الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة وأدواتها القانونية لحماية وجودها

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2020 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


الدولة وأدواتها القانونية


لا أحد ينكر أن الدولة كمؤسسات وشخصية أعتبارية لم تنشأ خارج رحم القانون ولا يمكن لها أن تكون إلا به وعليه، فالدولة هيكل مادي وأعتباري روحه النظم والتنظيم والوظيفة وكلها محكومة بقواعد عامة مجردة، يكون بقاء وأستمرار هذا الهيكل متوقفا ومستندا وعاملا بروح النظام، هكذا درسنا وعرفنا وجربنا مفهوم الدولة، فلا يمكن الفصل بين جسدها المتمثل بالأركان المادية لقيام الدولة وبين قوة ونجاعة القانون والضبط والنظام، لذلك قال أحد المفكرين الاجتماعيين أن الدولة هي صورة القانون حين يتجلى للأفراد بصورة علاقات مرتبطة تحكم أجتماع الإنسان لأجل بقاءه، هذا الكلام أسوقه تذكيرا بما يحدث الآن في العراق وتحديدا أمام ظاهرة اللا دولة التي تسعى لها أطراف عديدة سياسية ودينية وأجتماعية الهدف منه فك الربط بين القانون وبين الدولة تمهيدا لتفكيكها وبيعها لمن يدفع أكثر.
في الماضي القريب والبعيد حينما تختفي مظاهر الدولة بمعنى غياب قانونها عن التطبيق يبقى الناس بحاجة إلى ما يشد الروابط بينهما ليعيشوا شكلا من أشكال الحياة الأجتماعية التي تضع معايير أو حدود للحق والواجب، فتقوم الأسرة بهذه المهمة وتتطور هذه العلائق بالتجربة وبالقوة لتتوسع نحو الأسرة الأكبر ثم العشيرة والقبيلة بمقدار ما تستطيع أن تفرضه على أتباعها، هذا التنظيم وإن كان بدائيا وغير مدون ويمكن التلاعب به لمصلحة القوة، لكنه من وجهة نظر أجتماعية كان ضروريا ومهما لأنه يعود الإنسان على أحترام القانون والنظام ويجنبه الفوضى وحكومة الغاب، طالما أن هناك غياب للقانون الأجتماعي المؤسساتي للدولة بمعناها الحديث، ومع ذلك لم يقر علم الأجتماع أي أهمية للحفاظ على نظم القبيلة والأسرة والمجتمع المصغر في حالة وجود قانون ودولة قادرة على أن تنظم شؤون البشر وتسعى لفرض قيم جمعية تشكل قاعدة للأجماع الوطني والمجتمعي عليها، لأن ذلك وظيفة المؤسسة المنتظمة والتي هي أولا وقبل كل شيء محكومة بالنظام والقانون.
المجتمع العراقي تقريبا ومنذ أن نشأ مصطلح العراق كدولة قديمة ومجتمع منظم قبل الكثير من المجتمعات التي تشكلت بعده أو عاصرته عرف القانون والنظام مبكرا، وهذا ما مهد بالضرورة والحتمية لقيام التنظيمات الأجتماعية المؤطرة ومنها وبها نشأت الحضارة العراقية التي نعرفها والذي حفظ التاريخ والجغرافية لنا كثيرا من مشاهدها وصورها، البند الأول الذي تبنى عليه تلك المجتمعات الحضارية هو تدوين القانون بشكل يجعل منه ملاذا للشعب وحاكما بينه وبينه السلطة في الحدود التي ينظمها، أما حين يغيب القانون لسبب ما نتيجة صراعات أو تدخلات خارجية فيعود الناس للتحلل من تلك الألتزامات والعودة لنظام العشيرة والقبيلة لأنها هي السلطة الحاكمة وهي السلطة المنفذة للقانون، فالعراق الأجتماعي عاش الحالتين وما بينهما ويعرف ويقدر قيمة القانون ويحترم الدولة حينما تكون مظلته وغطاءه الكامل في علاقاته مع الأخر.
من يسعى اليوم لأبدال قانون الدولة ونظام الألتزام بقوة ووجود النظم الجامعة مع وجودها محمية بقوة النظام وخضوع الشعب له، إنما يهدف بالحقيقة إلى الخروج من دائرة التحضر والمدنية إلى شريعة القبيلة وقانون العشيرة لينصب نفسه ندا لسلطة الدولة وتحويل النظام إلى فوضى طاحنة، هذا التفكير وهذه الممارسة تستوجب عنصرين أساسيين وهما أولا حق الدولة في الدفاع عن نفسها ووجودها بالقانون حتى لو أستلزم ذلك أستخدام القوة بإطارها القانوني ضد كل من يتمرد على القانون، فلا فرق بين أن يخرج فرد على القانون أو تخرج جماعه عليه، فالجريمة واحدة وإن كثر المجرمون، ثانيا أن تتعامل الدولة مع هذه السلوكيات بحزم وأنضباط حتى لا تتحول إلى ظاهرة تتكرر في مناطق أخرى وفي حالات متشابه لأن ذلك يعني تخلي السلطة والدولة عن واجبها الأساسي في العقد الأجتماعي الناظم وتقتل نفسها بنفسها نتيجة التراخي في تطبيق موارد الحفظ على بناء الدولة ومؤسساتها وأحترامها لنفسها.
الجريمة الكبرى تحدث إذا حينما يخرج البعض على الدولة وعى قانونها بحجة أو تبرير زائف يقابله تراخي ونكوص الدولة ومؤسساتها في مواجهة هذا الأستفحال الذي بالتأكيد تحميه وتدفع به للواجهة أجندات ومؤامرات تحت الغطاء الهدف منها سياسي ومن ضمن منظومة صراع أكبر، قد يكون مطلوبا الأستمرار به وتعظيمه في هذه الفترة تحديدا لأهداف وغايات معلنة وخفية، وعلى السلطة التي تمثل جوهر قوة الدولة وأداتها في حفظ القانون والنظام أن تتعامل بأعلى درجات وروح المسئولية، ولا يمكن عد هذا الواجب جزأ من الصراع السياسي، فالسلطة وإن كانت خلفها قوى سياسية فهي في تطبيقها للقانون تمثل إرادة الشعب ومصلحته في الحفاظ على الدولة، هذا يعني أن كل تصرف تتصرفه دفاعا عن البلد والمجتمع هو تصرف كل المجتمع تجاه أي دعوى أو تصرف يمس النظام والكيان الأجتماعي العام، وأي أعتراض على هذا التصرف طالما أنه يسير وفق محددات وأطر القوانين النافذة ومن أي جهة يصدر لا بد أن يعتبر تحريضا على العصيان ومشاركة في جريمة تهديد السلم والأمن الوطني وأن تجابه بقوة كما تم التعامل مع أصل المشكلة.
اليوم نحن كعراقيين نمر في مرحلة تحولات ومرحلة دقيقة وحرجة أمامنا خياريين أثنين، أما أن ننفض عنا غبار السنوات التي مرت وما فيها من ظلم وتعسف وفوضى وتجاوز على القانون لبناء دولة المؤسسات والحفاظ على هيكلية الدولة وروابطها، أو الذهاب إلى مفهوم اللا دولة وسلطة السلاح المنفلت والمليشيات السياسية والعشائرية التي لا يهمها سوى خدمة أهدافها الخاصة ومصالح مشغليها مهما كانت المخاطر المحدقة بالوضع، كما أن السير في الطريق الثاني مع بقاء شكل الدولة المشلولة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها إنما يخفي أشكالا من الصراعات مع القوى الإقليمية التي تريد تمرير مشاريعها سواء أكانت عسكرية أو أقتصادية أستراتيجية على مصلحة العراق ومستقبله ووجوده، لأن غياب الدولة عن معالجة قضايا محلية لا يمكنها أن تتصرف وتعمل ما هو واجب عليها في قضايا وطنية وإقليمية مصيرية، وبالتالي سنكون أمام مرحلة تفريط وهدم وضياع مستقبل شعب وبلد تمزق على أيدي أبناءه بدون مبرر ولا ثمن مستوجب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي