اسطورة خلقها الشاعر عبد المنعم القريشي في نصه الشعري، جاعلا منها السؤال الوجودي حول قيمة حياة الانسان، بل جاعلا منها السؤال حول الشعارات التي ترفعها الانظمة في العالم ومنظماتها الدولية، والانظمة الثيوقراطية واحزابها وحركاتها في العالم، كان السؤال المخفي في السخرية من واقع الموت اليومي للإنسان بسبب الوباء دون أي قيمة للإنسان، في تقابل التضاد مع مقطع "السقوط الى السفلية" بمعنى الموت كما تقدم، مع مقطع القصيدة التالي :
( أهكذا عملت بنا التفاحة ؟؟؟
وتكتشف بعد فوات الأوان
لماذا منع الملك زراعة التفاح
من أجل ماذا
أمن أجل ألا تتذكر طعم الحياة ؟ )
وفي تقابل تضاد ثانٍ ينتمي الى الفلسفة الوجودية بتجلي واضح رافضا وصاية العرّاف والعارف وسلطة الملك وكل وصاية :
(السماء تلطخ شفتيها بالأحمر القاني، وتجبرك أن تمشي بخط مستقيم، وحين يعوج الطريق بين قدميك، تكون أنت، أنت وغيرك أول الضحايا ، هكذا هي الشعوب الآيلة للإنقراض، تبعث رسائل الحديد إلی قلوب لم يبق منها إلا كريات عالقة علی الجدار)
الذي يضاده معنى الرفض للشاعر لهذا في المقطع التالي :
(أقف في الطريق، الطريق المنعزل، لا أنتظر عرافا أصفر الصحائف، أو كاهنا من الرخام
يلقي درسا عن العزلة، أو عن العام المنصرم، وكيف يمشي علی رأسه كي يصل الی السماء
معتمرا شهوة الانكسار، وكهوف الغابة، والجري وراء حكمة مقطوعة القدمين .
في الشر المحض تكمن التفاصيل
وحينئذ يعقد العارف صداقة رمادية، يصعد/ ...)
فيعمل ايقاع تقابل التضاد هذا على خلق اجواء الاسطورة الادبية في النص، التي تمنح قصيدة النثر عند عبد المنعم القريشي بعدا انسانيا متأملا، حيث نكتشف إشكالية الوجود نفسها والسؤال الدائم للبشر لماذا تمر هذه الادوار وهذا التاريخ على طول امتداد وجود البشر، ولماذا هذا يفعل الخير وذاك يفعل الشر؟ مادام الجميع يمر بذات الدورة من حركة الكون ليصل الى نهايته المحتومة؟ .
وثمة نوع ثان إيقاع التقابل الداخلي وهو تقابل التعداد، الذي يخلق نوعا من تسلسل الاحداث لما يمر بالإنسان في هذه الظروف من العالم، في جوا اسطوري ايضا :
(ولكنها الآن ثملة، واقفة --وأقصد الحياة -- بين فكي أسد خرف بليد . . .
يهيئون هيكلك،
يقشر
يسلخ
يطبخ
ويقدم طازجا
علی موائد الهواء
في حدائق اللئام
ثم يجمعون ما تبقی من عظامك
في صناديق النسيان )
ثم يتواصل المقطع ذاته الى النقيض الذي مازال يمارس لعبة الوجود المترف منه أو الفقير، الذي ينظر للإنسان الاخر وهو يرحل عنه:
(دون أن يرف لهم حائط
أو شجرة سوداء
وأنت، أنت، أنت
لم تكشر لك الحياة بأنيابها النارية، المحتفلة أمامك بمرح وسرور بالبشر
المزدحمين بالموت والفايروسات
القادمة من التاريخ .)
وفي تقابل التكرار في المعنى من الايقاع الداخلي كما عرفه د. رمضان حينوني
( هكذا قالت الأرض :
أنا الحانة الكونية
السكری بالارجوان والنار
أطل بفايروسات وملذات
وكوابيس مملوءة بالحصی
ونار التماثيل ،)
ليكرر المعنى فيما بعده من بداية القصيدة :
( هكذا هي الأرض :
إمرأة متيبسة
فوق نعاس التقاويم
الخارجة من فم الفجيعة .
وهكذا هي الروح :
تترك فاصلا موسيقيا من الجحيم
لتعود الی النار الأزلية
الخارجة من بؤبؤ اللامبالاة .
وهي تحدق في الأرصفة الضاجة بالحيوانات النافقة، والورود الهاربة من مستقبلها .
تسقط من الأعلی الی الأسفل )
...........................................................................................
*قصيدة "تحولات "، الشاعر عبد المنعم القريشي ، موقع الاديب العراقي، اتحاد الادباء والكتاب العام في العراق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل